شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
(55) ابنتي الحبيبة أم هاني
يبدو أنني سأكون أكثر اطمئناناً عليك من اللحظة التي فرغت فيها من رسالتك 20/12 إذا لم يكن ما جاء بها من بعض اللقطات واللفتات الذهنية، عابراً، مجرد عبور..
إني أحس أن هذه الالتفاتات باعتبارها حصيلة تجربة تغلب عليها المرارة، لا بد أن تكون أكثر ثباتا ًمن أن تكون شيئاً عابراً، وإذا كان هذا الإحساس خطأً، سأكون المسؤول عنه وحدي.. إنك تضعين قدميك لأول مرة على الطريق الصحيح الطويل.. طريق السعادة في الحياة.. السعادة غير الزائفة.. إنه طريقها فقط.. ومن الخير أن تعرفي أن السعادة لا توجد في طرقه الأخر، تنتظر القادمين من الطرف الأول.. إن السعادة كلها بين الطرفين دخولاً وخروجاً موزعة على كل جزء صغير من الخطوة..
إن الثراء والعلم وكل ما يطمح الإنسان لتحقيقه يتحقق أجزاء صغيرة.. وأكبر الأنهار تكونه قطرات الأمطار، لذلك كان العمل المتواصل والمشقات المتتابعة والفكة الصغيرة.. والملاليم هي مفاتيح المجد والثراء، وتحقيق الذات في أية صورة من الصور.
إذا لم تكن هذه اللمحات والالتفاتات عابرة فأنا أمام صورة رائعة لك، سيكون بعدها دائماً ما هو أروع، كلما جدّ بك السير لطريق السعادة..
إن أحفل موارد السعادة في هذا الطريق هو العمل.. مزيد من العمل، يعطي مزيداً من النشاط، يشمل كيان الإنسان كله ظاهراً، وباطناً..
إن الحياة غالباً لا تهبنا الأعمال التي نهواها، فعلينا أن نخلق حتى من الأعمال التي تفرض علينا كرهاً هواية لنا.. فكل عمل تجربة وخبرة، وكل عمل نشاط، ومعرفة.
ومن الجمل التي كنا نرددها صغاراً كالببغوات، جملة خالدة.. "أي كتاب تقرأ تستفد".. لم نكن ندري أنها أحد المفاتيح الملقاة في طريق السعادة.. ومع هذا، وخطأ أو صواباً ذهبنا نقرأ كل شيء.. وكانت القراءة عملاً شاقاً ونصباً مريراً.. وأحياناً عملاً تافهاً، ربما كنا نمارسه لأننا لم نكن نجد ما نفعله بعد أداء ما يفرض علينا من أعمال، لم نكن نجد لمعظمها معنى أو قيمة، أو سبباً في معظم الأحيان..
صحيح أن من الخطأ أن يعمل الإنسان عملاً يكرهه بدل عمل يحبه، ولكن هذا لا يكون ممكناً إلا إذا وضع الإنسان أمام الاختيار.. وأين هذا الاختيار في الحياة.. وأين ضمانات النجاح في ما نختار؟
العمل المتواصل هو الذي يصنع الشخصية، ويبني الاعتماد على النفس وينمي قوى الذهن والنفس ويضفر عضلات العقل، ويطرد سموم التفكير، والتفاهات الذهنية والعاطفية.
إن الحياة نشاط والموت هو توقف هذا النشاط فاعملي على أن يكون نصيبك من الحياة أوفى وأوفر.. حتى الأعمال التافهة عندما يكون أداؤها ضرورياً تضيف إلى حصيلتك من الحياة مقداراً صغيراً مهما كان ضئيلاً، فإن له وزنه..
إجمالاً لهذا البسط.. إن أداءنا عملاً نحبه، إنما هو ممارسة لمتعة لا مشقة فيها، أما رياضتنا لنفوسنا على أداء ما تقتضيه ظروفنا، وحياتنا، من أعمال ومشقات وتبعات، فإنها هي التي تضع أقدامنا على طريق السعادة -وبغير تعمق ندرك أن طريق السعادة نفسه لا يهبنا السعادة إلا أجزاء هي في نفس الوقت الخطو والسير والدأب المتتابع.
أرجو لك ارتقاء دائماً في سلم التفكير الصحيح الذي هو ثمرة العمل، الدائب.. اجعلي من كل عمل شاق هواية.. هذا ممكن وليس عسيراً وسيعطيك فرصاً بنفسك لا يأتي إلا عن طريق الشعور بتحقيق الذات أجزاء صغيرة..
إن سكوت الأزواج وابتسامهم، ليس إلا تظاهراً بعكس ما في النفوس في 99٪ من الحالات.. ولا بد من الوصول إلى الحقيقة عن طريق ذاتك بعيداً عن التحيز لها.. إن حقيقة الإنسان.. حقيقة مشاعره الخفية قد تبدو في خشونته وفظاظته، ولا تبدو في لينه ونعومته.. والسكينة أحياناً تعطي أخطر أنواع الاحتجاج كما أن لها دلالتها الطبيعية أيضاً، لماذا لا تجعلين مسألة الحقيقة هنا متحررة من تأثير الظواهر؟ وإذا كان هذا بطبيعته مفضياً إلى بعض القلق، فلوذي أنت أيضاً بالصمت والسكينة والاستغراق في العمل.. فالعمل وحده هو المنقذ من الاستغراق في التأملات الطويلة المعقدة في الذات وكل ما يتصل بها..
إن آدم غارق في عمل متواصل بين داخل البيت وخارجه لا يترك له مجالاً لممارسة خير ولا شر.. وإذاً فلا بد أن تكون سكينته ورضاه الباديان عليه ومنه نتيجة لاعتقاده بأن لا جدوى من أية محاولة مضادة للواقع.. وهو ذاته هو هذا الواقع!!
وإذن فكيف يكون ضد ذاته؟
مسألة زواج هاني.. الحقيقة أنها أجدر الأشياء بالتفكير -ولا أدري كيف تأخر اهتمامك بها وبإثارتها حتى الآن ألا يمكن أن نتوقع أن المستقبل القريب سيلغي مسألة الزواج من حيث هي اختبار واختيار، ويحلها بنفس الطريقة التي حلّت بها مسألة الطعام المحفوظ في العلب أو الطعام الذي سيطرح للتداول العام في الصيدليات في شكل أقراص.. أو بتحويل بقايا الطحالب التي ستضمن للإنسان غذاءه بالكامل من البروتينات إلى -مطالب عاطفية وزوجية.. أو بإضافة البضاعة إلى مجال التصدير في الأمم المتطورة إلى الأمم الأخرى، بضم الهمزة.. أو باكتشاف نساء، أجمل، وأرقى، وأقل تكاليف وعناء من نساء الأرض -في الكواكب المعرضة للاكتشاف!
إن الدنيا تسير الآن بسرعة مذهلة ليس إلى الأمام فقط، بل إلى فوق وتحت.. ربما كانت في هذا السير متجهة إلى الفناء في لحظات أو إلى البقاء الطويل الأمد.. ولذلك وربما كان من الحماقة أن لا يقصر الإنسان تفكيره على اللحظة التي هو فيها، بمرارتها أو بحلاوتها، اكتفاء بما يحمل ويضع من متاعب أيامه ولياليه..
قولي لزوجك العزيز بعد تحياتي إليه أن زميله وصل وشكراً له..
تحياتي وقبلاتي لك وحفظ الله الجميع إلى أن تتم عملية اكتشاف الكواكب كلها.
والدك
 
طباعة

تعليق

 القراءات :462  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 57 من 99
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الأستاذ خالد حمـد البسّـام

الكاتب والصحافي والأديب، له أكثر من 20 مؤلفاً.