ذكرنا في فصل الحياة العلمية في عهد العباسيين الثاني أن حلقات العلم في المسجد ظلت تغص بطلاب العلم وأساتذته من تلاميذ أصحاب مالك وأصحاب الشافعي ثم أصحاب أحمد بن حنبل ثم قلنا إنه ما وافى القرن الرابع حتى كان النشاط العلمي قد دب إليه الوهن على أثر تفرق أعلام مكة في الأمصار وقد ظل الوهن على ذلك طيلة القرن الرابع والخامس والسادس للهجرة فلم يلمع في مكة إلاّ بعض أفراد كانت بيوتهم تتخصص في طلب العلم وتتوارثه كما تتوارث خطب الجمعة والإمامة في المسجد الحرام ومن أظهر هذه البيوت في أواخر العهد الفاطمي في القرن السادس بيت الطبري.
وهم ينتسبون إلى قريش وقد هاجر أجدادهم في غمرة من هاجر في العهد العباسي ثم ما لبث الأحفاد أن عادوا إلى مكة في القرن الخامس، وأول من قدم منهم أبو معشر الطبري فقد جاور مكة وجلس للإقراء بها عام 488 واشتهر منهم في القرن السادس رضي الدين بن أبي بكر وظل أحفاد هذا البيت يخدمون العلم في مكة إلى أن انقرضوا في القرن الثالث عشر(1).