في هذا العهد الذي نؤرخه كان قد لمع نجم الدولة الزنكية(1) في نواحي الشام وبدأت جيوش محمود نور الدين الزنكي تصول في ميادين القتال وتجاهد الصليبيين(2) وتحتل البلاد مدينة إثر أخرى بينما كان الفاطميون في مصر قد بدأ الوهن يدب إليهم وأخذت هجمات الصليبيين تعيث فساداً في أطرافهم.
في هذا العهد ندب محمود نور الدين الزنكي قائده أسد الدين في جيش عظيم لدفاع الصليبيين عن مصر وقد نجح فيما ندب ودخل مصر فاستوزره العاضد آخر الخلفاء الفاطميين في مصر. ولما مات أسد الدين وكان جيش الزنكي لا يزال محافظاً على مصر اختار العاضد الفاطمي للوزارة صلاح الدين ابن أيوب أخا أسد الدين ولقبه بالملك الناصر وبذلك ظلت مصر فاطمية في خلافتها زنكية في حكمها.
في هذه الأثناء وكان حكم مكة لا يزال تحت إمرة عيسى بن فليتة بدأ النفوذ الزنكي يغزو الحجاز ويستقر في مكة وبدأ الخطيب فوق المنبر يدعو للزنكيين بجانب الفاطميين(3).
واستفاد عيسى بن فليتة كثيراً من النفوذ الجديد في مكة، فقد استقرت حالة التقلقل التي كانت تسود البلاد وتتجاذبها بين العباسيين والفاطميين كما أن الزنكيين أنفقوا في مكة أموالاً طائلة كان لها وللاستقرار الذي نحن بصدده أطيب الأثر في انتعاش الحركة التجارية وتأمين السبل.
وفي سنة 567 وكان أمر مكة لا يزال في عهدة عيسى بن فليتة كان صلاح الدين بن أيوب وزير الزنكيين في مصر كما قدمنا قد استهان بالخليفة الفاطمي العاضد واستطاع أن يمنع الدعاء باسمه على المنابر في مصر بحجة أنه شيعي وأن يأمر بالدعاء للعباسيين، وقد جاءت رسله إلى مكة سنة 567 لتأييد الدعاء للعباسيين.
وقد قبل عيسى بن فليتة في مكة أن يخطب للعباسيين وظل على ذلك نحو سنتين ثم ما لبث أن أعلن صلاح الدين الأيوبي سقوط الفاطميين وقيام دولته على أنقاض ذلك في مصر والشام حوالي عام 569 فشرعت الخطبة في مكة تدعو له فوق منبرها كما سيأتي في الفصل الخاص بالعهد الأيوبي.
أسس هذه الدولة عماد الدين الزنكي وقد كان أميراً على الموصل أثناء نفوذ السلجوقيين ببغداد في العهد العباسي فحارب الصليبيين وانتزع منهم بعض البلاد في الشام ثم استقل بها ولما توفي سنة 541 انقسمت بلاده بين أولاده وكان النفوذ الأكبر لولده محمود نور الدين الذي وسع ملكه.
الصليبيون مجموعة دول أوروبا وقد استنفرهم إلى حرب المسلمين راهب فرنسي يدعى بطرس الناسك، فقد طاف دول أوروبا يستنفرها في صورة مؤثر ألهبت الحماس في الأوروبيين فدفعت جيوشهم لقتال المسلمين. ولعلّ أعظم سبب دعى إلى ذلك هو ظلم الأتراك السلجوقيين لنصارى الشام وحجاج بيت القدس وقد استعرت الفتنة في عام 489 وظلت إلى عام 669 نحواً من 180 سنة غزا الأوروبيون في أثنائها الشرق في مصر والشام والعراق مرات عديدة استولوا في أثنائها على بيت المقدس وبعض بلاد الإسلام.