شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
لمحات من صور الوفاء في مجالس جدة الأدبية
الفقيه الحلبي في ((اثنينية الخوجه)) (1)
بقلم: د. مصطفى البارودي
حين يجتمع نخبة من الرجال، في مجالس أسبوعية، يسترجعون بها مسيرة الأيام البعيدة القريبة، التي سجل فيها أصحاب السابقة لُمعاً من أبرز النفحات المضيئة، بنور العمل المخلص للوطن، حيثما كانت حالات نشاطهم، أكانت في المخدمة الوظيفية، أم في دنيا الصحافة، أو على منابر التدريس في التآليف التي تنفع الأجيال، في اجتماعهم هذا تعبيراً صادقاً عن أكرم صور الوفاء، حين ثبتت أقدامهم، على دروب السعي الحثيث، لإيفاء الوطن من حق أبنائه عليه!
ومن هذه المجالس (( اثنينية خوجه )) في جدة، وقد استهلها صاحبها في العام الهجري 1403، وما زالت تتعاقب كل عام، وليس ينفع المقام للحديث الوافي عنها، وما هذه الأسطر إلا لمحات عن رجالاتها، ثم عن حفل انعقد آخر العام الميلادي 1991، في تلك (( الاثنينية )) ، حيث انقضت نحو عشرة أعوام هجرية، و (( الاثنينية )) ماضية في تكريم رجالات من المكرّمين ارتفع ذكرهم في وطنهم، وجاء رجع الصدى طيباً كريماً في جدة، عروس البحر الأحمر، التي بزّت في ثوبها الحضاري المتجدد، أجمل المدن والمرافئ، دون أن تغفل عن استبقاء معالم عمرانها الأصيل، في أحياء لم تمسسها أيدي البناء الجديد.. وهذا البناء بالذات، حيثما قام، قد حرص على أن يقبس في بعض واجهاته ما يُذكّر بالأصالة!
هذا الوفاء للكرام من الناس، سجل في عامه الأول 1403هـ، أحلى صور الحياة النشيطة، لأربعة عشر علماً من أعلام النهضة في السعودية، وكان فيهم واحد سوري المنبت، ختم أيامه بالمقام في جدة، وهو كمثل كل واحد من الذين كرمتهم تلك الندوة، يستظل في المملكة، بما أنزل الله تعالى من قرآن وسنَّة، أياً كان مسعاه في حياته! وقد سُجلت بالصوت والصورة، معالم ذلك التكريم، سنة بعد سنة، فبدأ العمل ـ بعد لأي ـ بنشر ذلك كله، في كتاب يصدر مجلداً بعد مجلد، عن كل سنة، بدءاً من عام 1403هـ. وقد اطلع على المجلد الأول أولئك الذين حضروا، قبل نحو ثلاثة عشر شهراً، الحفل الذي انعقد، في أكرم صور الوفاء، للإنسان الذي تلقى قبل ذلك، أسمى الجوائز التكريمية للعلم والعلماء، والأدب والأدباء، حيث نال جائزة الملك فيصل، العالمُ الشيخ مصطفى الزرقاء، الفقيه الأديب الشاعر، والذي لا يزال منكباً على التأليف، بأحلى صور المعرفة والبيان، تحت عنوان شامل، عن ((الفقه في ثوبه الجديد))..
وقد تلقى الجائزة، عن المدخل إلى هذا الميدان الرحيب، حيث جعل ذلك المدخل في نحو ألف صفحة، مما نال معه، أطال الله في عمره، تقدير أقرانه من علماء العالم الإسلامي، ثم الجائزة السعودية. وقد بدأ ينشر أبحاث المدخل المذكور قبل ما يزيد على ثمانية وأربعين عاماً، ثم كان يتبعها بأغنى الأبحاث الفقهية، في كتب متتابعة، تلت ذلك المدخل.
وليس شيء أجمل مما عمدت إليه المملكة، حيث يبدو تكريم الجديرين بمثل هذا الوفاء، وهم بحمد الله أحياء، فذلك خير بكثير، من تقدير يتأخر إلى ما بعد الوفاة.. وقد كان بين الذين تحدثوا، بهذا التكريم، في الحفل المنعقد في (( اثنينية الخوجه )) أناس ينتسبون إلى عدد من البلاد الإسلامية، التي عرفت قدر هذا العالم الجليل، الذي ولد قبل نحو تسعين عاماً هجرياً، ونما واغتنى بالدراسة الفقهية، في بيت من أنضر بيوتات حلب الشهباء، ثم أذكى دراساته عن الفقه والعلوم القرآنية، بالبحث المقارن مع القوانين المستحدثة، في بلاد وضعت أنظمة ابتعدت إلى حد ما عن المنبت الجوهري، وقد غرّها في بعض أمرها جنوح إلى التقليد، في بعض مظاهر الحياة المعاصرة، فجاءت تآليف العلامة ((الزرقاء)) تأكيداً لسموّ الأصالة على هذا التقليد العاجل للجديد الذي قد يبهر من لم يؤته الله نعمة المعرفة الدقيقة، للذي يبقى هو الأسمى، والذي نزل على قلب الرسول الأعظم محمد صلى الله عليه وسلم. وهنا بالذات مرحلة هامة، في حياة هذا الباحث العلامة، وهي حينما أحيل على التقاعد، أستاذ في جامعة دمشق، مع مطلع عام 1944 الميلادي، فتولى بعده مباشرة، الأستاذ ((مصطفى أحمد الزرقاء))، تدريس ((مجلة الأحكام العدلية))، التي كانت مدار العمل، بالفقه الحنفي، لدى المحاكم السورية، قبل أن يوضع ما سُمِّي ((القانون المدني)) في ظل حكم الضابط العسكري الانقلابي ((حسني الزعيم)) عام 1949.. فقد سلّ المعلم القدير، سيف البيان، في وجه هذا النوع من ((التقنين))، ليثبت بالحجة البالغة، أن المسلمين في غنى عن الاتباع والتقليد، للذين يكتبون ((النصوص الوضعية))، في جهالة للشرع الحنيف!
ولقد اقتصر الحفل على المواهب العلمية والأدبية، والمقدرة اللغوية الفائقة، للأستاذ الجليل، بصرف النظر عن لمحات سياسية في حياته، حيث أولته مدينة الشهباء تمثيلها في المجلس النيابي، ثم مارس أكثر من مرة المنصب الوزاري، لكنه لم يذكر هذا حين تحدث بالحفل،لأنه هو الداعي إلى أن يبقى نشاط العالم حيث ينفع النشاط، فقد زهد كل الزهد، بأي منصب من مناصب السلطة، منذ ثلاثين عاماً، وهو اليوم ينشر الأبحاث العلمية، التي هي وحدها محور بدايات حياته، ثم استمرار نشاطه، جعل الله عمره موصولاً باليمن والعطاء، في مرضاة العلي القدير!
 
طباعة

تعليق

 القراءات :517  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 42 من 204
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الدكتور عبد الكريم محمود الخطيب

له أكثر من ثلاثين مؤلفاً، في التاريخ والأدب والقصة.