شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
الحلم الجميل
أخي محمد عمر
ينبغي أن أكتب إليك قبل أن أغادر البلد.. فقد تقرر فجأة أن أسافر إلى لبنان، ولعلّي أعود منها إلى مصر.. ولكني أعرف أن من الخطأ أن نقرر ما يتعلق بالمستقبل.. فقد تطول هذه الرحلة فتكون أبدية. وإن كان ما يقال بعد ذلك، فإن أراك في خير إن شاء الله..
وليكن لقاؤنا -إذا قدره الله- بعد عودتي، عوضاً عن "منزال" العيد الذي أطلت التهيؤ له من جانبي.
أعتقد أن الاتصال بابن ملوُّح من ناحية الموضوعية لا يقل دقة عن الاتصال "بالقمر" أو "بالمريخ" في الحلم العلمي الذي بدأه.. "مسيو بيكار".. أما من الناحية الشكلية فابن ملوُّح هذا لا يُعرف له مقر.. وقد قضيت ولفيف (مفروق!) من أصدقائي، منهم العتيبي -وعمر عبد ربه -وقنديل كل هذه الأيام ننشد الرائح والغادي على طريقة الشعراء.. والعشاق، أيام زمان! عن هذا الرجل، دون جدوى.
وبقي أني كنتيجة -لهذه الخيبة الجماعية- قررت أن آخذ الله خلفاً وعوضاً في "حلمك الجميل" لحسابي! أم ترى أنه أصبح من الواجب أن أكتب إلى صاحب الشأن أطلب أمره بالقبض عليَّ وتسليمي لابن ملوُّح أو بالقبض على ابن ملوُّح وتسليمه لي؟ لأتمكن من فهم وجهة نظره هو الآخر في موضع الأرض تحديداً.. وتمليكاً..
إن قلبي يحدثني يا صديقي العزيز بأن.. ولكن لا.. فأنت وكعهدي بك، ضد التشاؤم كما أنا ضد الإطراء.. ومن الخير أن أضع رأسي في "عُبِّك" خوفاً من أن أعطيك دليلاً على أن التشاؤم هو صانع العُقْدْ..
لقد ابتدأت أنت، فليكن التمام من نصيبك أيضاً. أفكثير أن يكون عليك هذا..
سألني أحد ممن سمعوا نبأ رحلتي المفاجئة إلى لبنان عن سببها، فقلت إني أريد أن أدرس عملياً موضوع تصدير الفاكهة والخُضَرْ منها إلى الحجاز.. فقال مندهشاً. ولكن لماذا لا تتوظف.. قلت لم يعرض عليّ شيء حتى الآن.. ومعنى هذا أني لم أجد عملاً، قال "إدارة المطافئ". فقلت: حتى هذه كانت مجرد خبر سمعته ولم تكن عرضاً.. أو طولاً!.. فضحك.. وقال: ولكن ألاّ تراها خيراً من مشروع التصدير؟.. فقلت: أما من الوجهة النظرية فنعم.. قال: والموضوعية.. قلت: لم أجربها..
وأذكر لك بهذه المناسبة قصة.. من أراد أن تطول لحيته فليمشطها من أسفل.. هي قصة حماقة من حماقات العجم اكتشفها "الحجَّاج" فراسةً.. قبل أن يرى ما في داخل صندوق في داخل صندوق في داخل صندوق..
أيها الصديق! -نحن الآن في الحجاز.. وقد ضاق بعض المهتمين بأمري ذرعاً بحالي، فرشَّحني أحدهم "مراقباً لغوياً للإذاعة" فقالوا له استوثق من رضاه أولاً.. فأعلنت رضاي.. فلما حمله إليهم خرجوا من الموضوع وبه بقوله إنه يسخر منك.. إنه لا يمكن أن يقبل.. والذي لا يمكن أن يقبل هو أنا..
إننا ما نزال هنا.. هنا في الحجاز حيث لا يُصَدَّقُ شيء.. حتى أنك في حاجة إلى العمل..
إن البلد في حاجة إلى فاكهة.. وخُضَر.. وليست في حاجة إلى موظفين يطلبون أعمالاً.. لو كانوا بحاجة إليها.. لما ظلوا بدونها حتى الآن.. إذن فهم يسخرون.
أنت مشغول.. مشغول عن أن تقرأ أو تجيب.. أعرف هذا.. ولكنها رسالة الوداع.. ومن العادة في رسائل الوداع أو في بعضها أن تطول.
إن في لبنان "مُنْتحراً" كما تقول "مُتَّكئاً" يدعونه.. صخرة الخلاص يقذف منه الراغبون في الموت بنفوسهم إلى هاوية تحته.. والمنتحرون يسمون في لبنان، كما في غيرها "جبناء" فإذا سألت لماذا؟.. قالوا لأن الهرب من معركة الحياة عجز.. وهذا الكلام لا بد أن يكون صحيحاً.. لأنه شائع.. أما سؤال ما هي معركة الحياة هذه، فليس من يسأله أو يجيب عليه.. إنها الحياة وحسب.. أن تعيش.. وأن تعمل.. وأن تنجح.. أو أن تخفق.. فالأمران سيان من وجهة أن لا تنسحب من المعركة حتى إذا كان عملك فيها تلميع أحذية المحاربين أو إعداد حجرات النوم لهم!!.. أو غسل الموتى -أو دفنهم.. أو حتى إذا ظللت فيها بلا عمل.
.. إذن فلنظل "شجعاناً" يا صديقي!
إن في لبنان أشياء غير الفاكهة والخُضَرْ -على ما يظهر.. أشياء خليقة بأن تُرى.. ليتك معي يا صديقي..
إلى اللقاء..
أخوك حمزة شحاتة
 
طباعة

تعليق

 القراءات :492  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 81 من 99
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج