شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
شموع
شاعريته قصيد ونشيد (1)
بقلم: أحمد شريف الرفاعي
(1)
أزعم أن الشاعر السعودي ((حسين عبد الله سراج)) شاعر تفردت أصالته الشعرية ليس فقط في قصائده المتناثرة، ودفقه الشعري الخصيب، وقدرته على التأثير في قارئيه ومتلقيه، فهذه خصائص قد توجد في أي شاعر حتى لو كان مبتدئاً.
ولكني عرفت ((حسين عبد الله سراج)) من خلال مسرحيتيه الشعريتين ((غرام ولادة))، و ((الشوق إليك)).
الشعراء المحدثون كلهم تقريباً تخلوا عن كتابة المسرحية الشعرية، فبدا المسرح الشعري كما لو كان قد مات واضمحل بعد أمير الشعراء ((أحمد شوقي))، لأن من جاءوا بعد شوقي لم يكونوا جادين في كتابة المسرحية الشعرية، وقد جاء الشاعر ((عزيز أباظة)) ليكتب لنا مسرحية ((شجرة الدر)) الشعرية، وحاول من بعده الشاعر الحضرمي ((علي أحمد باكثير)) أن يكتب عدة مسرحيات شعرية لم يكتب لها الخلود لأن أكثرها كان نظماً لا شعرياً، بمعنى أنه لا ينتمي إلى الشعر إلا بالقافية دون النبض الشعري الخفاق في كل مسرحيات ((أحمد شوقي)) أمير الشعراء يرحمه الله.
وكتب ((صلاح عبد الصبور)) مأساة الحلاج. ولكن آلية صلاح عبد الصبور الشعرية بدأت في قصائد متناثرة مليئة بـ ((العناصر الدرامية)) لا المادة الدرامية المتكاملة، ومن هنا، فقد كان يملك، ومنذ الوهلة الأولى القدرة على تطويع شعره للمسرحية، فكتب ((مأساة الحلاج)) وأوصلته قدرته على كتابة المسرحية الشعرية إلى كتابة أربع مسرحيات شعرية كتبها حتى وفاته سنة 1981.
أما الشاعر حسين عبد الله سراج، فقد كتب المسرحية الشعرية منذ الوهلة الأولى متدفقاً، يملك القدرة على تطويع الدراما بما فيها من عناصر الصراع والحوار والحدث الدرامي بما بدا وكأنه يطامن أمير الشعراء أحمد شوقي في هذا المجال.
وقد قرأت أول ما قرأت له مسرحيته الشعرية القيّمة ((غرام ولاَّدة)).
وكتبت عن المسرحية ـ وقتها ـ نقداً طويلاً، لم يعجب حسين سراج، فبدا وكأن هذا النقد الذي كتبته فاتحة لعداوة شديدة بيني وبين الشاعر الذي لم أكن قد عرفته شخصياً أو قابلته، فقد شعر كأنني أتجنى عليه.
ولم أكن في واقع الأمر متجنياً على شاعر أخذني شعره للوهلة الأولى أخذاً، فخلب لبي شعره الدفاق الممتلىء موسيقى ومعان.
كان ثمة ((سوء فهم)) من طرف واحد.
لقد أخذت على ((حسين سراج)) هيكل مسرحيته وليس بناءه الشعري.
البناء الشعري لمسرحيته ((غرام ولاَّدة)) من أروع المعمارات الشعرية الهندسية، ولكن ((ولاَّدة بنت المستكفي)) المعروفة في ((قرطبة الزهراء)) ليس هي ((ولاَّدة)) الحدث الشعري عند حسين سراج فقد جعلها الشاعر ((حسين سراج)). زعيمة سياسية، تعمل ((تحت الأرض)) وكأنها تترأس ((جمعية سرية)) سياسية لإعادة دولة بني أمية التي سقطت في الأندلس بعد وفاة آخر الملوك الأمويين في الأندلس وهو الخليفة الأديب العالم ((الحكم المستنصر)).
ولم تكن ((ولاَّدة)) كذلك على الإطلاق، فشهرتها في عشقها لـ ((ابن زيدون)) ثم علاقتها بـ ((ابن عبدوس)) كانت فوق الأحداث السياسية العارمة التي شهدتها قرطبة الزهراء.
(2)
الشاعر سراج وصدامي معه
الصدام بيني وبين الشاعر حسين عبد الله سراج ليس حول شاعريته الدافقة المتضوِّعة بالموسيقى الشعرية الخلابة، وعبقريته الدرامية في تطويع الهيكل الدرامي للرواية الشعرية.
هذا العبقري الشاعر، أسفت لأنه لم يفهمني، مع أنني أكاد أطير طرباً لروعة شعره وسلامة بنائه الشعري وهندسته المعمارية للدراما الشعرية في مسرحيته.
إذن ففحوى الخلاف بيني وبينه هو أن ((ولاَّدة)) بنت المستكفي لم تكن هي ولاَّدة الحقيقية التاريخية، وهذا هو كل الخلاف.
ولما كان اللقاء الشخصي يبدد الكثير من سوء الفهم بين المختلفين، فإن لقائي بالشاعر وجلوسنا وجهاً لوجه في اثنينية الشيخ عبد المقصود خوجه من أسعد وأجمل اللقاءات. فلقائي بالشاعر (( حسين سراج )) كان أسعد وأجمل وأحلى ما في حياتي.. فقد عرفته عن قرب وأحببته أكثر بعد أن عرفته عن بعد فأذهلتني شاعريته الرائعة المضيئة المجنحة بأجنحة من الخيال والإبداع.
ولما كانت القلوب المتوادة متواصلة، فإن أشياء كثيرة حلوة وعذبة جمعت بيننا فيما بعد وجعلت الاتصال لشرح وجهة النظر تواصلاً عذباً وبديعاً.
وحتى الآن ما زلت أعتقد مؤمناً بأن الشاعر حسين سراج، يأتي في المرتبة التي تلي أمير الشعراء في كتابة المسرحية الشعرية.
هناك شيء وارد دائماً، وهو ((التأزم بين المفكر ـ شاعراً كان أم كاتباً سياسياً ـ وبين السياسة، ولكن ((حسين سراج)) لم يتأزم مع أحد إلا معي، ولست سلطة سياسية وإنما أنا كاتب أسجل رؤاي وانطباعاتي.
الخلاف بيننا ـ هو وأنا ـ كان ـ بالفعل ـ خلافاً موضوعياً.
هو تخيل ((ولاَّدة بنت المستكفي)) ((صاحبة)) ((ابن زيدون)) على غير حقيقتها التاريخية.
وأنا أنظر إليها كحقيقة.
والصدام الحقيقي بيننا، هو ـ بعينه، الصدام بين ما تخيله هو، وما أرى أنا أنه مغاير وغير مطابق للحقيقة التاريخية.
قال لي ذات مرة:
أنت تكره ((ولاَّدة)) لأنها أموية.
قلت له:
أنت تتهمني بأني أكره ((ولاَّدة)) وأنا أتهمك بأنك تحبها.
ضحكنا كما لم نضحك من قبل.
وربما كان الأخذ على الشاعر حسين سراج أنه ترك الحقيقة التاريخية جانباً ليسلم عنانه الفكري للشاعرية وحدها ناسياً أنه يكتب ((دراما))، ودراما يجب أن تقوم على الأساس الواقعي لا على الخيال، بمعنى أنه ضحى بالحقيقة في سبيل الخيال ولم يستطع أن يوازن بين تصوره الشعري والواقع التاريخي.
ومع ذلك فأنا أحب الشاعر حسين سراج، ربما، لأن هذا المأخذ الذي ذكرته عليه، هو في نفس الوقت ميزة.
لا يستطيع أحد أن يحكم على شاعر مجنح محلق في أعلى ذرى الشاعرية والخيال أن ينزل إلى الواقع حتى لو كان هذا الواقع حقيقياً وتاريخياً ووثائقياً.
ويكفي الشاعر حسين سراج، الدفَّاق، العذب، المجنح، أنه يؤثر في قارئة المتلقي أحمد شريف الرفاعي. فيحبه ويحترمه حتى لو لم يقل الحقيقة التاريخية.
يكفيه أنه أطربني بحقيقته الشعرية.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :959  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 43 من 204
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الجمعية النسائية الخيرية الأولى بجدة

أول جمعية سجلت بوزارة الشئون الاجتماعية، ظلت تعمل لأكثر من نصف قرن في العمل الخيري التطوعي،في مجالات رعاية الطفولة والأمومة، والرعاية الصحية، وتأهيل المرأة وغيرها من أوجه الخير.