شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
(85) (1)
في صباح هذا اليوم ـ ولأول مرة في في حياتي ـ أخذ هو يقرأ.. وأنا أسمع.. وألممت بموضوع القراءة جملة.. ولم أستوعبه تفصيلاً كعادتي لما أقرأ.
وخرجت من الأمر بتجربة جديدة.. إلا أنها كانت تجربة قاسية ومريرة على نفسي وذهني.. واعتبرتها محنة أتعشم ألا تتكرر.. كقاعدة تدعو إليها الضرورة العارضة.. أو الدائمة لا قدر الله ذلك..
وكان السبب في قراءتي ـ بالواسطة ـ اليوم.. أن نظارة النظر حبيبتي.. ورفيقة أرنبة أنفي قد تاهت بعيداً عني حيث سقطت دون استئذان مني خلف السرير.. ولما كنت بها أعرف مكان نظارة القراءة فقد تعذر عليَّ معرفة مقر هذه الأخرى التي استلقت دون تقدير المسؤولية فوق المكتب.. أو تحت الكرسي.. وبحرقة من التجربة أخذت أتفلسف للعزاء وحده في الأمر.. فتيقنت.. أن في الاعتماد على الواسطة.. ضياعاً يصل إلى درجة التيه لا تعرف به برك من بحرك.. وإن قائل القولة المشهورة.. إن ذقن فلان بيد غيره.. لا بد أنه مر بتجربة الاعتماد على.. الواسطة.. مثل اليوم.. ليصوّر في هذه الجملة البسيطة في مفرداتها والعميقة في مغزاها ما يجر إليه عدم الاعتماد المباشر على النفس ـ أو على العين ـ من جرائر!
كما عرفت فضل مثلنا المعروف.. اللي ما يأكل بيدو ما يشبع.. فقياساً عليه.. اللي ما يقرأ بعينو ما يفهم.. فضلاً عن الحرمان المقام من المتابعة المباشرة للسطور ولمح ما وراءها.. وبالأخص للمؤمنين بقراءة ما وراء السطور وأنا واحد منهم للأسف الشديد!
وعقدت مقارنة بسيطة بين الأكل بالواسطة.. واسطة الشوكة والملعقة والسكين تصل كل واحدة منها بين الطبق وبين الفم.. دون تحسس الصنف تحسساً مباشراً بالكف وبالأصابع وبين الأكل بيده تكتمل له حالة التلذذ لمساً مباشراً.. وامتلاكاً طبيعياً للقمة ذاتها جملة.. وللطعام بها تفصيلاً.. يجنبه ذلك دون شك تسلل شوكة من السمك أو عظمة دقيقة من اللحم بالطعام..
وخرجت في التفلسف والمقارنة من حدود الذاتية إلى محيط المجتمع نفسه.. وأدركت الفرق بين من يقوم بقضاء حاجاته وأغراضه رأساً وشخصياً وبين من يعتمد في ذلك على الواسطة استعانة بسواه من الناس.. ورددت في ترجيع منغم على طريقة بعض الطقاطيق العصرية والملحنة محلياً بالسليقة ودون نوتة موسيقية.. قول القائل:
ما حك جلدك مثل ظفرك
فتول أنت جميع أمرك!
ويظهر أن ورود كلمة الحك.. في هذا البيت الشعري استنفرت موضع الحساسية في الأجزاء المعتادة على نظارتيَّ الاثنتين.. فأخذت أدلك أرنبة أنفي في حنين متواصل.. وأدعك أطراف جفوني في صبابة.. وأفتح عيني وأغمضها مما دفع بالقارئ إلى الشك بأنني أتغامز مع نفسي عليه.. فسكت عن القراءة دفعة واحدة.. وقال: لعلّي كثير الخطأ.. أو قبيح الصوت.. فأجبته: لا هذا ولا ذاك.. وإنني لشاكر لك تطوعك بالقراءة ولكنني أكون أكثر امتناناً وأعظم شكراً لو بحثت لي عن نظارة النظر لأجد بها نظارة القراءة..
وقد فعل.. ووجدتها.. حيث خطفتها من يده في لهفة واكتشفت بها موضع أختها الغادرة وأخذت ـ دون استئذان منه ـ أعيد قراءة ما سمعته منه بعيني.. لا بعين عمرو!
* * *
 
طباعة

تعليق

 القراءات :538  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 124 من 168
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج