أعترف بأني أحب الحكايات، أحب سماعها، وقراءتها، وروايتها. بدأ حبي للحكايات منذ عهد الطفولة، عندما كنّا نتحلّق حول ستي نور متعها الله بالصحة والعافية لتروي لنا حكايات حديدوان والكنز، وأمنا الغولة، وطرفاً من قصص الأنبياء صلوات الله عليهم وسلامه.
وتدرّجت اهتماماتي مع الزمن فاستغرقتني حكاية فيروز شاه ابن الملك ضاراب وحبيبته عين الحياة.. كيف لا وقد كان يقابل الجيش اللجب وحده فيهزمه وينزل بسيفه على الفارس فيشطره وفرسه إلى نصفين، ولشدّة إعجابي بهذه البطولة الخارقة كنت استظهر أجزاء من الأسطورة أرويها لأقراني، وعلِّي كنت بذلك أعوّض ضعفاً في بنيتي وهزالاً عانيت منهما في طفولتي.
وانتقلت تدريجياً إلى مغامرات اللّص الظريف أرسين لوبين، وقصص جرجي زيدان، ونجيب محفوظ، وتوفيق الحكيم وطرفٍ من القصص العالمي.
واليوم أجدني أستمتع أكثر ما استمتع بقراءة السير الذاتية. بالطبع ليس أي سير ذاتية، وإنما السير الذاتية لأشخاص خلّفوا وراءهم أثراً في الأدب أو الفكر أو العلوم.
أثار هذه الشجون في نفسي السيرة الذاتية لشاعرنا وأديبنا الكبير عبد الله بلخير التي أقرأها للمرة الثالثة. وشكراً للصديق الشيخ عبد المقصود خوجه الذي سخّر جهده وماله لنشر عطاء أدبائنا وشعرائنا.
وقفت طويلاً أمام خواطر وشجون الشاعر عبد الله بلخير وهو يسرد لنا طرفاً من ذكرياته في الجامعة الأميركية ببيروت، ومع الملك عبد العزيز آل سعود، ورحلاته المكوكية بين الشرق والغرب، وأيامه التي قضاها مع أسرة الشيخ حبيب الرحمن في أقصى الشمال من الكرة الأرضية. وأكاد أسمع السيدة ريحانة زوجة الشيخ وهي تردد (حب النبي حرقني.. أفدي الذي حرقني.. يا رب لا تحرمني).
أدعو الشباب لقراءة السيرة الجميلة للشاعر عبد الله بلخير لما فيها من متعة، وعبرة. وأتمنّى على شاعرنا الكبير أن يتحفنا بالجزء الثاني من ذكرياته الماتعة.