شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
عندما يتباهين بما لا يملكن!
نشر في جريدة الندوة عام 1372هـ
ذكر لي -والعمدة على راوي الخبر- أنه: في إحدى حفلات الزواج كانت المدعوات من سيداتنا يشكلن معرضاً واسعاً من معارض الحلي والمصوغات والأحجار الكريمة تتلألأ بها نحورهنّ وصدورهنّ وأيديهنّ.. وأنه كان بين الحاضرات سيدة مثقفة من إحدى جارات بلادنا الشقيقة أناطت بنحرها قطعة واحدة يتدلّى من سلسلتها الرفيعة حجر كريم متوسط القيمة، فلم ترق هذه البساطة لسيداتنا الفاضلات فأخذن يتغامزن على الضيفة في شيء من السخرية والاستخفاف الضاحك.
وشعرت الضيفة بما يبدين فلم تعره اهتماماً أول الأمر، ولكن الحالة ما لبثت أن تفاقمت واتسعت فما ملكت الضيفة إلاَّ أن وقفت تهيب بهن: لقد صبرتُ طويلاً على غمزاتكنّ، وأنا أؤمل أن يتبيّن لكنّ وجه ما تغمزن على حقيقته.. إنكنّ تسخرن مني لأني لا أملك إلاّ هذه السلسلة الرفيعة التي ألبسها، وكان يحسن أن تسخرن من أنفسكن وأنتنّ تعلمن أن أكثركنّ لا يملكن أكثر الحلي التي يلبسنها!!
قالت هذا ثم عادت إلى مجلسها ساكتة، فلم ينبس أحد منهنّ ببنت شفة كأنما شعرن بحرجهن أمام الحقيقة الفاضحة.
وهل ثمة ما يحرج أكثر من هذا؟..
إن سيداتنا يتباهين بأشياء يعرفن أنها آخر ما يصلح للمباهاة.. إنهن يعمدن إلى الاستعارة من بيت فلان، أو الإجارة من دكان علان حتى إذا أثقلن صدورهنّ ونحورهن بالثمين الغالي مضين يتهادين متباهيات في الحفلات والمناسبات، بما لا يملكن.
وأغرب ما في هذا أن السيدة لا تكاد تتهادى بما تتحلّى والتعليقات: (شوفي يا أختي هذا عقد فلانة، وهذا الطوق مستعار من بيت فلان.. وهذه (اللبة) يؤجرها الدكان الفلاني.
ولا تكاد التعليقات تقتصر على الواحدة منهنّ أو الاثنتين في المجلس بل كثيراً ما تشمل أكثر الحاضرات.
إذن فهنّ يباهين بأنهنّ عارضات أزياء لا أكثر، وهي (تقليعة) لا أدري كيف تستسيغها عقولهنّ.. وكيف يتذوقنها وليس فيها شيء من أصول الذوق.
يصح للسيدة أن تباهي بحلية تملكها تدل على متوسط ثروتها، كما تدل في الوقت نفسه على دقتها وحسن ذوقها في الاختيار. أمّا أنها تبدو وكأنها موديل تجاري لعرض اللامع والبراق من أموال الناس فهذا آخر ما يستسيغه الذوق الأصيل.
أنا لا يعجبني أن أتجنى على السيدات وليس بينهنّ إلاّ أختي أو ابنتي ولكنه لا يرضيني في الوقت نفسه أن يشايعن (تقليعة) فيها من غثاثة الذوق ورداءة التكلّف ما يسيء إلى سمعة بيوتنا.
إن السيدة الراقية في أي بلد متمدن باتت اليوم لا تتحلّى بأكثر من حلية واحدة فيها كثير من البساطة غير المتكلفة.
وباتت إلى هذا تستنسب من الأصناف المقلدة ما يوحي بميلها إلى البساطة، وأنها تعتمد على جمالها ورقة أنوثتها أكثر ممّا تعتمد على البهرج المتكلف.
إني هنا أكرر رجائي إلى رائدات نهضتنا النسائية آملاً أن يتقدمن الصفوف للقضاء على أمثال هذه التقاليد الجاهلة، فليس أقدر منهن بالقضاء عليها.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :417  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 36 من 92
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

سوانح وآراء

[في الأدب والأدباء: 1995]

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج