شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
إلى شبابنا الجامعي
-1-
أرى من الغريب جداً أن أقلام الرعيل الأول والثاني من أدبائنا لا تزال تصول بين أعمدة الصحف كما كانت تصول قبل ربع قرن، ولكني لا أرى لشبابنا الجديد إلاّ بعض الأثر الذي لا يتكافأ مع هذا العدد الهائل الذي تهديه إلينا الجامعات في مطلع كل عام.
لست أغمط هذا النفر العامل من شبابنا الجامعي والذي تصافحنا بحوثه الممتازة في كثير من صحفنا ولكني مع هذا لا أرى فيه ما يكفي.
ذلك لأن نسبة مَن نقرأ لهم من الكتّاب الجامعيين المجيدين إذا قيس بالعدد الهائل من المتخرجين ظهر أننا ما فتئنا مظلومين لم نستوفِ حقوقنا عندهم ولم نربح إلى اليوم ما كنا نؤمل ربحه يوم أسلمناهم إلى الجامعات عبر البحار وبتنا نقاسي آباءً وأمهاتٍ مضض الفراق وآلامه.
لقد كان آباؤنا قبل اليوم يهيئون أبناءهم في سن الفتوة ليشاركوهم فيما يمتهنون ثم يضطلعون دونهم بكامل المسؤولية ليتقاعد الأب هادئاً، وفي ذلك لون من الخدمات العامة لا أشك فيه.. ولكننا اليوم بتنا محرومين كآباء من معونة شراكة أبنائنا ولذتها فاحتسبنا هذا براً بهم وخدمة لبلادنا.
لماذا نحتسب كل هذا؟؟
أفي سبيل أن يربحوا الكراسي ويتصدروا المكاتب وينعموا ببسطة العيش في ظل رواتب محترمة ولا أكثر؟؟
إنا إذا كنا قد فقدنا مساهمتهم فيما نحترف فإن بلادنا تفتقدهم في سائر المجالات التي عاشت تنتظرهم من أجلها.
نريدهم ليبرزوا أمامنا في سائر الخدمات العامة.. نريدهم ليعالجوا قضايانا بروح الشاب الفاهم الذي أهلته ثقافته العالية لأن يقود مجتمعاتنا إلى مسالك الحياة الصحيحة.
حضرتُ من أيام حفل زواج في بيت يضم بين أفراده أكثر من شاب من أصحاب الثقافات العالية، فهالني أن يتنطع الحفل ليبدو في زينة من لا يكترث لتبذير أو سرف ولا يحسب حساباً لقيمة ما ينفق في ترهات تقليدية فعلمت أنها أفعال قادها عجائز البيت من عمات أو خالات أو جدات على رغم ممانعة شباب البيت المثقف. فأسفت لهذا الدور القيادي الذي ظل الجيل من أمثالي مسيطراً عليه بأفكاره التقليدية دون أن يجرؤ الشباب الجديد على تحويله أو توجيهه أو صبغه بأي لون يترك أثره في حياتنا العامة.
-2-
كنتُ قد تحدثت عن حفل الزواج الذي شهدت فيه الدور القيادي في متناول العجائز والذي عجز الشباب أن يتناولوه بتوجيهاتهم أو يطبعوه بأثر من ثقافتهم.
وجئت اليوم لأناقش المطمئنين لكراسيهم من شبابنا وشاباتنا.
وصدقوني إذا قلت إني أصافحهم بكلمتي وأنا واجف القلب، ففي بعض أيديهم أقلام مرهفة، وبين صفوفهم أفراس إذا أثيرت عقد الغبار رواقه القاتم وأظلم ما بين الأفق إلى الأفق.. وتلك ميادين نشأت أكرهها وتعودت أن أنفض ثيابي منها.
ولكن لا عليَّ.. فإن أصحاب الأقلام المرهفة، والغبار المثار تعودنا جولاتهم في كثير من البحوث النافعة، فبات نقاشي لا يعنيهم.. وإنما هو يعني المطمئنين إلى كراسيهم.. وهم قوم لا يتكلفون ما يرهق أقلامهم أو يتعبها.
إلى هؤلاء أريد أن أتوجه بكلمتي فقد أنفقنا الكثير والكثير جداً، وجالدنا طويلاً وطويلاً جداً وباتت مجتمعاتنا تنتظر أن يعود الغائبون ليبثوا ثقافتهم ويوحوا إليهم بالكثير الذي يقضي على ترهاتهم التقليدية ويتولوا قيادهم إلى الطرق السليمة التي تنتهجها الأمم الحية إلى غاياتها في الحياة.
لقد طال هجوعنا واستكانت مجتمعاتنا بمرور الأجيال إلى تقاليد أورثتنا ألواناً من التخلّف جمدنا عليها وبتنا نستلهمها في كثير من مقدرات حياتنا.
فإذا استبشرنا اليوم بهذه اليقظة الجديدة التي بدأ التعليم يبني أساساتها ويهدينا نحو الجديد لتدعيم ركائزنا، فليس معنى هذا أن تنسى الركائز وظائفها في البناء الجديد وتعيش على الهامش هانئة بما ظفرت لنفسها من شهادات خولتها الحياة الناعمة.
إن أكثر اختصاصاتهم العالية لا نفقه من دقائقها إلاّ النذر وبلادنا في أشد الحاجة إلى توعية عامة تتفتق لها الأذهان لتستجيب لما تفهمه من معانيها وتستطيع أن تساير القافلة في أحدث خطواتها.
يجب أن نقرأ لكل صاحب اختصاص من شبابنا فيضاً من البحوث في سلسلة متصلة الحلقات، فهم قبلنا مسؤولون عن التوعية العامة.
يجب أن تكون لهم نوادٍ عامة تفتح أبوابها لكل متعطش يتمنى أن يستمع إلى آخر ما أحدثه العلم من أفكار معزز بالخرائط التوضيحية أو شاشة الفانوس السحري.
يجب أن يعتمد الشاب الجامعي نفسه مندوباً ثقافياً في عائلته وأهله وسكان حيّه من الجيران ليترك طابعه في أذواقهم ويهيئهم لفهم الحياة على غير النحو الذي عاشوا يألفونه.
لا نريد قشوراً لامعة مما شاع لونه بين بعض الشباب الصفيق في أوروبا، وأمريكا فوقتنا أضيق من أن يتسع لمثل هذه السماجة، وحاجتنا أشد إلى أن نتأسى بالبناة الذين أقاموا الصروح وشيدوا الأمجاد.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :335  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 44 من 92
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج