شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
(104) (1)
وطالعتني صباح هذا اليوم في إحدى جرائدنا المحلية ـ الندوة ـ صورة كاريكاتيرية لموقف الشرق الأوسط.. تمثل بساط الريح التابع لكتاب ألف ليلة وليلة.. هائماً في الجو.. وطائرة نفاثة محلقة على ارتفاع كبير عنه.. وكان التعليق عليهما هو:
.. بين الواقع.. والخيال!
وتجاوزت المغزى السياسي المراد من الرسم مع إعجابي الشديد بالموضوعية فيه لذاتها.. حيث طرت أنا الآخر بفكري بعيداً.. بعيداً.. مستجيباً لنغمشة ذهنية أبت إلا المقارنة بين الواقع والخيال.. منطوقاً ومدلولاً لكل منهما. وذلك رغبة مني في الجمع بين رأسين في الحلال.. باعتبار أن لفظة الواقع أصبحت تمثل العقل والمصلحة المادية.. وفهم الحياة على الطبيعة كما يقول المهندسون.. في حين أصبح الخيال في هذا العالم النقدي.. الشيكي.. البنكي.. مصدر استهزاء.. ومدار عبث به وبأهله السابحين في دنياه الفانية.. مما جعل للواقع حق امتلاك وتسخير الخيال لمصالحه.. عبداً ذليلاً.. أو محتكراً لدى الطامعين في استغلال الضعفاء وذوي الحاجة من أهله وكلهم كذلك ودون استثناء!
وتصورت بالتجسيد الأصل منهما والفرع.. وجوداً محدوداً ملموساً.. وامتداداً غير محدود ولا ملموس.. وابتدأت بالبيت الذي أنا فيه.. فماذا كان قبل أن يكون؟! لقد كان بالتأكيد خيالاً في ذهن.. فصورة مرسومة على ورقة فوق مكتب المهندس.. فعاد بالمادة واقعاً مسكوناً من أهليه.. مثله في ذلك.. كمثال.. وكسكن.. مثل الأزياء المتطورة.. ملبساً.. والأصناف الشهية.. مطعماً، والمواصلات الحديثة.. مركباً فوق الأرض.
وتدرجت بهذا القياس نفسه.. بعد السيارة والطائرة.. للصاروخ فالمركبة الفضائية.. فالرحلة المزمعة للكواكب والأقمار وما دون ذلك وما فوقه.. نسباً موصولاً بالواقع المحسوس. فإذا أنا أجد بالمتابعة.. وبالتدقيق.. وبالتفلية أن كلاً من ذلك ليس إلا وجوداً محدوداً دعا إليه الخيال أصلاً امتداداً لوجود محدود.
وعند هذه النقطة بالذات تلاشت كلمتا الواقع والخيال لتحل محلهما بقدرة قادر كلمتا العلم والفن.. أولاهما مسمى للواقع وثانيتهما مسمى للخيال.. مع استمرار المقارنة على حالها.. متصلة بينهما دون خروج عن دائرة النغمشة الذهنية إياها.
وهكذا.. فلم يكد العلم بوقاره يشير للمختبر.. وللأرقام وللمعادلات الرياضية الحسابية.. حتى مد له الفن لسانه معدداً مصادرها الأولى وعالته عليه وعليها.. مما اعتبره.. في حالة انفعال.. سرقات أدبية فنية خفية.. سواء بلغت من حرز مثلها.. في الأصل.. حد النصاب أو لم تبلغه.
وللحق.. والحق يقال.. تذكرت والذكرى تنفع المؤمنين أن الفن كان أول مصدر جاز العوالم الفضائية الأخرى خيالاً واسعاً في قصص لروائيين عالميين.. أو في ملاحم شعرية لعباقرة من الشعراء المحلقين.. قبل أن يكون للعلم ـ التجريبي مركزه الحاضر.. أو المضارع؟!
وهنا.. دار رأسي.. وابتلعتني الدوامة حتى مشارب الماء ومخارج الأنفاس العليا.. ولكني تحاملت على نفسي عائداً إلى حيث كنت غير متحيز لأي من الواقع أو الخيال تسمية دارجة.. أو لأي من العلم والفن مسمى فوق المستوى العادي.. مكتفياً.. بهذا القدر العائم!
* * *
 
طباعة

تعليق

 القراءات :543  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 143 من 168
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الدكتور سعيد عبد الله حارب

الذي رفد المكتبة العربية بستة عشر مؤلفاً في الفكر، والثقافة، والتربية، قادماً خصيصاً للاثنينية من دولة الإمارات العربية المتحدة.