شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
((كلمة سعادة الأستاذ الدكتور محمد بن راشد الفقيه))
بسم الله الرحمن الرحيم. أولاً أشكر شيخنا وأستاذنا عبد المقصود صاحب هذه الاثنينية على هذا التقدير الذي هو أكثر مما أستحق ومما سمعته من الإطراء أخجلتموني فلا أستطيع أن أتكلم الآن، فما أنا إلا طبيب أقوم بعملي ومن خلال هذا العمل يتحقق بعض الإنجاز، إنما هذا الإطراء الكبير ما هو إلاّ كرم من الإخوة الذين تكلموا والشيخ عبد المقصود جزاه الله خيراً والإخوة الجالسين.. هذا الإطراء كرم منهم لا أستحقه لأن كل ما عملته هو عمل علمي عادي يقوم به كثير من الأطباء في العالم حتى في المملكة العربية السعودية. أرجو من الله أن يكرمهم كما أكرموني وأن أكون على قدر ذلك الإطراء، أشكرهم وأخص بالشكر الشيخ عبد المقصود خوجه. كما ذكر شيخنا وأستاذنا فقد تربيت وعشت في مدينة صغيرة اسمها الزبير وهي بلدة قد لا تصل إلى حجم مدينة، تقع في الصحراء على الحدود الكويتية -السعودية، بينها وبين الحدود الكويتية نصف ساعة بالسيارة. جاء العديد من عوائل منطقة نجد وسكنوها لأسباب مختلفة، من بينها الصراعات التي كانت موجودة ثم قلة المورد؛ فقد كانوا يسعون إلى الرزق والبصرة كانت من الأماكن الغنية لأن فيها شط العرب والنخيل والمزارع والتجارة، لكنهم أرادوا أن يحتفطوا بطبيعة عاداتهم وتقاليدهم فسكنوا تلك المنطقة ومن خلال تعاونهم أصبح هنالك بعض الإنجازات الاجتماعية التي استفدت منها. كانت البلدة إمارة قبل أن يحتل البريطانيون العراق، وبعد الحرب العالمية الأولى أصبحت بلدة صغيرة تابعة للواء البصرة في العراق. وأهالي الزبير معظمهم إن لم يكن كلهم من السعوديين، وقد أقاموا لأنفسهم مؤسسات بعد تأسيس الدولة العراقية لتحمي دينهم وتقاليدهم لأن العراق بعد الغزو البريطاني وانهيار الدولة العثمانية الإسلامية قد أبيح فيه الخمر والنوادي الليلية وما يشبه ذلك، كذلك أصبحت مناهج المدارس لا تدرّس الدين بطريقة جدية ولا يدخل الدين في منهج الامتحانات العام، كما أن اللغة العربية كانت ضعيفة فأنشأوا لأنفسهم مدرسة أهلية وجعلوا الاشتراك فيها رمزياً وأسموها مدرسة النجاة الأهلية، كانت تدرّس المنهج الحكومي ولكن تضيف إليه دروس الدين واللغة العربية وأيضاً مسك الدفاتر، وهذه نقطة مهمة لكي يتخرج الطالب من الابتدائي وهو يستطيع أن يعمل لدى المؤسسات التجارية كمحاسب، ويعرف كيف يقرأ الميزانية وكيف يمسك الدفاتر التجارية.. كان هذا في عام 1922م. كما يعرف فإن العراق سقط في يد البريطانيين عام 1917م، ثم أنشئت هذه المدرسة وبدأت عملها عام 1922م وتخرج منها الكثير من المحافظين على علمهم الشرعي وعلمهم باللغة العربية، وأيضاً جاهزين لسوق العمل بسبب معرفتهم بمسك الدفاتر، ثم أنشأوا في السنة نفسها مكتبة الزبير الأهلية العامة، حيث إنها مدينة صغيرة وليس فيها من المكتبات المساعدة على تنمية الفكر والعقل، فكانت هذه المكتبة تبرعاً من الملك عبد العزيز يرحمه الله وكذلك فيصل ملك العراق الذي تبرع بكتب كثيرة فأصبحت مرجعاً، وقد زار الملك سعود الزبير مرتين، وزارها عبد الاله ولي عهد العراق، وزارها أيضاً عبد السلام عارف وجميع الرؤساء. بعد الحرب العالمية الثانية أصبح هناك نوع من التحرر في المجتمعات كما هو معروف، ولذلك فقد أنشئت في الزبير جمعية الإصلاح الاجتماعي، هدفها الحفاظ على الأقليات من الناس ومتابعة التزامهم. والنقطة الثانية التي استفدت منها شخصياً هي أن هذه الجمعيات لم تكن مدارس وجمعيات تعتني فقط بالدعوة أو تعتني فقط بالتعليم، إنما كانت تهتم بحياة الناس: تهتم بحاجة الفقير، وتهتم بتدريب من يحتاج إلى تدريب وتعليم، لذلك أصبح الناس يطيعونها ويهتمون بما تقوله، لأن الناس يحتاجون إلى من يعينهم على أمور حياتهم، لذلك نرى النجاحات الكبيرة لبعض المؤسسات أو الأحزاب في العالم الإسلامي سواء كنا نتفق معهم أو لا، ولكن حينما يحصل الاهتمام من قبل الأحزاب أو المؤسسات أو الجهات الدعوية بحاجة الناس العادية -أي مأكلهم مشربهم سكنهم تعليمهم وإيجاد فرص العمل لهم- يحصل التأييد لتلك المؤسسات، والأهم من التأييد هو السماع لهم عندما يدعونهم إلى الخير. المثل الموجود في تركيا الآن ومن يحاكمونها، وكما قلت بغض النظر عن اتفاقنا معهم أو عدم اتفاقنا معهم، فإن خدمتهم للناس أدت إلى حصولهم على هذا التأييد.. بعض المؤسسات مثل مؤسسة حماس في فلسطين أدت خدمتهم للناس على حصولهم على التأييد في تلك الانتخابات. كذلك في ماليزيا، ومع العلم بأن عدد المسلمين في ماليزيا أقل من 60%، فإن مهاتير ومن قبله تنكو عبد الرحمن، وقد حكم فترة طويلة، كان عملياً في تعامله مع غير المسلمين وإقناعهم بضرورة رفع مستواهم، ولذلك يعتقد كثير من الناس أن أغلب سكان ماليزيا مسلمون ولكن هذا الكلام ليس صحيحاً، إذ إن فيها عدداً كبيراً من اليابانيين والصينيين وغيرهم. إن رفع مستوى العنصر غير الملاوي فيه رفعة كبيرة للبلاد، وقد أدى ذلك إلى فترة مهاتير في ماليزيا، وكانت البعثات معظمها للملاويين وبموافقة العناصر الصينية، لقد أصبحت ماليزيا اليوم عبارة عن بلد الناس فيها سالمون ومتعاونون، بينما كان الخطر في الستينات على المسلمين أنفسهم في ماليزيا، لذلك أتى الاهتمام بحاجة الناس وهذا ينطبق في كل شيء، أنا كنت في ليفربول في فترة العمل في بريطانيا، فكانت هنالك الجمعية الإسلامية في ليفربول وكان فيها العمال الباكستانيون والمسلمون والهنود وكذلك صوماليون ويمنيون، بالإضافة إلى الطلاب، فحصل أن انتخبوني رئيساً للجمعية الإسلامية التي تضم جميع هؤلاء وكان هنالك تنافر كما يحصل في كل مكان بين العناصر المختلفة، إذ إن معظم الساكنين هم من الذين حصلوا على الجنسية البريطانية فيما عدا الطلاب، ونظراً لأني استفدت من تجربة الجمعية الأهلية للمكتبة والمدرسة، اقترحت على الإخوان في الجمعية باعتباري رئيساً لها أن نهتم بحاجتهم -حاجة صاحب الدكان والعامل الذي لديه أولاد- فبدأت الجمعية تعين الناس على حياتهم، لا بالصدقات ولكن بمساعدتهم على تكوين أنفسهم، فأدى ذلك التعاون وشعور الجميع أن هنالك مصلحة مشتركة، إلى توحيد الفئات المتناحرة ومكّنها من الاتصال بالحكومة البريطانية لطلب منح لمساعدة هذه الجمعية وتطويرها.. فأنا أرجو من الجميع أن يشيعوا هذا الفكر وهو موجود عندكم جميعاً بأن الناس محتاجون لمن يهتم بأمورهم مهما كانت وظيفتهم، فالدعوة مطلوبة والاستقامة في العمل مطلوبة ولكن يجب أن يرافقهما أيضاً اهتمام بحياة الناس. نقطة أخرى لاحظتها وأنا في مدينة الزبير وهي علاقتنا بالقنصلية السعودية في البصرة، إذ كنا نعتبرها حكومتنا ولم يحصل أن ذهب أحد من السعوديين في الزبير -مع أن عددهم عشرات الآلاف.. خمسين ألفاً أو ستين ألفاً تقريباً- لم يحصل أنه ذهب إلى مركز الشرطة للشكوى على الآخر، كان مرجعنا بصورة إرادية القنصلية السعودية في البصرة، وسبب ذلك لا لأن أهل الزبير يريدون ذلك، بل لأنهم وجدوا أن القناصل يهتمون بالأمور؛ فكان من الذين عاصرتهم محمد سليمان الشبيلي الذي أصبح سفيراً بعد ذلك، كذلك محمد منصور الرميح وبعده فارس، وبعده عبد الكريم الزامل، وهؤلاء كانوا يختلطون بالناس ويتلمسون حوائجهم فلا يتردد أحد في الرجوع إليهم، حتى إنني أذكر أني حينما أراد الوالد أن يسجلني في المدرسة، وكان عمري خمس سنوات ونصف وكان القانون ينص على أن العمر المقبول هو ست سنوات ونصف والرسمي سبع سنوات، لكن بالإمكان القبول بست سنوات ونصف.. فذهب الوالد وكان يعرف محمد الشبيلي رحمه الله فقال له إن محمداً صار يعرف الحروف ويعد الأرقام ويجمع، لماذا نؤخر سنة؟ فقال له أبو سليمان دعه سنة أخرى، فأصر الوالد وقال له: أنت تعرف مولده الحقيقي وأنه في ذلك الوقت لم يكن هنالك تسجيل للمواليد، وما دمنا لا نعرف مولده بالضبط فلا مانع من تكبيره سنة، فكبروا عمري سنة ودخلت إلى المدرسة قبل سنة. كانت القنصلية لها ما يمثلها وكانت معزولة عن مدينة الزبير، فكان هنالك شخص اسمه المرضي ويمثل القنصلية، فعندما تكون لديك معاملة فليس ضرورياً أن تنتقل إلى هناك، بل هو يأخذ معاملات الناس فينهيها لهم، حتى الجوازات والجنسية.. هذا الاهتمام بالناس جعل الناس يرتبطون بالقنصلية. أيضاً حينما حصلت الثورة في العراق عام 1958م وحصل المد الشيوعي في الثلاث سنوات الأولى والذي بلغ ذروته عام 1958م، كنت وقتها في المدرسة الابتدائية، وكان هنالك لو تذكرون ما يسمى بأنصار السلام، هؤلاء كانوا يهاجمون الناس ويرتكبون المذابح في الموصل وفي كركوك وكانوا يختارون أكثر المدن محافظةً فيهاجمونها، فحصل أيضاً ترتيب لمهاجمة مدينة الزبير، فاتصلت القنصلية بالملك فيصل رحمه الله الذي كان ولي العهد ووزير الخارجية، فاتصل الملك فيصل بعبد الكريم قاسم -وكان يسمى في ذلك الوقت زعيم العراق- فأمر بضرورة نزول جيش لحماية الزبير، وطبعاً أوصى الزبيريين بأن يكونوا حكماء بالتعامل مع هؤلاء والخلاص منهم بطريقة معقولة، فكانت القنصلية مؤثرة جداً بسبب اهتمامها. وذهب الشبيلي إلى الهند ثم رجع سفيراً في بغداد، وحينما رجع سفيراً في بغداد كنت طالباً في كلية الطب، فكنا عندما نذهب للقنصلية في أية مراجعة نضع في اعتبارنا أننا لن نرجع إلا مساءً لأن لديه أوامر للموظفين في القنصلية بأن أي سعودي يراجع القنصلية يجب أن يمسكوا جوازه أو أي ورقة لديه إلى أن يتغدى أو يتعشى مع محمد الشبيلي، وكان أيضاً يكرم الفئات المتنفذة في البلد بشكل غير عادي، حتى أولئك الذين نخالفهم في الفكر مثلاً إبان فترة الحرية التي سادت في عهد عبد السلام عارف قبل أن يصير الحكم إلى البعث -حكم الحزب الواحد- فقد كانت هناك حرية للبعثيين والقوميين، فكانت للشبيلي علاقة ممتازة مع الجميع فلذلك استطاع أن يحسن العلاقة مع الدولة نفسها. محمد المنصور الرميح أيضاً كانت العلاقة به جيدة بعد ذلك صار سفيراً في الكويت، إذ تخرجت من الثانوية وقررت المجيء إلى المملكة لأراجع وزارة المعارف للحصول على بعثة، فأعطاني محمد منصور الرميح رسالة إلى عبد العزيز الخويطر الذي كان مدير جامعة الرياض في وقتها لأكمل معاملتي في وزارة المعارف، وكان الوزير حسن آل الشيخ رحمه الله، وحينما رجعت من الرياض لم أستطع الحصول على البعثة لأن هنالك قوانين تستثني المتخرجين من خارج المملكة، ولظروف معينة قالوا لي: "تنتهي أول سنة ثم بعد ذلك نضمك"، وذهبت لمحمد الرميح في الكويت وقال لي: "إذا أنهيت أول سنة فأنا سوف أتابع الموضوع"، الشيخ محمد الرميح موجود الآن ولكنه رجل كبير في السن وآخر اتصال به كان قبل أيام من حرب أكتوبر 1973م مع اليهود في فلسطين، كانت المملكة قد أرسلت جيشاً إلى الحدود السورية وأرادت أن ترسل الهلال الأحمر بعثة من جدة وبعثة من الرياض، فالهلال الأحمر لم يكن فيه سعوديون فطلبوا سعوديين فتطوعت مع الفئة التي ذهبت وكان معظم الذين فيها من السعوديين أو كلهم تقريباً، والمجموعة التي ذهبت من جدة كان فيها طبيبان سعوديان، هما الدكتور هشام الرومي والدكتور فرج الله وزنة. المهم أننا ذهبنا من الرياض ونزلنا في تبوك ثم انتقلنا بواسطة سيارات إلى سوريا، وهنا أريد أن أضرب مثلاً معاكساً بالنسبة للسفراء بدون ذكر أسماء. عندما وصلنا إلى سوريا كانت الشمس قد أوشكت على المغيب، وكنا في شهر رمضان، الشيخ الذي كان معنا ذهب إلى الجبهة ونحن ذهبنا إلى دمشق ولا ندري ماذا نفعل، فكنت أنا السعودي الوحيد معهم، فقلت لهم: نذهب إلى السفارة. ذهبنا فوجدناها مغلقة، ثم ذهبنا إلى بيت السفير الذي لم يكن بعيداً عن السفارة، قرعنا الجرس فقابلنا شخص قلنا له: نحن جئنا لبيت السفير لأننا لا نعرف ماذا نفعل، فقال، سوف أراجع السفير. كنت شاباً في ذلك الوقت ومن معي كانوا أكبر سناً وبينهم فنيون وأطباء، لكنني كنت السعودي الوحيد بينهم، لذلك كنت أتكلم، بعد ذلك قال السفير تفضلوا.. عندما تتحدث عن محمد المنصور أو سواه، لا يقول لك خادمه انتظر ثم يذهب بعد ذلك ليرى ماذا تريد. المهم تكلم السفير معي وأول كلمة قالها: أنتم لماذا أتيتم إلى هنا؟ هنالك وفود كثيرة وأنتم سوف تصيرون ثقلاً عليهم. قلت له: أولاً نحن صائمون ونريد أن نفطر. وثانياً أنت هنا تمثل الحكومة السعودية بالنسبة لنا فإذا كان لك رأياً آخر أعطنا به مكتوباً وضعنا في سيارات وأرجعنا إلى المملكة. فقال لي من أنت وما اسمك؟ قلت له: ليس من الضروري معرفة اسمي، ثم قلت له: أنا فلان طبيب سعودي فدخل البيت، وكان اللقاء مختصراً، وجاء الخادم وقال لي: أحضرنا لكم سيارات توصلكم إلى مكان فيه مدرسة يجمعون فيه الناس. كان البعثيون بعيدين عن الدين، ولم يكونوا على وفاق مع الدين ومع ذلك وجدنا موائد الإفطار والسكن والسحور، ثم توجهنا بعد يومين إلى طرطوس، أيضاً أردنا من السفارة أن تخبرنا ماذا نفعل.. تذكرون الحرب التي بدأت لم تكن تعرف هل ستقف الحرب أم تستمر، فانتظرنا شهراً في طرطوس واتصلنا بالسفارة ولم تجبنا، وكان الشيخ محمد المنصور وقتها سفيراً في بيروت، فقلت للجماعة أن نذهب إليه، وعندما دخلنا عليه -وهو يعرفني عندما كنت طفلاً في البصرة- رحب بنا، ثم أخبرته بما جرى لنا مع السفير في دمشق فقال: أنتم الآن هنا. فأحضر لنا موظفاً من البنك الأهلي، بعد أن قلت لهم إن الجماعة لم يتبق معهم نقود وليست معهم تذاكر للسعودية، فقال لموظف البنك أكتب عليهم تعهدات بكفالتي وأعطهم ما يريدون وهم يردون لك المبالغ في الرياض. وسكنّا في بيروت على حساب السفارة، ثم رجعنا إلى الرياض هذا هو الفرق بين السفراء.
وقبل سبع إلى ثماني سنوات ذهبنا في وفد رسمي لتطوير العمل الطبي في بنغلاديش وقابلنا السفارة، وأنهينا عملنا هناك وأقاموا لنا وداعاً لم ينسَ، غير أن السفير لم يدعنا ولم يهتم بذلك.. فأنا أدعو أي أحد له علاقة بالسفراء أو بأي أحد في الخارجية أن ينقل رأي المواطن إليه، أن يساهم في نقل رأي المواطن الذي مر عليه نوعان من السفراء وأثرهم على المواطن السعودي، بل وأثرهم على الدول التي يعملون فيها.. أرجو أن يكون سفراؤنا في المستقبل مثل السفراء الممتازين الذين ذكرناهم. أيضاً القنصل الذي كان في البصرة عبد الكريم الزامل رافقني صدفة بالطائرة من بغداد إلى البصرة، جلس بقربي، كنت تخرجت من الطب وأجهز أوراقي فلما عرفني قال لي: ماذا تريد من ذهابك إلى البصرة؟ قلت له: لدي بعض الأوراق أريد أن أنهيها، فأعطاني سيارة السفارة مع سائقها وقال لي: لا تتركها إلى أن تنهي أوراقك. هذه الأشياء جعلت ولاء السعوديين في البلد للوطن كبيراً جداً.
نقطة أخرى تعلمتها من الوالد رحمه الله هي الثقة بالنفس، ومحاولة أن تكون الثقة واقعية وغير متهورة، والأستاذ طارق القصبي يعرفه لأننا كنا صغاراً نوعاً ما، فأذكر أن الوالد كان يحب السيارات ويشتغل بالتجارة لفترات بسيطة، وكانت هوايته الصناعية على مستوى كبير. تخرج والدي من الصف الثاني الابتدائي وبعد الحرب العالمية كان يقول: نحن نستطيع أن نركب من المخلفات العسكرية سيارة، كانت لديه أربع أو خمس سيارات ولكن لديه الرغبة في تركيب سيارة من القطع والأجزاء، فوجد كاتالوج يخص الجيش البريطاني به تفاصيل كثيرة وإن كانت باللغة الإنجليزية، فأتى بشاسي جيب أمريكي وبدأ يصنع سيارتين كاملتين، فقط ليثبت للناس أنه يمكنكم أن تفعلوا مثلي. بعد ذلك بسنوات أنشأ معملاً للجبص، لكن نوعية إنتاجه لم تكن مرضية فقام بتصميم معمل اشتغل خمس سنوات مع حداد وأنشأ معملاً تضع فيه المواد فيخرج جبص 14 موتور كهربائي، تنتج حوالي أربعين "لوري" جبص ليوم عمل واحد مدته 8 ساعات واللوري سعته 100 قدم مكعب. أنشأ والدي هذا المصنع من الصفر من بقايا الحديد الخردة، وكان أخي صلاح وهو الأصغر مني -وهو الآن أستاذ جراحة مسالك بولية في جامعة الملك سعود- يشتغل مع الوالد لحاماً وكان الأخ طارق يتابع هذا الموضوع كهواية لمدة خمس سنوات ثم أصبحت معملاً.، هذه الأمور زرعت في نفسي حب العمل وكنت أقول له: كيف تعملها؟ المعمل والهندسة تتطلب علماً. قال لي: هنالك أشياء تتطلب العلم وهنالك أشياء تتطلب العمل. فهذه غرست في نفسي الثقة بالنفس والإصرار عليها وعندما أنهيت الثانوية أردت أن أذهب إلى كلية الطب وكانت العلاقات مع العراق غير جيدة فذهبت إلى ألمانيا من دون أن أحصل على البعثة كما قلت إنما على حساب الوالد يرحمه الله، وفي ميونخ التقيت الدكتور عبد الرحمن السويلم، وهو الآن عضو مجلس الشورى وكان قبل ذلك رئيساً للهلال الأحمر السعودي وقبله وكيلاً لوزارة الصحة، كان على وشك أن يتخرج في ميونخ وكانت هنالك غرفة يستعملونها مسجداً، فكان الارتباط بين الطلاب الملتزمين بالدين يتم من خلال هذا المسجد، ومعظمهم كانوا من السعوديين فأقنعوني بأنني إذا مكثت في ألمانيا قد يكون هناك خطر على الأخلاق وعلى الدين، وتركيا الآن بلد متاحة وهي بلد إسلامي وأفضل من ألمانيا، فرجعت إلى تركيا وخلال شهرين فقط غادرت ألمانيا واستطعت أن أدرس اللغة التركية وأدخل الامتحان وأحصل على القبول بعد اجتياز اختبارات بالتركية في الفيزياء والكيمياء، فحصلت على قبول في كلية الطب في جامعة إزمير، لكن الأمور طبيعية في ما بين المملكة والعراق، فأعطى العراق منحتين لطلبة سعوديين لم يقرروا في أي كلية سيلتحقون، فقدم لي والدي أوراقي وحصلت على قبول في كلية طب بغداد وتركت كلية الطب في إزمير. لقد كانت تركيا في ذلك الوقت بعيدة جداً عن الإسلام وكان الشباب -قبل أن ينشأ ما يسمى بالصحوة الإسلامية- بعيدين عن الإسلام والحكومة كذلك، لكن كانت بوادر الرجوع بين الشباب بادية، فكنا نراهم قليلين في المساجد، وكانوا حينما يرون العربي يخجلوننا بطريقتهم فكانوا يعتقدون أننا أصحاب الصحابة، ويتمسحون بنا، وإذا قلنا لهم نحن سعوديون يتمسحون بنا أكثر وكأنهم يتبركون منا. كانوا يعتقدون أننا سوف نزيدهم علماً ومعرفة، فيما بعضهم باهتمامهم بمدارس التحفيظ التي كانت منتشرة لديهم كانوا أكثر علماً منا، وكما ترون الوضع في تركيا تغير اليوم وهؤلاء الشباب تغيروا وأصبح لهم تأثير في السياسة التركية. إذن دخلت إلى كلية الطب في بغداد وبعد التخرج رجعت إلى المملكة من البعثة وعملت في المستشفى المركزي في الرياض عام 1972م. قبل أن أرجع كنت أقول أن المملكة لم يكن فيها غير مستشفى واحد وهو الشميسي، يتم التحويل إليه من جميع أنحاء المملكة، فقلت أعمل في بغداد من دون مقابل وأقيم في العراق، كان هنالك نظام شديد لا أعرف هل ما زال معتمداً أم لا، يجبر الطبيب المقيم أن ينام في المستشفى ولا يخرج إلا يوم الجمعة لكي يتعلم. واشتغلت وكنت أنوي أن أعمل سنة كاملة فجاء الأخ طارق القصبي وقال لي: إن الوظائف في المملكة موجودة والمستشفيات كثيرة وأنت تعمل هنا بلا مقابل.. فأقنعني وقد قضيت ستة أشهر وعندما جئت إلى المستشفى المركزي في المملكة، وجدت أنه المستشفى المرجعي هناك وأكثر من ذلك كانت هنالك حاجة للأطباء في المناطق، فزرت شقراء لمدة شهر وحائل أيضاً لمدة شهر وكذلك أبها، فكان الجراح عندما يذهب إلى تلك المستشفيات لا يجد جراحاً آخر، وأنا لم أكن جراحاً لكنني طبيب مقيم إنما أشتغل في قسم الجراحة لمدة سنة ونصف، فذهبت إلى شقراء أجري عمليات ومعي كتاب الجراحة يعاونني فني التخدير وهو ليس طبيباً، وكانوا يستخدمون ما يسمى بالطريقة المفتوحة للتخدير، ثم ذهبت إلى حائل شهراً وكان المطار ترابياً فاشتغلت فيها جراحاً أجري عمليات، ثم انتقلت إلى أبها وكان الأمير خالد الفيصل هناك وقال: يجب أن تتعشى معي، فجئته وقال لي في المجلس: لماذا لا تقيم معنا في أبها يا دكتور؟ قلت له: أنا سأذهب لأتخصص. قال لي: أنت لم تتخصص بعد؟ قلت له: لا. قال لي: يعني أنك تجري عمليات تتعلم فينا!؟ قلت له: الوزارة أرسلتني لأن هناك حاجة لمن يجري عمليات. فقال لي: عندما تتخصص ترجع إلينا، قلت له: أنا أريد أن أتخصص في جراحة القلب. فقال لي: عسير أكثر سكانها مرضى بالقلب، أم أنك تفضل الرياض؟ قلت له: عسير فقال: أمراض الروماتيزم والقلب في عسير أكثر من الرياض، فإذا أردت العمل فعسير أنسب من الرياض. وطبعاً أحرجني وعرف أنه أحرجني، وبمعرفة الأمراء وطريقتهم في الحديث مع الناس حوّل الحديث إلى شيء آخر. فالقصد أن المملكة في ذلك الوقت عام 1972 لم يكن في مستشفياتها جراحون بل يأتيها طبيب مقيم فيصبح جراحاً وليس فيها طبيب تخدير بل فنيو تخدير... إن النقلة الكبيرة التي حصلت في المملكة في القطاع الصحي منذ عام 1972 إلى اليوم نقلة كبيرة واستيعابها صعب وأيضاً توسع المملكة في الابتعاث أدى إلى رجوع المئات بل الآلاف من الأطباء السعوديين المتخصصين في جميع التخصصات، فنرجو أن يكون التقدم مستمراً، ونحن نراه مستمراً في المستشفيات الجديدة التي تفتتح، فنرجو من الله أن يجعل التطور على المستوى العالمي في جميع العالم.
في ما يتعلق بجراحة القلب في المستشفى العسكري، فإنني حينما رجعت من بريطانيا كإخصائي جراحة كان هنالك المستشفى التخصصي الذي بدأ في إجراء العمليات في منتصف عام 78م تقريباً أو بعد ذلك بقليل، فكان الترتيب مع جماعة الدكتور دبيكي من جامعة بيرل في أمريكا وكان الفريق الوحيد الذي عمل في المملكة هو هذا الفريق، وكان هنالك فريق آخر جاء من (لوملندا) في لوس أنجلوس كانوا يأتون زائرين في المستشفى العسكري في خميس مشيط لفترات بسيطة ويرجعون، وعندما رجعت من بريطانيا كان الدكتور حسين عبد الرزاق الجزائري وزيراً للصحة في السعودية وكنت أعرفه عندما كان عميداً لكلية الطب، فحاول أن يقنع الفريق الأمريكي بأن أعمل معهم لكنه لم يستطع وأرادني أن أسجل بالرسمي (تعرفونها) مباشرة لكي أستلم راتباً، فقلت له: استلم راتباً لماذا؟ أنا جراح قلب والشميسي ليس فيها جراح قلب، ثانياً لو تورطت بيروقراطياً فلن أستطيع الخروج مرة ثانية، لذا أفضل أن أبقى بدون راتب إلى أن يقضي الله أمراً كان مفعولاً. فطال الأمر وامتد ستة شهور ومكاني الوحيد هو التخصصي، والوالد كانت من قبل رغبته أن أكون طبيباً عاماً وأن ليس لدينا أمراض قلب لأتخصص في هذا المجال، فبدأت أقول إن الوالد كلامه صحيح فالأفضل أن أعمل طبيباً عاماً، إلى أن سمعت أن المستشفى العسكري سوف يبدأ العمل في نهاية عام 78م وذهبت إلى الدكتور رضا خليفة -وكان من أطيب الناس وأكثرهم إخلاصاً وعملاً وأدى واجباً عظيماً- وقلت له من دون سابق معرفة: أنا جراح قلب وأنتم بصدد افتتاح قسم لجراحة القلب أني أرغب في العمل معكم. فقال لي: أهلاً وسهلاً. فقلت له: أنتم عندكم شركة بريطانية وأنا في تخصصي أعمل لدى شركة أمريكية. فقال لي بالحرف الواحد: هذا مستشفانا وليس مستشفى الشركة البريطانية. فقلت له: لست مصدقاً وما زالت لدي ستة أشهر ولم آتِ بواسطة. فنادى أحد المساعدين وقال له: خذ الدكتور محمد واعتبروه من اليوم طبيباً معنا وأكملوا أوراقه فيما بعد، ففوجئت بهذا الاستقبال، ثم قام بتبليغ الإنجليز الذين كانوا موجودين، كما بلّغ المدير في وقتها وكان الدكتور عبد الحميد فراعلي، وكانت هنالك شركة لبدء العمل في مستشفى كبير وصعب ولم يكن لدينا من يساعدنا باستقدام الناس وتعيينهم ومقابلتهم، فلما أرادوا أن يقابلوني لم يكن هنالك جرّاحو قلب لإجراء المقابلة معي، فأرسلوني إلى لندن لإجراء مقابلة، حتى إن الدكتور قال لي: لا داعي للذهاب لعمل المقابلة في لندن. فقلت له: لا بأس، الأفضل أن تكون الأمور رسمية. فعندما وصلت إلى مطار لندن سألني أحدهم: لماذا جئت إلى لندن؟ فقلت له جئت لإجراء مقابلة عمل، قال لي: ما عملك قلت له: طبيب. فقال لي: التأشيرة لدي ليست تأشيرة عمل، قلت له: عملي في السعودية والمقابلة في لندن، فقلب الجواز وقال: أنت سعودي، فكيف تجري مقابلة في لندن وتعمل في السعودية؟ قلت له هذا هو الحاصل. وأجريت المقابلة وبعد أن رجعت -وهذا لم يكن فيه أي تعسف- قلت له: لا يوجد أطباء. فقال لي: نأتي لك بالأطباء من الخارج. فقلت له: سوف تأتي بهم من الخارج متى يأتون وكم تدفع لهم، من الأسهل والأرخص أن أذهب إليهم في بلادهم وآتي بهم. لم يكن في المملكة في ذلك الزمن إلاّ جراحون قليلون.. المهم أنني التحقت بالمستشفى العسكري، وهنالك نقص في جراحي قلب الأطفال في المملكة كلها -وكان ذلك في بداية الثمانينات- جراحة الأطفال في العالم كلها قليلة، فكانت المستشفيات التي تقوم بجراحة الأطفال قليلة، فأردت أن أذهب لأتعلم جراحة القلب للأطفال بعد أن كنت قد انتخبت -ذلك الوقت كان هنالك انتخاب- كرئيس للأطباء في المستشفى حيث معظم الأطباء غير سعوديين، وكذلك أنا رئيس مؤسس لقسم جراحة القلب فقال لي الدكتور: دع شخصاً غيرك يذهب. قلت له: أنا انتدبت أناساً يقومون برئاسة الأطباء والقسم واتفقت مع أطباء أمريكان للقيام بهذه المهمة ريثما أرجع. فقال لي -محاولاً ثنيي- إن اتفاقك مع وزارة الصحة انتهى منذ سنتين، وهم لم يجددوا لك، يريدونك أن ترجع لهم. قلت له: أنا لا مانع لدي من أن أفقد الوظيفة وعندما أرجع أتوظف من جديد. فقال لي: لا يمكن ذلك وإذا كنت مصراً فأنا لا أستطيع أن أعمل شيئاً مع وزارة الصحة. نحن نرفع طلباً للدولة لينقلوا خدماتك إلى وزارة الدفاع وهذا يحتاج إلى وقت. ثم أعطاني من الخدمات الطبية مبلغ 16 ألف جنيه استرليني وقال لي: هذا المبلغ يكفيك سنة وإذا عدت الله يعينك. وذهبت إلى برومتموس هوسبتيل وحصلت فيها على مكان، وكان من الصعب في ذلك الوقت الحصول على مكان فيها للتدرب على جراحة الأطفال، فتركت رئاسة القسم ورئاسة الأطباء ورجعت طبيباً مقيماً سنة كاملة في برومتموس لأتعلم جراحة القلب للأطفال. بعد ذلك وأنا في بريطانيا عاونت الدكتو رضا والآخرين وأيضاً الأخ أحمد الشربيني ولم يكن طبيباً بل كان مدير مستشفى العسكري، ولما رجعنا وبدأنا جراحة قلب الأطفال شعرت بالحاجة إلى جراحة القلب، إذ من غير الحكمة أن يقوم الإنسان بشيء من دون أن يهيئ نفسه، فذهبت إلى أمريكا واشتغلت مع جماعة في زراعة القلب لمدة ثلاثة شهور وبدأنا جراحة قلب الأطفال عام 82م ثم بدأنا زراعة القلب عام 86م، والكلام في هذا يطول، ولكني أريد قبل أن أنهي أن أتكلم عن الخدمات الصحية في المملكة التي تطورت تطوراً كبيراً، ومن مظاهر تطورها انخفاض وفيات الأطفال ووجود جميع أنواع العلاج والتشخيص وارتفاع معدل الأعمار، لكن لا تزال هنالك مشكلة في الوصول إلى الخدمة الصحية مع أن الدولة تزيد مخصصات الخدمات الصحية، ولكي نقدم بعض المقارنة نضرب مثالاً بالبلد الذي يشبه المملكة ويقدم خدمات صحية من دون فاتورة وتأمين، ألا وهو بريطانيا؛ فبريطانيا تصرف على الفرد ثلاث مرات أكثر من السعودية، فلو قسمنا ميزانية الصحة في بريطانيا على الفرد وقسمنا ميزانية الصحة السعودية على الفرد لوجدنا أن ما يصرف على الفرد هو ثلاث مرات في بريطانيا أكثر من المملكة، مع العلم أن الممرضات والأطباء في بريطانيا كلهم من البريطانيين، ومع ذلك فإن الطريقة هذه لها مشاكل لأن الطب الآن أصبح مكلفاً وأصبحت الإدارة الممتازة ضرورية لتقديم الخدمة الصحية، والمملكة إذا ما استمرت هكذا فسوف يستمر لديها العجز مهما وضعت في تقديم الخدمات الصحية. ولكي نعطي مثلاً فإن ميزانية وزارة الصحة البريطانية عام 2009م تساوي تقريباً ضعف ميزانية المملكة ككل في تلك السنة ومع ذلك هنالك تقصير، والمشكلة التي أراها الآن أن المملكة متجهة إلى التأمين الطبي الخاص، علماً بأن التأمين الطبي الخاص أصبح يشكل في أمريكا مشكلة حقيقية للناس وأصبح كثير من الناس من دون تأمين، وأصبحت منظمة الصحة العالمية تصنف أمريكا من ناحية عموم الخدمة الصحية في المرتبة رقم 72 في العالم رغم أنها علمياً رقم واحد في التقدم؛ فالصحة في أمريكا ليست متاحة لجميع الناس، والآن لدينا اتجاه نحو شركات التأمين والطب الخاص، فإذا استمررنا فيها فسوف نقع في إشكال كبير مستقبلاً وخير من يقول لنا ذلك هو الحكومات الأمريكية، وكما تعلمون فإن كلينتون بعدما صار رئيساً كلف زوجته وهي وزيرة الخارجية الآن وأعطاها مهلة مائة يوم لكي تأتي بتطوير النظام الصحي، ولم يمر مائة يوم بل مرت رئاسة كلينتون بأكملها ولم يستطع تطوير الرعاية الصحية، ثم جاء أوباما ومعه المشكلة نفسها، إلاّ أنه استطاع أن يحصل على قبول لبعض مقترحاته؛ فخير من يخبرنا عن إشكال الاعتماد على قطاع التأمين الخاص هو أمريكا. أما التأمين العام الذي تديره مؤسسة تأمين عامة فهذه تجربة نجحت في معظم الدول الأوروبية وخير مثال هو فرنسا، وحينما يتم تكوين مؤسسة عامة فإن الدولة تسندها من الميزانية العامة لكن تمويلها الأساسي يتم عن طريق الاشتراكات التي يعفى منها الفقير، وحينها تصبح هنالك تغطية لجميع أنواع العلاج، ويكون مدير المستشفى مسؤولاً عن تقديم الفواتير، لأن المريض يأتي برقم ومدير المستشفى ليست له ميزانية مفتوحة فوزارة المالية لا تسأل إلا عن كم طبيب لديكم، كم جهاز تحتاجونه، ولا تسألهم كم مريضاً عالجتم أو كم عملية أجريت، ولا عن نوعية العلاج، لذلك أصبحت الإنتاجية متدنية وأصبح كثير من الأطباء لا يقومون إلا بساعات قليلة من تلك المسجلة في جدول العمل، لذلك حينما تكون هنالك فاتورة وتعطي المستشفى تكلفة العلاج فيما تدفع هي الأجور من ميزانيتها التي تأتي من علاجها للناس، هنالك يتبين مدى الإنتاجية وفرقها بين الإدارات المختلفة والمستشفيات المختلفة، أما التعليم الطبي والبحث الطبي فتكون له ميزانيات خاصة تسنده، لذلك لا أعتقد أن المملكة -بالنظر إلى التجربة البريطانية التي هم أقدم من تجربتنا-ستتمكن من خدمة المواطنين بطريقة كاملة رغم ما صرفته وتصرفه على الرعاية الصحية، ولا أعتقد أن الاتجاه إلى التأمين الطبي الخاص سيكون أسوأ من الواقع الحالي، كما لا أعتقد أن الخروج منه سيكون صعباً، لذا أرجو أن يتجه المسؤولون عن التأمين الطبي وتقديم الخدمة الطبية إلى إيجاد المؤسسة العامة للتأمين ويكون مدراء المستشفيات وإداراتها مسؤولين عن تقديم الخدمة مقابل أجرة تتقاضاها المستشفيات من المؤسسة العامة، إذ إن المقصر الذي لا يستطيع أن يقدم العمل بكفاءة صحيحة وهو الطبيب الذي لا يعمل بطريقة كاملة يجب أن يشار إليه، وإلا فسوف تستمر الدولة بأن تصرف أموالاً أكثر وتحصل على مردود أقل. أرجو ألا أكون قد أطلت فعلاً، وأشكركم مرة أخرى وأشكر أستاذنا وشيخنا الأخ عبد المقصود خوجه والإخوة جميعاً على الحضور وجزاكم الله خيراً.
عريف الحفل: شكراً للأستاذ الدكتور محمد بن راشد الفقيه والحديث يطول عن الشؤون الصحية ولكن لعل جوانب كثيرة ستغطى من خلال طرح الأسئلة وإجابات الدكتور محمد عليها من خلال فتح باب الأسئلة. وأنقل الآن المايكروفون إلى الأستاذة منى مراد.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :1001  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 26 من 209
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج