شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
-21-
صديقي:
أتمنى لك حياة طيبة.
دعاني بالأمس إلى نزهة خلوية بعض زملائي في حلقة الشيخ ((دهشور)).. والنزهة الخلوية عند هذا الصنف من الجن تعني الخروج المبكر إلى الخلاء في زمرة يشترك أفرادها في حمل ما لا بد من حمله، حتى إذا ما مضى بك مسرب الجبل إلى مرتفع القمة رأيت خطاً من أشخاص الجن يلتوي بالتواء الجادة أمامك ومن خلفك، وقد أُنيطت بظهر كل جني صرة أودعها نصيبه من الحمل كما تناط أطفال (التكارنة) بظهور أمهاتهم. واستثار دهشتي منظر عالمنا الجليل الشيخ دهشور؛ وقد أناط بظهره مثل الذي أناطوه؛ فرحت أغمز إلى زميل لي كان يرافقني فكان فاتحة حديث تداعت بتداعيه المعاني وانثالت بانثياله شجون وشجون!!
كان صاحبي يرى رأي طائفته من الجن في أن مشاركة الأستاذ تلاميذه في مثل هذا محاولة موفقة لتقليل الفوارق بين الطبقات، وهي من جانب الأستاذ دليل عملي على سمو مبادئه، وعنايته بتهيئة أولاده بما يتفق مع المثل العليا والخلق الفاضل.
وانساق الحديث بنا في غرار ذلك شيقاً طريفاً حتى راعتنا جلجلة صاخبة.. والتفتنا فإذا صوت (ساطور) يقرقر في نبراته الغليظة تعليقاً على ما نحن فيه فيقول:
إنني شخصياً أعرف أساتذة من الإنس يعطون لمقامهم أكثر ممّا يجب لدرجته بين العلماء، وأعرف شخصياً ما بعينه في إحدى مدن الإنس كان يطيل النظر في كل جماعة يمر بهم كأنه يستفزهم إلى مبادأته بالتسليم اعترافاً بتجلته، ومبادرة يده بالتقبيل إقراراً بحقه في الفضل، فكنت لا أدري أهو لون من العلم ينفث الزهو في عقد النفس، ويوحي إليها بالغرور أم هي جبلة جافية لم تصقلها الدراسة، أو تهذبها روح العلم!!
وعرفت رجلاً من بيوت الفضل فيها يكور عمامته في شكل يوحي بالتقديس ويجمع أطراف جبته في صورة تنطق بعظمة الأجداد، ويعد يده لينفحها كل مسلم، ويضعها تحت أنف كل مصافح كأنها قطعة من الحجر الأسود قُدِّست لينال شرف تقبيلها المتبركون، ويحظى بلثمها المحظيون.
كنت أراه يتبختر بلحيته العريضة الممشوطة فأتطاول بعنقي متشوقاً إلى تحيته فيأباها، ويطوي كشحه عني في طرف يتكسر تحت أهداب غليظة، وباصرة تزور في أقصى زاوية لا تراني من جفنه، فكنت لا أدري أهو جهل بمعاني القداسة التي أورثها إياه أجداده العظام؛ أم هو زيغ أضله الله به على علم!!
ولقد قام في نفسي أن أتشبث بتلابيب جبته، وأنادي به في عرض السابلة ((ألا تباً لك أيُّها الرجل فيما صنعت وضيعت لو أزور أجدادك أزورار طرفك، وصعروا خدودهم كما تفعل، لما كان لهم الشأن الذي ورثت قداسته اليوم، ولما كانت لك هذه العمامة التي تكور هامتك الجليلة وفي مفرقها يتراقص أولاد الشياطين)).
قلت يا ساطور ليس في كل أساتذتنا ما رأيت؛ ولا يزال في بيوتات الفضل لدينا مَن يقدس مبادىء بيته، ويحرص على أمجاده بروح المؤمن الصالح.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :350  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 104 من 114
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الدكتور سعد عبد العزيز مصلوح

أحد علماء الأسلوب الإحصائي اللغوي ، وأحد أعلام الدراسات اللسانية، وأحد أعمدة الترجمة في المنطقة العربية، وأحد الأكاديميين، الذين زاوجوا بين الشعر، والبحث، واللغة، له أكثر من 30 مؤلفا في اللسانيات والترجمة، والنقد الأدبي، واللغة، قادم خصيصا من الكويت الشقيق.