شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
(86) (1)
قال لي ضحى هذا اليوم ـ وهو يحاورني ويداورني لأمر في نفسه.. ترى هل تعتقد بالالتزام في الصداقة وبين الأصدقاء؟ وفسر ما أراد بقوله:
أنت تعرف أن للقرابة بين الأقرباء. أباً. أماً.. أخاً.. عماً، خالاً.. إلى آخر المفردات العائلية، التزاماً لحمياً ودموياً يفرض على القريب نحو قريبه القريب و البعيد حقوقاً لا معدى ولا محيص من أدائها.. توجب عليه أن يفرح لفرحه. وأن يأسى لأساه.
وأخطر وأهم ما في هذا الالتزام وجوب العون وقت الضيق.. والوقوف بجانبه، وشد أزره. نزولاً على قانون القرابة المكتوب بقطرات من الدم على صفحات من اللحم.. ومن العظام كذلك.
ولذلك.. فقد كان من الطبيعي البديهي أن تكون الإساءَة من القريب لقريبه خرقاً فاضحاً لهذا القانون.. وشذوذاً نابياً فيه.. مما دفع الشاعر العربي القديم لأن يصرخ من جمجمة رأسه قائلاً:
وظلم ذوي القربى أشد مضاضة..
على النفس من وقع الحسام المهند
وعليه.. فهل يطالب الصديق صديقه بما يطالب به القريب قريبه؟ بحكم أن الصداقة نوع من القرابة مما دفع بعضهم لإرسال مثله السائر ـ رب أخ لك لم تلده أمك ـ إيماناً منه بعمق رابطة الصداقة.. وفرضها قانوناً حتمياً على الصديق نحو صديقه.. يسر بسروره ويترح لترحه.. ويقف بجواره وقت الشدائد. ويسنده عند الضيق.. ويفزع له وقت الفزعة.
فاستمهلت السائل المحاور.. وأغمضت عيني لأستعرض أشرطة طويلة متنوعة.. ولأسترجع فصولاً متباينة من تاريخ الصداقات والأصدقاء. علماً بأنني من أشد المؤمنين المتعزين بتواريخ أصدقائي فعلاً.. وإن الأمر كله متوقف على الألفة والمعاشرة.. وربما قضى الصديق مع صديقه من الزمن اليومي.. أكثر ما يقضيه مع أقربائه.. أو بعض أهله.. ثم قلت:
نعم.. بالفم المليان.. وبالصوت الحياني كما يقولون إنني من المعتقدين والمؤمنين إيماناً أعمى.. كإيمان العجائز. بالالتزام في الصداقة وبين الأصدقاء. وأرجح أن ذلك بالنسبة لي يعود إلى عدة عوامل أهمها.. فيما يلوح الآتي:
أولاً: ربما يرجع إيماني بالالتزام في الصداقة إلى أنني رجل بلدي قح.. والناس البلديون عاطفيون صادقون في عواطفهم ببساطة وعمق.. وحتى لقد بلغوا في هذا الباب حداً جعلهم يتوارثون في مغالاة ودون حكم قضائي شرعي مثلهم الشعبي الدارج.. والقائل مع حذف ما قبح منه:
للصاحب على الصاحب ثلاثة: كيس.. و.. وشهادة ما يوجب الحد شرعاً.
ثانياً: معظم أصدقئي إما ممن جمعتني وإياهم مناضد الدراسة لم أغيرهم ولم يستبدلوا بي سواي.. وإما ممن ربطت بيني وبينهم مناسبات قوية زادت على الأيام رسوخاً.. ولعلّك تدهش إذا عرفت أن عمر صداقاتي مع معظمهم تتجاوز الربع قرن.. ويشرف بعضها بعد قليل على ضواحي النصف قرن.
ثالثاً: ومقياس إنسانية الإنسان عندي مبلغ التزامه بصداقاته.. ووفائه لأصدقائه.. وأبغض شيء إلى نفسي تنكُّر الصديق لماضيه.. أو مجافاته لمن كان يألفهم في الموضع الخشن.
ولولا ضيق المجال لسردت عليك العبر في هذا الباب تفرغت له نثراً.. وشعراً.
وأخيراً.. فمهما كان رأيي فيما سألتني فيه الرأي فإنني سوف أدبر لك السلفة الأخوية المطلوبة.. ولكن بعد أن أبيع النسخ الباقية من كتاب المركاز.. وتعانقنا.. دون أن أمكنه من إدخال يده في جيب الثوب.. رغم خلوه تماماً.. وذلك حتى لا يعتاد على ما لم يعتد عليه!.
* * *
 
طباعة

تعليق

 القراءات :524  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 125 من 168
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج