شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
(( كلمة الدكتور عبد الله مناع ))
- أيها السادة ونختتم هذه الكلمات الجميلة والمفعمة والمطرزة بحب ضيف الاثنينية الأستاذ عبد الله القرعاوي بسعادة الدكتور عبد الله مناع الكاتب والأديب المعروف:
- السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته، وأسعد الله مساءكم بكل خير، اعذروني إن اخترت أن أسترسل في مشوار الحب الذي بدأه الإخوان من قبل، فقد قالوا كثيراً وطرزوا جبين الأستاذ القرعاوي بقبلاتهم، وأعتقد أن الأستاذ القرعاوي - وقد عرفته من سنوات طويلة - من ذلك الطراز الذي يمتلئ حياءاً أمام كل هذا الحب الدافق، فأنا سوف أخفف عنه وأقلب في ألبوم الذكريات لنرى صورة الماضي كيف كانت مع الأستاذ القرعاوي.
الأستاذ عبد الله القرعاوي، لكن قبل أن نقلب، أقول كلمة أخرى أيضاً، الأستاذ القرعاوي حقيقةً كما قال الإخوان: رجل من رجال الوفاء ورجل من رجال الخلق الكريم، وربما كان من طراز قلَّ نوعه في هذه الأيام، هذا لو تحدثنا كثيراً وطويلاً إنما نكرر الأمر، لكني أقلب كما قلت في ألبوم الذكريات وأقول: إن الأستاذ القرعاوي وقد عاش سنوات طويلة في مكة ورأى حال الأدباء وكيف كانوا ومن كانوا، رأى العواد وحمزة شحاتة وعبد الجبار وآخرين كثير، يبدو أن رؤية الأستاذ القرعاوي جعلته يقرر جملة قرارات، فاختار أن يكون الأديب الهادئ الذي لا يثير صخباً ولا ضجيجاً، لأنه رأى أولئك الصاخبين الضاجيّن وماذا حل لهم، وفيهم، ومعهم. وكان الأستاذ القرعاوي ذكياً؛ ذلك الذكاء الواعي عندما مدد إقامته في الإسكندرية لسنوات طويلة أثناء الدراسة ليستمتع بأجواء الإسكندرية ببحرها ورملها وحياتها الجميلة بغيومها في الخريف وأمطارها وكورنيشها وليلها الناعس، وكان ذكياً عندما خفف من مسؤولياته ككاتب وأديب، وركز على الجانب الوظيفي في حياته ولذلك رأيناه بعد سنوات وقد أصبح من كبار الموظفين يتسنم مواقع كبيرة في وزارة العمل، في وزارة الصناعة؛ والآن هو عضو في مجلس الشورى، يبدو أنه حسب المسائل مبكراً وعرف أين الطريق، وكيف تكون الطريق.
في ألبوم الذكريات مع الأستاذ عبد الله القرعاوي نعود إلى تسعة وثلاثين عاماً مضت، ذهبت إلى الإسكندرية في معية الصديق والزميل الدكتور فايز بدر، كنا ساعة ذاك طلبة مبتعثين إلى القاهرة للدراسة، أمضينا في القاهرة شهرين ثم قيل لنا إن أوراقنا قد أحيلت للإسكندرية وإنَّ علينا أن نذهب للإسكندرية، د. فايز بدر، وأنا، وطبعاً كان ساعتها لا هو دكتور ولا أنا دكتور، كنا مجرد طلبة صغاراً، ذهبنا لدار البعثات في الإسكندرية ففاجأنا في مدخل الدار، وقد وصلنا مبكرين كحال الغشم دائماً، يعني كنا نتصور في الساعة التاسعة صباحاً يكون المدير موجوداً، ولا يوجد مدير يأتي الساعة التاسعة صباحاً أبداً، فدخلنا المكتب وجدنا شخصية أمامنا فبدا لنا كما لو أنه هو المدير، مدير البعثات، فكان بادي السمنة، قليل من الصلع، نظارة سميكة إلى جواره فنجان قهوة يتصفح جريدة الأهرام وإلى جواره تلفون ويدخن، اعتقدنا أنه هو المدير فتقدمنا مترددين وجلين ماذا نفعل وماذا نقول..
بعد ثوانٍ أو دقائق تنبه إلينا وقال ماذا بالإخوان، والله يعني طلبة جدد قال: تفضلوا، وجلسنا على الطرف حتى لا نربك ولا نشوشر عليه، بعد نصف ساعة والمنظر لا يزال قائماً، الأستاذ يدخن ويتصفح الأهرام ويرتشف القهوة ونحن صامتون، حتى إذا توافد بعض الطلبة تباعاً اكتشفنا أن الذي معنا ليس هو المدير، فهو أحد الزملاء ولكن العجيب فوجئنا أن الزملاء في الإسكندرية كانوا كباراً حقيقة كانوا أساتذة وآباء، واكتشفنا فيما بعد أن بعضهم متزوج ولهم أبناء ويذهبون إلى المدارس، وجدنا أننا أمام جيل من الأساتذة، وجيل من الآباء، وكان ذلك الذي استقبلنا ورأيناه أول مرة هو د. صديق الخولاني، أحد الطلبة في كلية الطب، كان إلى جوار الأستاذ الدكتور صديق الخولاني عرفنا فيما بعد الأستاذ الدكتور عزيز المدرس، د. فرج الله وزنة، د. حسن قرملي، د. حمد الصقير، الأستاذ عبد الله القرعاوي، الأستاذ خليل مطر، وكلهم حقيقة كانوا كباراً، كنا الحقيقة نحترمهم لأسباب كثيرة ليس فقط لأنهم كانوا كباراً وإنما في الحقيقة كانوا أيضاً ظرفاء.
 
الصفحة الأخرى في هذه الذكريات، أن الطلبة في البعثة كانوا يصدرون صحيفة اسمها (النور) وهذه الصحيفة يحررها الأستاذ خليل مطر؛ والأستاذ القرعاوي يكتب فيها، والأستاذ حسن منصور، وكان الذي لفت نظرنا أن الأستاذ القرعاوي يكتب قصة "قصيرة"، وأن الأستاذ حسن منصور يكتب أيضاً قصة قصيرة، وفوجئنا أيضاً بهذا الأمر، إن موضوع القصة يشغل الشباب في ذلك الوقت ونحن كنا على مشارف الستينات، والحقيقة يشغلهم كتابةً ويشغلهم قراءةً، وفاجأنا الأستاذ القرعاوي أنه يكتب قصة هي (القصة الذرية..) وهي ليست قصة قصيرة، بل هي أقصر من القصيرة، ولذلك سماها (بالقصة الذرية) ويعتبر هذا كشفاً جديداً في عالم القصة؛ يعتبر الأستاذ عبد الله القرعاوي أحد رواده لأنه كان هو الكاتب الوحيد للقصة الذرية، لم أكتشف ولم أر كاتباً يكتب قصة ذرية أخرى غير الأستاذ القرعاوي، الأستاذ حسن منصور كان يكتب قصصاً أيضاً، ولكنه كان مشغول القلب بعواطفه وكان يكتب قصصاً ذات عناوين فرنسية، وأذكر أن إحدى قصصه كان عنوانها "راندفو"، ومن فرط جهلي لم أعلم ماذا تعني "راندفو"، بعد ثلاثة أشهر وجدت نفسي أيضاً عندي "راندفو"، وجدنا أن الصحيفة هذه لا تكفي وأن لا بد للجيل الجديد من صحيفة تعبر عنه وتحمل أفكاره؛ فأصدرنا صحيفةً أخرى اسمها "الحقيقة" وكان يرأس تحريرها الدكتور فايز بدر، وهيئة تحريرها تتكون من فايز بدر ومن محمد سعيد خوجه وأيضاً أحد الآباء ومن عبد الله مناع.
 
ولكن الصحيفة الجديدة كأنها لم تكن لها تلك الاهتمامات الأدبية التي كانت لصحيفة النور، كانت لها اهتمامات لا أستطيع أن أسميها اهتماماً بالقضايا، لكن أستطيع أن أقول: كانت لها اهتمامات بقضايا الطلبة وأيضاً بمشاكلهم، وهذه الصحفية التي أسميناها "الحقيقة" أخرجها المهندس الفنان فيما بعد والرائع الكبير محمد سعيد فارسي، وكنا أحياناً لا نجد خطاطاً يكتبها، وكان الدكتور محمد صيرفي وهو دكتور أمراض جلدية وطبيب عظيم وفنان وكنت أسميه "روك هدسون" البعثة، لأنه كان على درجة كبيرة من الوسامة وكان أيضاً على درجة كبيرة من إجادة اللغة الإنجليزية؛ فقد كان من خريجي "فكتوريا" وكان أيضاً طالباً متقدماً علمنا نحن طلبة الطب الكثير، وشرح لنا الكثير وأفادنا كثيراً لأنه كان يسبقنا..
كان الأستاذ د. محمد الصيرفي يكتب لنا هذه الصحيفة إذا تعذر علينا أن ندفع أجرة الخطاط، وكان خطاً جميلاً وأظن أنه الوحيد الذي خطه جميل..
فالمعروف أن الأطباء جميعاً خطوطهم ليست جميلة..
هذه الصحيفة سرعان ما دخلت في مواجهة مع الصحيفة الأخرى لأنه كانت هناك انتخابات للنادي، ويظهر أيضاً أن المرحلة أفرزت فريقين: جيل الطلبة القدامى وجيل الطلبة الجدد، وكانت الصحيفة الجديدة تعبر عن هذا الجيل والصحيفة الأخرى كانت تعبر عن الجيل القديم، وأظن هذه الانتخابات للنادي كانت ربما بعد عام أو قرابة العام؛ وكنا دخلنا في العدد الرابع أو الخامس أو ما حوله وتحولت هذه الصحيفة في العدد الأخير، وقد أصبح الأخير، وهي تحمل الدعوة لمرشحين جدد وتطرح برامجهم وتهاجم الطرف الآخر، وأثارت الحقيقة ضجة كبرى بعد الانتخابات وكانت لاذعةً وساخنةً جداً مما عجل بإيقاف صدورها، وأصدر مدير البعثات قراراً بإيقاف الصحافة وصدور الصحف بدار البعثات..
الطريف في الأمر بعد أن مرت السنون وكنت أتحدث هاتفياً ذات مرة مع الأستاذ عبد الله القرعاوي، فقال لي: أتدري ماذا تعني كلمة "الحقيقة" التي كنتم تسمون بها صحيفتكم؟ قلت والله الحقيقة هي الحقيقة. قال لا لها معنى آخر، قلت له ماذا؟ قال تعني برافدا..
قلت له الصحيفة الشيوعية؟ قال: بالضبط. لم تكن الصحيفة التي نصدرها إنما كانت ترجمتها "برافدا"، لكن الأستاذ القرعاوي كان يعلم ما يكتبه منذ زمن وكما قلت رجل ذكي بوعي، وهو ذكي ذكاءاً هادئاً واعياً..
وقد اختار كما قلت أيضاً الكتابة الهادئة كاتباً ناثراً وشاعراً وما اختار أن يركب جواداً، اختار أن يمشي على الرصيف بهدوء وبوقار وباتزان متحاشياً الرياح والمطر وسقوط حجر..
كان دقيقاً في مشيه دقيق الاختيار لمواقع قدميه، ولذلك هو الآن يتمتع بصحة نفسية وصحة بدنية وبسعادة نغبطه عليها ونتمنى له المزيد منها، أرجو ألا أكون قد أطلت عليكم، في هذه الدردشات..
الأستاذ القرعاوي يعتبر من الجيل الذي جاء بعد جيل القرشي والزمخشري والرفاعي؛ هو جيل وسط، لكنه جيل أدرك الجيل السابق؛ جيل الرواد. رأى العواد وحمزة شحاته وعبد الجبار وعبد الوهاب آشي وحمد الجاسر وعبد الله بن خميس، وأنا أعتقد أن الرؤية هذه أكسبته قيمة، فهو فيما يكتب صاحب لغة سليمة، ودقيقة، وجميلة، ويبدو أيضاً أن متانة اللغة وسلامة اللغة جزء من تركيبة الأديب في الماضي، يبدو أننا في زمن لم نعد كذلك، نحن في زمن الأدباء فيه يخطئون كثيراً ولا يغنيهم التدقيق في اختيار ألفاظهم وأفعالهم، فيكتبون ولا يدققون، لكن الجيل الذي لحقه الأستاذ عبد الله القرعاوي كان جيلاً متيناً في لغته، لكنه كان جيلاً يتحاشى المصادمات ويتحاشى التفكير الساخن، وكان يتعاطى المثلجات "والسوبيا" (1) وما شابه يعني.
ولذلك أنا فوجئت الآن في هذه الجلسة أن الأستاذ القرعاوي لم ينشر شيئاً في كتاب، وأن ديوانه حتى الآن ما يزال مخطوطاً، أنا متأكد أن الأستاذ القرعاوي ما زال ينظر في الديوان أينشره أم يدعه؟ وما زال ينظر في تلك المقالات التي كتبها وبهدوء هل يصلح إعادة نشرها أم أنها قد تسبب بعض الإزعاج؟ أنا أخشى إذا ترك له الديوان وتركت له مجموعة المقالات فإنه لن يظهر منها شيء على الإطلاق فإذا أردتم أن تنشروا شيئاً للأستاذ القرعاوي فاسحبوه من يديه وتولوا نشره، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
 
 
طباعة

تعليق

 القراءات :678  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 95 من 187
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

عبدالله بلخير

[شاعر الأصالة.. والملاحم العربية والإسلامية: 1995]

أحاسيس اللظى

[الجزء الأول: خميس الكويت الدامي: 1990]

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج