شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
أبو عطاء السندي
يقول الشاعر أبو عطاء السندي:
أعوزتني الرواة يا ابن سليم
وأبى أن يقيم شعري لساني
كان أبو عطاء السندي من شعراء العربية المعدودين في عهد العباسيين وكان معروفاً مع هذا بلكنة في لسانه.. كان يسمي الجرادة (زرادة) ويقول عن الشيطان (سيطان) ذلك أنه ولد في السند ثم انتقل على أثر الفتوحات الإسلامية إلى بغداد فتعلم العربية ونبغ فيها ثم قال الشعر وأبدع فيه وعده النقاد من فطاحل الشعراء.
كان أبو عطاء لا يجرؤ على إنشاد ما يبدعه من الشعر لعلمه بلكنة لسانه فكان يتخذ له غلاماً ينشد عنه شعره وكان يعاني في سبيل انتقاء هؤلاء المنشدين والرواة ما يصوره في الأبيات التالية:
أعوزتني الرواة يا ابن سليم
وأبى أن يقيم شعري لساني
وغلا بالذي أجمجم صدري
وجفاني لعجمتي سلطاني
إلى أن يقول:
وتمنيت أنني كنت بالشعر فصيحاً
وبان بعض بناني
ويعنينا في شعر أبي عطاء السندي صلته بلغة العرب أو بالأصح صلة العرب به وببلاده، فقد كان العرب يعرفون إقليم الهند قبل قيام دولتهم في صدر الإسلام وكان رحالوهم من الجوابين والتجار يتصلون بأطراف الهند ويعرفون من حضارتها وفلسفة رجال الفكر فيها ما حببهم إليهم.
وكانوا مولعين بصناعة السيوف فيها حتى سموا سيوفهم المختارة هندية وكانوا يقولون للسيف المطبوع مهنداً أو هندوانياً.
وظل أمر الهند يحتل مكانه المرموق في الرأي العربي القديم حتى إذا هيئ للعرب قيام دولتهم واستطاعوا أن يتوسعوا في فتوحاتهم برز إقليم الهند بين الخطوط التي رسمتها برامجهم فتوجهوا إلى بلاده فاتحين وبدأوا يعدون عدتهم للاستفادة من حضارته القديمة ومعارفه الواسعة.
يحدثنا البلاذري عن خطوات طلائع الجيش العربي إلى الهند فيقول: وجه الحجاج محمد بن القاسم الثقفي إلى الهند في أيام الوليد ففتح جزءاً عظيماً منها وهو المسمى بالسند وكان محمد بن القاسم لا يتجاوز العشرين من عمره وبذلك اتصلت بلاد السند بالعرب وانتقلت جاليات كبيرة منها إلى جزيرة العرب فاختلطت بأهلها وتزاوجت معها فنتجت أجيال جديدة تتكلم اللغة العربية كما ظل بعض مولديها ينطقونها في لكنة أو لثغة كما كان الشأن في شاعرنا أبي عطاء السندي.
ولما كان لا يعنينا كثيراً أن نترجم لشاعرنا أبي عطاء في هذا الحديث كما يعنينا أن نلقي ضوءاً على عصر هذا الفتح وما صاحبه من تطورات سياسية وثقافية وما نشأ عنه من علاقات تركت أثرها بين الجنسين.
أقول أنه لما كان لا يعنينا كثيراً إلاّ بحث الأثر الذي تركه الفتح في بلاد السند فإن من المناسب أن نلم ببعض هذه الجوانب في اختصار.
إن جيش المسلمين ما كاد يستقر في بلاد السند في أواخر عهد الأمويين حتى امتد نفوذه إلى بعض بلاد الهند واعتنق الإسلام على أثر هذا جاليات كبيرة رأت نفسها في حاجة إلى أن تتثقف بثقافة المسلمين وتتعلم لغتهم فتتلمذت طوائف ممتازة منهم على بعض كبار الجيش من رجال الحديث وأئمة القرآن وظهر من نبوغ بعضهم أن عد في طليعة المحدثين كأبي معشر السندي كما درس بعضهم اللغة العربية وأصبحوا من أعلامها الممتازين كابن الأعرابي ابن زياد السندي كما تفنن بعضهم في الشعر كشاعرنا أبي عطاء السندي.
وترك أهل السند والهند أثراً في ثقافة الإسلام فقد كانوا مبرزين في الحساب والطب وصناعة السيوف كما كانوا مبرزين في الرياضيات والنجوم والفلسفة وقد اختلط المسلمون بكل هذه الفنون وتفوق عدد كبير من علمائهم فيها.
وعنى خلفاء العباسيين بمن وفد إلى بلاد العرب من نوابغ الهند وأنفقوا على من تخصص في دراسة فنونهم بسخاء وافر واستقدموا كثيراً من كتبهم وأمروا بنقلها من اللغة السنسكرتية فاستوى للعرب منها مؤلفات ضخمة في الفلك والرياضيات وعلوم الكلام والفلسفة.
ويذكر بعض المعقلين من علماء القرون المتأخرة أن فلسفة الهند القديمة تركت أثرها في جزء غير يسير من مذاهب الفرق الإسلامية التي كانت تسود العصر العباسي وأن بعض مذاهب الصوفية تأثرت بعلوم الكلام التي انتقلت إلى بلاد العرب من أقاليم الهند كنتيجة للاختلاط عقب الفتوحات الإسلامية في القرن الثاني والثالث من الهجرة.
وقد ذهب بعض أصحاب الرأي من القدامى إلى مثل هذا الرأي فإن مؤلف كتاب الأغاني يقول: ((كان بالبصرة ستة من أصحاب الكلام.. عمر بن عبيد، وواصل بن عطاء، وبشار الأعمى، وصالح بن عبد القدوس، وعبد الكريم بن أبي العوجاء، ورجل من الأزد.. فكانوا يجتمعون في منزل الأزدي ويختصمون عنده فأما عمرو، وواصل فصارا إلى الاعتزال، وأما عبد الكريم وصالح فصححا التوبة وأما بشار فبقي متحيراً وأما الأزدي فمال إلى قول السمنية وهو مذهب من مذاهب الهند وبقي ظاهره على ما كان عليه)).
وتركت الهند أثرها في لغة العرب فقد كان العرب لا يعرفون الفلفل والإهليلج ومئات من أمثالها انتقلت إليهم بألفاظها وأضيفت على مر السنين إلى مفردات لغتهم.
كما تأثر إقليم الهند ببعض المفردات العربية فهناك ألفاظ السلام والشرف واللطف وكثير من أمثالها استعارها الهنود من أفواه العرب وأباحوا لها أن تدرج بين مفردات ألفاظهم.
وعندما طال الاختلاط بين الهند وعرب الجزيرة وزاد انتشار الإسلام في أصقاع الهند استطاع الخلفاء أن يحتضنوا سائر الطبقات التي أسلمت وأن يذيبوهم في المجتمع الإسلامي وتلك خلة انفرد بها الإسلام فإن حكام الإنجليز الذين هيمنوا على مقدرات الهند في الأجيال الأخيرة عجزوا عن إذابتهم في التاج البريطاني رغم ما بذلوا من جهود.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :635  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 49 من 92
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الدكتور زاهي حواس

وزير الآثار المصري الأسبق الذي ألف 741 مقالة علمية باللغات المختلفة عن الآثار المصرية بالإضافة إلى تأليف ثلاثين كتاباً عن آثار مصر واكتشافاته الأثرية بالعديد من اللغات.