شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
خداع العناوين (1)
بقلم ابن رشيق (2)
-1-
للمرحوم المنفلوطي الأديب المصري المشهور كلمة مأثورة عن (خداع العناوين) ذكر فيها بعضاً من مشاهير الكتّاب والشعراء الذين عرف كل منهم بنباهة الاسم وسيرورة الذكر، وليس لهم من الآثار في الكتابة أو الشعر إلاّ كل ما هو مثال للركاكة والسخافة أو على الأقل ليس لهم من ذلك ما يضاهي الشهرة الاسمية التي نالوها بين ثنايا الكتب التاريخية.
وقد أورد الأديب المشار إليه جملة أمثلة على قوله، وشاء أن يتكلم عن بعض الكتب المعروفة بأسمائها الجميلة الخداعة والمملوءة بكل شيء إلاّ من المعاني التي يتصورها القارئ حينما تذكر أسماؤها، ذكر لنا المنفلوطي -رحمه الله- من القسم الأول (ابن النبيه) و (الشاب الظريف) الذين اشتهرا بين الشعراء، ومن القسم الثاني كتابي (جواهر الأدب) و (بدائع الزهور).
-2-
طالعت في العدد الأسبق الصادر بتاريخ 22/7/1351ه، من جريدة (صوت الحجاز) الغرّاء مقالاً عنوانه (ابن رشيق وكلمته في النقد -رأي اعتراضي) مذيلاً بإمضاء (ملاحظ). فطربت والحق أقول في بادئ الأمر، طربت جداً، وقلت ها أنذا سأتلقى آراء إن لم تكن جديدة فهي على كل حال آراء لها قيمتها باعتبار أنها صادرة من كاتب ملاحظ!!
والملاحظة كما هو مفهوم من معناها قريبة من النقد، تمتُّ إليه بأوثق الصلات والروابط، إن لم يكن هو إياها.
لقد عرفت بعد أن تصفحت المقال المذكور أني ما كنت إلاّ سارياً غرة قمر.. وأدركت أني لم أكن إلاّ واهماً لأني لم أجد آراء اعتراضية ولا شبهها.. بل رأيت وماذا رأيت، رأيت مجموعة كلمات مصفوف بعضها فوق بعض، الأمر الذي ذكرني بأيام المدرسة -رعى الله عهودها- حيث كنا نتسابق في كتابة مواضيع الإنشاء، وكان قصاري الواحد منا بحكم طبيعة التعلم أن يقتبس من هنا وهناك ألفاظاً وكلمات نحاول أن نوجد منها موضوعاً يروق في نظر الأستاذ، ونسمع منه في النهاية عبارات العطف والتشجيع والاستحسان!
لا أنكر القارئ أني عجبت أخيراً لا من المقال وما فيه.. بل عجبت أولاً من ذلك العنوان الضخم (ملاحظ) يا الله ما أعظم خداع العناوين! إنها الساحرة في جاذبيتها، وإنها لبليغة في تأثيرها كالكهرباء!
-3-
يشكو الناس كثيراً -وكثيراً جداً في أسلوب بعضهم- من داء الغرور، يشكون من هذا الداء العضال، وينحو فريق منهم باللائمة على من يبتليهم الله بهذا الداء، ويميل آخرون إلى تسخيفهم والتشهير بهم، أما أنا فلي -بعد الاستئذان من الأخ ملاحظ طبعاً- (رأي اعتراضي) على هؤلاء وأولئك، فقد لا يستحق المغرورون ذلك التسخيف، بل هم أيضاً ليسوا جديرين بأي لوم ولماذا؟ لأن الغرور ما دام أنه مرض من الأمراض فهو ليس إرادياً بل من الأشياء القهرية، هو أمر طبيعي لا ناقة لإرادة الإنسان فيه ولا جمل، فطرة الله التي فطر المغرورين عليها، ولعمري ليس على المريض من حرج.
-4-
هناك أيها القارئ مثالٌ من الغرور:
يقول أخونا ملاحظ في آخر مقاله الطويل "نحن نعرف منذ لابسنا حياة الأدب، وعرفنا كل ضروبه أن النقد ضروري وأنه إلى هذا يجب أن يكون بريئاً متنصلاً من الأغراض، بعيداً عن كل نزعات النفس الذاتية".
(وعرفنا كل ضروبه) هكذا يقول ملاحظ، لقد عرف أخونا كل ضروب الأدب.. أليست هذه مبالغة في الادعاء!؟ أليست هذه أنانية متناهية؟! وبعبارة أخرى أليس هذا غروراً بكل معنى كلمة الغرور؟!
أنا لا أبخس الناس حقوقهم، ولا أستنكر وجود أديب يعرف كل ضروب الأدب فمثل هذا كثيرون.. ولله الحمد، وفي مصر وفي الشام من أمثال العقاد وهيكل وأحمد ضيف والريحاني وكرد علي والأمير شكيب من هم حقيقة يجوز أن يكونوا عرفوا كل ضروب الأدب، أو على الأصح أدركوا الشيء الكثير منها.. ولكنا لم نسمع ولم نقرأ أن أحداً من هؤلاء الأعلام وأمثالهم قال عن نفسه (إنه يعرف كل ضروب الأدب) كلا كلا إنهم أجل من يصلوا إلى مثل هذا الإسفاف ولهم من ثقافتهم الناضجة وأخلاقهم العالية مندوحة عن مثل هذا الغرور والادعاء!
أنا وأنت يا صاحبي لم نصل بعد إلى هذه الدرجة العالية، ولم ندرك بعد كل ضروب الأدب (أستغفر الله) بل نحن لم نزل مبتدئين.. ومن يدري فقد نكون أنا وأنت (في السبيل) وقد نصل إلى تلك الدرجة السامية قريباً أو بعيداً وما ذلك على الله بعزيز.
-5-
إذا عرف القارئ الكريم أن أخانا (ملاحظ) عفى الله عنه إنما هو شاب لما يزل بعد في ميعة الصبا وإنه لم يبلغ العشرين ربيعاً بعد وإذا عرف فوق ذلك أنه خرج من إحدى مدارسنا قبل أن يصل في أقسامها الابتدائية إلى سنواتها النهائية... أقول إذا أدرك القارئ كل ذلك لا شك أنه سيزول من فكره كل عجب واستغراب، وبدلاً من أن يستسخف كلمته تلك، لا ريب أنه سيعطف عليه كثيراً، ويتمنى له من هذا الداء العياء! داء الغرور والادعاء، العافية والشفاء!
إني أتمنى له ذلك من صميم قلبي، وأرجو له مستقبلاً مجيداً حافلاً في عالم الأدب فهو كما يظهر من كتابته ذو ملكة واستعداد لا بأس بهما، والدراسة المستمرة وتجاريب الزمن، كل ذلك كفيل بإصلاح ما قد يكون في كل إنسان من نقائص وعيوب، والله هو الموفق وهو الهادي إلى سواء السبيل.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :676  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 61 من 72
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج