شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
مقام إبراهيم
حمدنا للحكومة عنايتها بالتوسعة في الشوارع والمشاعر، كما حمدنا لها في توسعة المسجد الحرام، وفي المطاف حول الكعبة إلاّ أن إبقاءنا على مقام إبراهيم قائماً في مكانه أضاع علينا فرصة الاستفادة من توسعة المطاف بعد أن أنفقنا في سبيلها الملايين، فالحجاج يطوفون اليوم في رحاب جد متسع حتى إذا انتهوا إلى مقام إبراهيم انصبّوا في مضيق كأنه عنق الزجاجة، فركب الأقوياء ضعفاء الناس وداسوهم في سبيل روايات لم تتأكد عن موقع إبراهيم.
وإنَّ مَن يطّلع على فتوى فضيلة المفتي الأكبر في شأن ذلك يجد أن كل ما اعتمدناه لثبوت مقام إبراهيم في مكانه قابل للجرح، كما يجد أن أهم ما في المسألة هي رواية سيل أم نهشل الذي اقتلع المقام من مكانه؛ ممّا أُضطر الخليفة عمر -رضي الله عنه- أن ينتقل من المدينة إلى مكة ليحقق موضعه ويعيده إليه.
هذه الرواية لم تثبت ثبوتاً يفرض اعتماده، فبعض رجال السند في هذا الحديث قيل في شأنهم الكثير ممّا فصّله فضيلة المفتي اعتماداً على ما نقله الثقاة من نقاد الحديث.
على أن ثمة ناحية أخرى لها قيمتها في الموضوع، فنحن نسأل هل كان مقام إبراهيم ثابتاً في مكانه هذا أو في غيره وهل كانت له في صدر الإسلام هذه القبة التي تشغل هذا الحيز الواسع حوله.
إن تقي الدين الفاسي وهو من أعلام مؤرخي مكة يذكر القبة فيقول إنه لا يعرف مَن بناها إلى أن يقول: ولعلّ الصليجي ملك اليمن هو أول مَن بناها في عهده الذي اقتحم فيه مكة. والصليجي من دعاة المذهب الباطني عاش في منتصف القرن الخامس الهجري.
ويشير الأزرقي إلى مقام إبراهيم في أكثر من موضع من كتابه، فيذكر أنهم كانوا ينقلونه إذا ازدحم الموسم إلى بعض أطراف المسجد، وفي بعض المرات إلى جوف الكعبة، كما يذكر ابن بطوطة أنه شهد مقام إبراهيم وقد أخرجوه في أحد الأيام إلى باب الكعبة من جوفها.
كل هذا يدل على أنه لم يكن ثابتاً في مكان واحد، وأن سلفنا حتى في عهد بني أمية كانوا ينقلونه إذا ازدحم الموسم، فما يمنعنا أن ننقله أسوة بهم؟ وما يمنعنا أن نزيح قبته ما دامت مستحدثة لا يعرفها عهد النبي صلى الله عليه وسلم ولا صحابته؟!
وما دام ديننا يقرر (لا ضرر ولا ضرار) فلماذا نصر على هذا الوضع ونحن نشهد الضحايا من الطائفين يقضى عليهم دهساً بالأرجل بين يدي مقام إبراهيم؟!
لقد كتبتُ هذا في خطاب مطوّل إلى جلالة المغفور له الملك عبد العزيز فأُحيل كما علمت إلى لجنة من العلماء لدراسته، ثم أطبق عليه ولا أعلم إلى اليوم ماذا تم في شأنه، ولعلّ علماءنا لم يوافقوا على ما فيه.
ولكن فضيلة المفتي وقد بدأ اليوم يحتضن الموضوع ويحقق في شأنه ويصدر فتواه بجواز نقله، فإني أتمنى أن يحالفه النجاح الذي خانني، كما أتمنى إلى الرابطة الإسلامية أن تبسطه للبحث في إحدى جلسات المؤتمر لهذا العام لعلّ العلماء من شتى أقطار الإسلام يقتنعون بضرورة نقله رحمة بالشهداء الذين يعانون دهساً تحت الأرجل.
ومن رأيي أنه إذا تعذر نقله رغم كل هذه البينات فإن في استطاعتنا أن نزيل القبة المستحدثة ونهبط بالمقام عدة أمتار تحت الأرض ثم نعيد سطح الأرض من زجاج متين شفاف يبيح للطائفين أن يتوسعوا في طوافهم وأن يشاهدوه أو يصلوا حوله إذا شاؤوا كلما خف الزحام.
[نشر هذا من أكثر من عشرين سنة وأخيراً تم الرأي على إزاحة بناية المقام وإقامة شاخص مكانه ولكن عنق الزجاجة بقيت يتعثر فيها الطائفون].
 
طباعة

تعليق

 القراءات :359  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 8 من 92
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

سعادة الدكتور واسيني الأعرج

الروائي الجزائري الفرنسي المعروف الذي يعمل حالياً أستاذ كرسي في جامعة الجزائر المركزية وجامعة السوربون في باريس، له 21 رواية، قادماً خصيصاً من باريس للاثنينية.