شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
الاحتفاء بالأدباء والمثقفين (1)
بقلم: عبد الله بن أحمد الشباط
((الحلقة الأولى))
بمبادرة كريمة من سعادة الوجيه الأديب الشيخ عبد المقصود خوجه صاحب الاثنينية المعروفة تلقيت دعوة من سعادته بالمشاركة في الاثنينية التي تقام بمنزله العامر في جدة أسبوعياً ـ لتكريم رموز العلم والأدب والثقافة داخل المملكة العربية السعودية وخارجها على امتداد ساحة العالم الإسلامي.. ولم أكن من المرحبين بمثل هذه الحفلات التكريمية التي تقام للأشخاص خصوصاً بالنسبة إلي. وقد ألح علي الكثيرون في المنطقة الشرقية برغبتهم في تكريمي فكنت أرفض. لأنني لا أجد أني وصلت إلى المرحلة التي أستحق فيها التكريم. ولم أقدم من الأعمال ما يستحق الثناء والتقدير وأن هناك من هو أحق مني فيها للتقدير والتكريم ممن أفنوا حياتهم في الطلب والتعب والعمل الدؤوب. من أجل العطاء. وليقدموا لأمتهم شيئاً يستفاد منه.
ولقد كدت أرفض دعوة الشيخ عبد المقصود خوجه.. لولا أنني رأيت أن الرفض خارج حدود اللياقة.. لأن الداعي ليس مقيماً معي في المنطقة الشرقية وليس بيني وبينه صلة أو رابطة سوى رابطة الأدب وأن الرجل الذي جشم نفسه عناء الاحتفاء بالأدب. والأدباء على مدى أربعة عشر عاماً جدير بالاستجابة.. ثم إنني رأيت أن الرفض أو الاعتذار عن قبول هذه الدعوة فيه شيء من الترفع والتعالي فسالت نفسي من أكون بين قمم الأدب والثقافة الذين جرى تكريمهم في تلك الأمسيات الخالدات؟ وهل أنا أفضل منهم أو أرفع مقاماً؟ ولذلك رأيت أن من اللياقة وحسن التعامل والمشاركة في ذلك العمل الجليل الاستجابة لتلك الدعوة الكريمة.. ثم طلب مني أن أعينه على اختيار بعض الأدباء من المنطقة الشرقية الذين يمكن أن يشاركوا في تلك الاثنينية فأشرت إلى أربعة من رموز الأدب ممن لي بهم صلة قوية ورابطة قديمة. هم الأستاذ الشيخ عبد الرحمن العبيد رئيس النادي الأدبي بالمنطقة الشرقية والذي تربطني به علاقة حميمية منذ حوالى أربعين عاماً حيث كان يعاونني في إصدار (الخليج العربي) المجلة التي تحولت فيما بعد إلى جريدة أسبوعية. وزميلي القديم الأستاذ خليل إبراهيم الفزيع رئيس تحرير جريدة اليوم ـ سابقاً ـ والصديق العزيز الدكتور علي بن عبد العزيز العبد القادر عضو هيئة التدريس بجامعة الملك فيصل ـ متقاعد ـ والصديق العزيز الدكتور عبد العزيز بن سعد العبد الهادي عميد كلية التربية بالدمام وقد اعتذر الأخ الشيخ عبد الرحمن العبيد عن قبول الدعوة لظروف قاهرة حيث حدث خلال هذا الأخذ والرد ما لم نكن نتوقعه.. إذ فجع بابنه عبد الله بن عبد الرحمن العبيد البالغ من العمر 26 عاماً فلم نملك إلا أن نتوجه للصديق القدير لتقديم العزاء والمشاركة في ذلك المصاب الأليم بقلوبنا ودعواتنا أن يربط الله على قلب صديقنا برباط الإيمان وأن يعوضه الله خيراً. وأن يتغمد الله الفقيد برحمته ورضوانه.
أما بقية الأخوة الكرام فقد استجابوا تقديراً وتكريماً لأخيهم للتدليل على ما يكنونه من ود لشخصي الذي يبادلهم نفس المشاعر الأخوية الصادقة وقد تفضل الداعي ببعث تذاكر الأركاب. فكانت رحلتنا مشتركة حتى حللنا بجدة.. إذ تلقانا مندوب الشيخ عبد المقصود في المطار واعتذر عن عدم حضور الشيخ عبد المقصود الذي كان يهمه أن يستقبلنا في المطار لولا أن والدته أمد الله في عمرها، كانت متوعكة فلم يستطع مفارقتها وكان اعتذاره أكبر في نظرنا من استقباله لنا في المطار وعندما خرجنا من المطار متجهين إلى النزل المعد لنا. وفي أثناء الطريق ـ أخذت الذكريات تنهال على الخاطر فتصورت جدة قبل خمسة وثلاثين عاماً حيث كانت أبعد نقطة فيها من ناحية الغرب هي المطار القديم فإذا بها تمتد من كل الاتجاهات حتى إنها اختلست جزءاً من مياه البحر لتحوله إلى متنزهات. ومسابح خاصة.. وأماكن للترفيه علاوة على ذلك الشارع العملاق الممتد على طول الساحل وما فيه من أشكال جمالية. ومساحات مزروعة. ومواقف للسيارات ومحلات للتنزه.. ودكاكين للخدمات وإذا العمارات الشاهقة والأسواق الكبيرة تغطي مساحات لا حدود لها ولا حصر وإذا صورة عروس البحر الأحمر تنبئ عن جلوتها وبهائها وقد مرت عليها رياح التنمية في هذا العهد المبارك.
وتذكرت أيام كنا نطبع ـ الخليج العربي ـ في مطابع محمد حسين أصفهاني ـ يرحمه الله ـ حيث كانت المطابع هي المنتدى الذي نجتمع فيه كل مساء. وكان من رواده من الأدباء.. عبد العزيز الربيع، عبد الوهاب آشي، عبد الغني قستي، حسن عبد الحي قزاز، طاهر زمخشري، أبو تراب الظاهري وغيرهم ممن كانت تعمر بهم تلك الليالي العبقة بالثقافة والأدب. واسأل نفسي. أين ذهب كل هذا؟ وأين هؤلاء الأشخاص الآن؟ هل ما زال الأحباب يلتقون كما كنا نلتقي آنذاك؟ أم أن أسباباً فرقتهم وأشغلتهم في أنفسهم وحالت دون لقاءاتهم وفككت تلك الأواصر القوية التي كانت تربطهم وأشغلتهم الدنيا كما أشغلت غيرهم، أرجو أن يخلف الله الظنون.. وأن تكون رابطة العلم والأدب هي القاهرة. لتحول دون التباعد والانشغال بأمور الدنيا ولم أفق من تداعي تلك الذكريات إلا عند باب المنزل الذي اختاره لنا مضيفنا الكريم.. فنزلنا واتجه كل منا إلى غرفته للاستراحة.. ولتناول طعام الغداء.. وترتيب أمورنا استعداداً لتلك الأمسية الموعودة.
وبعد وصولنا إلى المنزل المعد لنا.. وضعنا حقائبنا.. التقينا في البهو وأخذنا نتشاور حول الطريقة التي يمكن أن نعبر بها عن تقديرنا للاثنينية وصاحبها. فرأينا أن نترك الأمور لطبيعتها بحسب الظروف فإن طلب من أحدنا أن يتحدث أو رأى أن لديه فرصة للحديث فليكن الحديث ارتجالياً طبيعياً دون تكلف. ودون إعداد مسبق. لأنني أرى أن ذلك أكثر مصداقية وأقرب طريقة للوصول إلى عقل المستمع. فاتفقنا على ذلك وأخذنا في تجاذب أطراف الحديث حتى حان موعد الانتقال إلى منزل مضيفنا الشيخ عبد المقصود خوجه الذي بعث السيارات لنقلنا إلى هناك بعد أداء صلاة العشاء وما إن وصلنا حتى فوجئنا بأننا ندخل إلى قصر قد تمدد على قطعة فسيحة من الأرض تزينه النوافير والمسطحات الخضراء وأمامه فسحة متسعة الأرجاء ثم رأينا ما هو أعظم من ذلك فقد رأينا وسمعنا من ترحيب المضيف وسعة صدره ما أخجلنا.. حيث استقبلنا عند البوابة الرئيسية وأخذ يفتح أبواب السيارات بنفسه ويساعد كل منا على النزول ويتحدث مرحباً بالجميع كل على حدة. حتى وصلنا إلى بهو الاستقبال حيث وجدنا كوكبة من أدباء وعلماء ومفكري جدة وبعض الضيوف في انتظارنا فكانت أمسية ماتعة لن تزول من الذاكرة مهما امتد بنا العمر.
((الحلقة الأخيرة))
بدأت الأمسية بكلمة للشيخ عبد المقصود خوجه ألبسني خلالها ثوباً فضفاضاً ناء به كاهلي.. وأعطاني من الثناء أكثر مما أستحق ثم تبعه زملائي الذين كرمني الله برفقتهم فألقوا بعض الكلمات المختصرة المفيدة.. البعيدة عن الهوى. وبعد ذلك تحدث بعض الأخوة من الضيوف استثار بعضهم شيئاً من ذكريات الماضي إلي ما قبل أربعين عاماً، حين كنا نطبع جريدة الخليج العربي في مطابع المرحوم محمد حسين أصفهاني، الذي لم يدخر وسعاً في مساعدتي وتشجيعي. وعندما طلبت مني الكلمة أشرت إلى ذلك إشارة عابرة اعترافاً بالفضل وتقديراً للجميل ثم فوجئت بأن بعض الحاضرين يرغبون في توجيه بعض الأسئلة إما لمعرفة بعض الجوانب عن شخصي الضعيف وإما لامتحان قدرتي على العطاء ومعرفة ما يستره هذا الإهاب من علم واسع أو جهل مركب. ولما لم أكن ذا نصيب يذكر في الناحية الأولى قررت أن أتقنع وأستر جهلي بإجابات مرحة خفيفة تجذب الانتباه وتصرف النظر عما لدي من قصور فكان امتحاناً عسيراً تجاوزته بلطف أشاع جواً من المرح. وأخفي ما أردت أن أخفيه وقد لاحظت أثناء الاستقبال غياب بعض الأخوة الذين تربطني وإياهم أواصر ود وإخاء.. وقبل أن أستفهم من المضيف عنهم فاجأني بأنه قرأ رسالة ترعبه بعث بها الأستاذ عبد الفتاح أبو مدين رئيس النادي الأدبي بجدة أشار فيها إلى تلك الرابطة التي جمعت بيننا وهي رابطة أملتها علينا ظروف مهنة المتاعب ويعتذر في ختامها عن عدم الحضور لأنه.. أثناء ذلك خارج مدينة جدة ثم اعتذر المضيف باسم معالي الدكتور محمد عبده يماني الذي حالت ظروف قاهرة دون حضوره مع رغبته الأكيدة في أن يكون لي شرف السلام عليه.. لأنني يعلم الله أكن له تقديراً خاصاً صادقاً من القلب لا تشوبه شائبة ولا تمليه مصلحة لكن هذه إرادة الله. فحسبنا الله ونعم الوكيل ولن نفقد الأمل في تكرار اللقاء إن شاء الله.
أما أبو تراب الظاهري فقد قيل إنه قادم إلينا لكنه لم يحضر ولا يعرف ماذا أعاقه عن الحضور. كما لاحظت غياب الأستاذ الشاعر الصديق القديم يحيى حسن توفيق ولعلّ له عذر ونحن نلوم. المهم انتهت تلك الأمسية على خير والحمد والمنة لله.. وقد كسانا صاحبها من حلل الفضل أكثر بكثير مما سمعناه عنه.
وأنا لا أريد أن أتحدث عن صاحب الاثنينية أكثر مما قلت.. إلا أنني أرى أن تكريم صاحب الاثنينية وتكريمه يجب أن يكون من نوع خاص. لا بكلمات المديح والإطراء.. ولا بحفلات الاستقبال. وإنما بالعكوف على مجلدات الاثنينية التي أصدرها خلال 14 عاماً واستقطبت العديد من رجال الفكر والعلم والأدب من جميع أنحاء العالم الإسلامي. واحتوت العديد من التراجم والسير والأفكار والكلمات البيانية والأساليب المختلفة. وتحليلها وبيان مردودها على الحركة الثقافية وأثرها في الحياة الأدبية بجدة.
خصوصاً من أولئك الذين عايشوا الاثنينية منذ بدايتها وحضروا غالبية جلساتها وتمتعوا بأمسياتها الجميلة. وحظوا بترحيب صاحبها واستمطروا كريم خلقه وجميل بيانه. إن هذه الدراسة جديرة بأن تخرج للناس عملاً أدبياً متميزاً تذكره الأجيال على مر الزمن. وسيكون هذا العمل علامة بارزة ذات طابع متميز لأنه لم يوجد حتى الآن إنسان يوقف جزءاً كبيراً من ثروته لإحياء هذه الأمسية أسبوعياً ويصرف على ما تحفل به موائدها. ويتجشم طبع معطياتها في مجلدات بلغت حتى الآن 12 مجلداً!.. إلى جانب بعض الكتب التي عني بطباعتها على نفقته الخاصة. دون أن يأمل في أي مردود مادي من وراء ذلك وإنما يحتسب الأجر والثواب عند الله.
وليس ذلك بغريب على عبد المقصود خوجه الذي ولد ونشأ في بيت علم وثقافة وفكر. فوالده محمد سعيد خوجه هو ومعالي الشيخ عبد الله بلخير أول من عرَّف بأدباء الحجاز قبل نصف قرن من الزمان بإصدار كتاب (من وحي الصحراء) الذي احتوى على تراجم ونماذج لأكثر أدباء الحجاز بروزاً آنذاك. وفي مقدمتهم محمد سرور الصبان، ومحمد حسن عواد، وأحمد الغزاوي، وعزيز ضياء وغيرهم ممن أثروا الساحة الأدبية والذين لا تزال آثارهم محل دراسة وتحليل. ولا تزال نماذج من إبداعاتهم تدرس في المدارس والجامعات. فكان ذلك الكتاب هو النافذة الأولى التي أطل منها أبناء البلاد العربية على أدب هذه المنطقة وعرفوه من خلالها فكان منتجاً جليلاً وعملاً نبيلاً حفظته ذاكرة الزمن إلى أبد الآبدين.
وقد كان لذلك الكتاب الفضل في تعريفي بأدب الحجاز في بدايات دراستي الأدبية فاستفدت منه كثيراً وعرفت من خلاله أن في الحجاز أدباء ذوي مكانة لم يصل إليها الكثيرون من أبناء الجزيرة العربية آنذاك ولا شك أن محمد سعيد وزميله معالي الشيخ عبد الله بلخير، إذ كانا في مرحلة الشباب ـ قد ركبا مخاطره، كتب الله لهما اجتيازها بنجاح فكان فتحاً في دنيا الثقافة والأدب أعطى مردوداً جيداً على دنيا الأدب والأدباء.
ولذلك فليس بمستغرب على عبد المقصود خوجه الابن البار لأبيه أن يضطلع بهذا العمل الجليل الذي يحيي من خلاله ما اندثر من أسواق الأدب التي كانت معروفة في الحجاز منذ ما قبل الإسلام وأن يجمع حوله لفيفاً من ذوي الفضل ليشاركوه الإحساس بالنشوة وهو يمارس هذه الهواية الجليلة التي لا يستطيع التخلي عنها لأنها أصبحت جزءاً من اهتماماته الحياتية التي أخذت تفرض نفسها عليه بقوة فادعوا معي له بالتوفيق وأن يعينه الله على الاستمرار في هذا العطاء المتميز الذي يجمع قلوب الأدباء وعقولهم قبل أقلامهم في إطار التعارف والتواصل المستمر.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :406  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 61 من 204
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الدكتورة مها بنت عبد الله المنيف

المدير التنفيذي لبرنامج الأمان الأسري الوطني للوقاية من العنف والإيذاء والمستشارة غير متفرغة في مجلس الشورى والمستشارة الإقليمية للجمعية الدولية للوقاية من إيذاء وإهمال الطفل الخبيرة الدولية في مجال الوقاية من العنف والإصابات لمنطقة الشرق الأوسط في منظمة الصحة العالمية، كرمها الرئيس أوباما مؤخراً بجائزة أشجع امرأة في العالم لعام 2014م.