شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
مقال
حسن كتبي.. العالم الإنسان (1)
بقلم: الدكتور عاصم حمدان
لم يكن معالي الأستاذ السيد حسن كتبي أول من عرفت من هذه الأسرة الكريمة ـ آل الكتبي ـ التي تضرب بجذور عريقة في البلد الحرام، فلقد كان من عادة أهل البلد الحرام أن يؤموا مدينة المصطفى ـ صلى الله عليه وسلم ـ في كل شهر من شهور العام وعلى وجه أخص في شهر ربيع الأنور، في (الصفَّة) وبالقرب من مثوى سيد الكون ـ عليه صلاة الله وسلامه ـ تعرفت على السادة.. أمجد، وعزت، ونديم كتبي، كانوا من خيرة الناس خلقاً وسلوكاً وكان من احترامهم لمقام المصطفى ومسجده الشريف لا تنطق ألسنتهم إلا بالذكر والدعاء.
ثم قدمت (مكة) زائراً في أواخر الثمانينات الهجرية فسمعت بعالمها الجليل فضيلة السيد محمد أمين كتبي، كان الحرم المكي يمتلئ بحلقات العلم ولكن حلقات المشائخ: حسن المشاط، والسيد علوي المالكي، ومحمد نور سيف ـ رحمهم الله وأسكنهم فسيح جناته ـ من أبرز الحلقات التي ينهل منها طلاب العلم من جميع أنحاء المعمورة.
وكان السيد الكتبي ـ رحمه الله ـ اعتزل التدريس ولكنه يؤم المسجد ولا ينقطع عن الصلاة فيه، فجئت ـ ذات يوم ـ فرأيته يجلس أمام الكعبة المشرفة.. سلمت عليه كان وجهه يشرق بأنوار المعرفة والصفاء، وكانت كلماته تستقر في أعماق النفس المتعطشة إلى رؤية الوجه المضيء الذي يتناقل الناس أشعاره ولكنهم قليلاً ما يحظون برؤيته.. فلقد آثر العزلة على الاختلاط، واكتفى من هذه الدنيا باليسير من متاعها الزائل، كان ـ رحمه الله ـ يسألني عن أصدقائه في المدينة وكنت أحس في سؤاله شوقاً وفي كلماته وَجْداً.
وقصدت مرة الدار العامرة للشيخ حسين أبو العلا ـ رحمه الله ـ فرأيت السيد حسن كتبي يجلس في صدر المجلس في وقار وسكون يعبران عن معرفته، وتواضعه ومحبته، ـ وكان يومها وزيراً للحج والأوقاف ـ ثم رأيت الرجل نفسه يذرف الدمع غزيراً عندما أنشد الشيخ زيني بويان قصيدة العالم الشاعر ـ السيد محمد أمين كتبي ـ المعروفة:
من حل في حرم النبي فإنه
قد صار في أمن من الأكدار
من حل في حرم الرسول فإنه
متشبث بمعاقد الأستار
فالقبة الخضراء يسطع نورها
ظلاً على الآفاق والأمصار
والحجرة الزهراء يبعث حبها
في كل قلب روعة التذكار
تتلفت الدنيا إلى من حلها
توليه أسمى الود والإكبار
وانقضى المجلس، وذهب الشيخ ـ أبو العلا ـ إلى الدار الآخرة، وشيعت مكة عالمها الجليل ـ أمين كتبي ـ إلى مثواه في جنة المعلاة، وسكن السيد الفاضل حسن كتبي المدينة المنورة، وإذا بالشيخ الوقور فقيد العلم والمعرفة في بلد المصطفى ـ صلى الله عليه وسلم ـ المرحوم جعفر بن إبراهيم فقيه يقول لي في واحد من لقاءاتي معه التي كانت تشهدها داره العامرة في (صيادة) بحي باب المجيدي، يقول وكله فرح وزهو:
إن السيد حسن كتبي يتطلع إلى تدوين سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم بأسلوب علمي ومشوّق في ـ آن واحد ـ ومضت الأيام، ورحل أبو سامي إلى الدار الآخرى.. وجئت داخلاً من باب السلام لأتشرف بالسلام على سيدنا رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ فإذا الشيخ الفاضل يجذبني مرآه الكريم وطلعته البهية، فلما فرغت من السلام على الحبيب ـ عليه صلوات الله ورحمته وبركاته ـ وضجيعيه أبي بكر وعمر ـ رضي الله عنهما ـ قصدت هذا الرجل الذي يعد من بقية أهل العلم والفضل ليس في هذه البلاد الكريمة بل في العالم الإسلامي بأجمعه، سألني عن اسمي، أجبته، قال لي: أنا أبحث عنك منذ زمن، وطلب مني زيارته في أدب وحب، فقصدت داره المطلة على الحرم.. أخرج واحداً من كتبي، قال لي: أريد تدوين السيرة النبوية المباركة بمثل هذا الأسلوب، سرني حديثه واعتذرت له بأنني لست من فرسان هذا العلم، ولكنني أشرت عليه ببعض أهل الفضل المتعمقين في سيرة خاتم الأنبياء والمرسلين.
إن الرجل الذي خدم بلاده وأمته في مرافق عدة ـ كان آخرها وزارة الحج والأوقاف ـ وحضر العديد من المؤتمرات العلمية في البلاد الإسلامية والعربية وغيرها من البلاد الأخرى ممثلاً لبلاده والتي أولاه أولو الأمر فيها ـ جزاهم الله خيراً ـ ثقتهم ورعايتهم الكريمتين، يتطلع إلى أن يختم عمره المديد بإذن الله بتدوين السيرة العطرة لمن ختم الله بنبوته الرسالات، وبعثه رحمة لجميع الناس.
ولا بد من الإشارة إلى أن معالي الأستاذ حسن كتبي الذي شارك في الحركة الفكرية والأدبية بعدد وافر من المؤلفات القيّمة مثل: (ملامح من شخصية البلاد العربية المقدسة، دورنا في زحمة الأحداث، نظرات ومواقف) لهو جدير بهذا التكريم الذي خصه به الصديق الأديب الأستاذ عبد المقصود خوجه ـ فهو الحفي دائماً بأهل الفضل ـ فجزاه الله خيراً عن صنيعه.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :879  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 49 من 204
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الأستاذ محمد عبد الرزاق القشعمي

الكاتب والمحقق والباحث والصحافي المعروف.