شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
-37-
ما استثقلت في حياتي شيئاً كما استثقلت الاختبارات.
في الاختبارات تكلّف لا يجاري الطبائع المرسلة على سجاياها، وفيه ارتباك لنفوس لم تتعود الإلزام والتكيف حسب الخطط المرسومة لها، والقواعد المقررة عليها.
ولقد جرّبتُ عجزي في أي سؤال يفاجئني به ممتحن، أو أي بحث يكلفني بتوضيحه سائل.. ورأيت كيف تلتاث على مذاهب القول، وتتجمد المعاني أمامي.. فلا يواتيني تصريفها حتى إذا انفردت بنفسي، وانطلقت على سجيتي.. انطلقت المعاني من قيودها، وانثالت مذاهب البحث أمامي في يسر بالغ.
وقد تطرأ الفكرة التي عجزت عن إجابة سائلها قبل أيام.. تطرأ في سياق نقاش كان من مواليد الصدف البحتة.. فإذا المعاني تتداعى، وإذا أركان الفكرة تسلس للبحث في غير تكلف.
أيُقال إن أذهان المجانين لا تتركز في محور للبحث، وإن خيالهم لا يتسع لمجالي فكرة بعينها إلاَّ في مصادفات لا تنظمها قواعد ولا تحكمها قوانين؟؟
قد يُقال هذا لمجنون مثلي شاعت الفوضى في تلافيف رأسه، ولكن أيقال مثله لعقلاء جرّبوا غرف الاختبار، وقاسوا من مرارة الفشل بين جدرها في صور لا تتفق مع جدارتهم وكفاءتهم؟
ليس في الأمر إلاَّ أن بعض النفوس لا تتكيف بالخطط التي ترسم لها، والقواعد التي يلزمهم بها سائل أو ممتحن، لأن أفكارهم تلتاث بالتقرير والتخطيط، ولا تواتيهم المعاني سلسلة سهلة إلاَّ إذا انطلقوا مع سجاياهم دون أن يتكلفوا لطلب أو يلزموا بغرض.
هذه نظرية عامة نلمسها في كثير من غرف الاختبار، ونجد نتائجها واضحة في جزء كبير ممّن هيأتهم ظروفهم لمعاناة الفاحصين والمميزين.
كلنا يعلم أن غرف الاختبار في المجامع والمدارس والهيئات تستقبل الكثير ممّن يربكهم الالتزام ويفقدهم توازنهم الذهني، وينسيهم حتى أبسط معلوماتهم فلا يظفرون بنجاح.. بل ويحرمون النسبة التي يستأهلونها والدرجة التي يستحقونها، وربما تقدمهم غيرهم ممّن لا يبلغون شأوهم ولا يطمعون في مساواتهم.
ليس من يشك في أن الامتحانات شر لا بد منه في الحياة، وقد استحقه أهل الحياة بتجافيهم للمثل العليا في الإنصاف، وإلاَّ لاستطاعوا الاستغناء عنه بسبر أغوار الملزمين بالاختبار بأساليب جديدة قوامها التحرّي العادل، والتجربة المنظمة.. ولكننا لا نضمن صدق التحري، ولا نثق في إخلاص المكلفين بتجربة الممتحن فلا مناص من الخضوع لأنظمة غرف الاختبار.
إذا كانت نعمة العقل فضيلة لا يُقاس عليها. فإن فضيلة العدل نعمة لا يمارى فيها.. ولو فقد الناس مَلَكَة العقل، وانطلقوا يقاسمون المجانين حياتهم في الأرض لكان خيراً في رأيي من أن يفقدوا خِلة العدل ويعيشوا في ظل من الثقة المفقودة، والأمان المضطرب.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :348  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 70 من 114
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج