شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
رأي آخر
أشياء قديمة (1)
بقلم عبد الله أبو السمح
حضرت الدعوة إلى ((لقاء الاثنين)) أو الاثنينية الذي يقيمه صديقنا العزيز عبد المقصود خوجه في منزله الأنيق بجدة وكان اللقاء مخصصاً للاحتفاء بالشاعر العراقي الشهير محمد مهدي الجواهري.. وبعد أن انتهى به المطاف في أرض العروبة وبلاد الحرمين الشريفين، وقد تجمع في اللقاء عدد كبير من الناس الذين يتعاطون ـ في الغالب ـ الأدب والشعر أو الثقافة العامة، وكانوا جميعاً في حالة من الترقب والانفعال واضحة في الصمت المطبق، والعيون المصوبة إلى المنصة الرئيسية يرقبون بها رجلاً قد تجاوز من العمر تسعين عاماً، وهي سنوات طويلة أحوجت ـ كما قال شاعر قديم ـ سمعه إلى ترجمان وجسمه إلى من يتكئ عليه ويعاونه على الحركة، وقد اعتمر الشاعر العراقي قلنسوته الشهيرة وهي ((كوفية شيك))، مزركشة، والوجه مألوف، والاسم معروف، والشهرة واسعة فالجواهري هو واحد من الظواهر الصوتية العربية التي انطلقت منذ بدايات هذا القرن، وكانت قصائده تمثل نوعاً من البيانات السياسية الملتهبة والانفعالية، تماماً كما كانت كلمات أحمد سعيد في صوت العرب أو مقالات هيكل في الأهرام فلم تكن تحسب إلا على الأعلام السياسي الديماغوجي، ولذلك يندر الآن أن يتذكر الناس قصائد أو أبياتاً له يتمثلون بها، صحيح أنه فخم العبارة رنان الكلمات ولكن ضعيفة المحتوى قياساً بشوقي أو حافظ إبراهيم، ومعقد التراكيب والوصف، إلا أن طريقته في الإلقاء تبهر السامعين وتستجلب الاستحسان ويكفي دليلاً على ذلك المقدمات الطوال لكثير من قصائده، إن لم تكن لها جميعاً ـ توضح المناسبة وأسباب نظم القصيدة ومراميها، فإذا قيل إن الجواهري شاهد عصره.. وبالذات في العراق فذلك صحيح تماماً، لأنه كان ((جريدة)) منظومة يعلق على مجريات الأمور بشعر طنان رنان، وقال بعض من كتبوا عنه بأن باعة الصحف كانوا ينادون على صحفهم.. قصيدة الجواهري.. باعتبارها التعليق الرئيسي أو ((المانشيت)) الرئيسي في صحف ذلك اليوم.
ولقد تجاوزْتُ كلمات الإطراء والمبالغة في المدح التي تفضل بها المعلقون فقد سرح بي الخيال أعواماً إلى الوراء حين اشتريت ولأول مرة ((ديوان الجواهري)) ربما في طبعته الأولى، كان ذلك في الخمسينات الميلادية، ولم أكن سمعت به فقد تصادف أن كنا نسير أنا وزميلة عربية تدرس معي في الجامعة في مشوار علم إلى إحدى مكتبات القاهرة لشراء كتب مقررة، فمررنا بميدان سليمان باشا وكان به كشك صحف مشهور يحضر كتباً من لبنان لصاحبه المعلم مدبولي الذي صار صاحب أشهر مكتبة في القاهرة الآن، فرأت الزميلة الديوان وأشارت إليه.. ديوان الجواهري، ولم أعرف إلا منها من هو الجواهري واضطرني شراؤه إلى صرف النظر عن دعوة إلى مرطبات في ((جروبي)) المكان الشهير هناك بالمرطبات والجيلاتي، ومن ذلك الوقت ظللت أتابع الشاعر الجواهري وصار عندي طبعات لدواوينه ربما إحياء لذكرى جميلة، وهكذا سيظل الجواهري قطعة من التاريخ بكل مأساويته أو حوافيه الجميلة.. ولقد أحسن صديقنا العزيز عبد المقصود خوجه بإقامة تلك الأمسية، وأتاح بها للعديد من هواة الثقافة والأدب الاستماع من قرب إلى واحد من شعراء العصر وشهوده، وأعاد بها لأمثالي أشياء قديمة.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :364  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 54 من 204
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

الأعمال الكاملة للأديب الأستاذ عزيز ضياء

[الجزء الثاني - النثر - حصاد الأيام: 2005]

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج