شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
(70) (1)
صحوت اليوم.. وليست في رأسي أية فكرة عن نوع العمل الذي يجب أن أمارسه فيه.. إذ لم يكن في مخططي اليومي أي برنامج أسير بموجبه.. وأنا أعرف بالتجربة الذاتية أولاً.. ومن خلال الممارسات العامة المسموعة والمنقولة ثانياً.. عن أي إجراء غير مخطط له من قبل مكتوب عليه الفشل والخيبة معاً.. حتى المشي المطلق دون غاية.. ونسميه بالفصحى سبهللا.. أي الذهاب والمجيء في غير شيء.. لا بد أن يكون لغاية ولو كانت هذه الغاية من السبهللا الرياضة مثلاً فإن المشي باسم الرياضة هدف مقصود!
وبحكم العادة.. فقد أفطرت.. وتهيأت للخروج من الدار.. ولعدم وجود أية خطة مرسومة لنهاري هذا.. فقد رأيت على طريقة صديقي المرحوم الشاعر ابن الرومي أن آخذ حسابي قبل مغادرة البيت تفاؤلاً أو تشاؤماً حتى أسير على بصيرة من أمري بموجب ما يقول به الفأل الحسن أو السيء.. حتى لو اقتضى الأمر العدول عن الخروج..
فلقد كان الفقيد إذا وقع نظره على منظر كريه.. أو سمع كلمة ذات مدلول كئيب عدل عن تخطي العتبة وأقام نهاره في بيته.. وربما كانت هذه الطبيعة نفسها في طبيعته الحافزة له على أن يعرف مسبقاً ما سيقع له هي الدافع لأن يقول بيته الشعري المتداول بين الناس:
ألا من يريني غايتي قبل مذهبي
ومن أين؟! والغايات بعد المذاهب!
كما أنني تذكرت كذلك أن بعض الناس وربما معظمهم في غير بلادنا.. مولعون بأن يقرأوا في صباحهم اليومي بجرائدهم وصحفهم ما يضعه بعض الفلكيين الذين كذبوا وإن صدقوا.. عما يقول به حظ الإنسان المطلق.. أو الممدد حسب فصل ميلاده.. ثوراً.. أو أسداً.. أو جدياً.. أو عقرباً.. أو حملاً.. إلى آخر تلك الفصول الحيوانية وغير الحيوانية التي يولدون بها ثم يرتبطون بها نتيجة الميلاد فيها في تصرفات حياتهم.. أو على الأقل لمعرفة ما يتسم به صاحب كل فصل في باب التفاؤل والتشاؤم..
وحاولت أخيراً.. أن ألجأ إلى أسلوب خفيف.. ومتوسط السعر بين طريقة ابن الرومي القديمة.. والطريقة الحديثة لقارئ البخت في الجرائد العصرية.. حيث تذكرت أنني قرأت في إحدى الروايات العالمية من زمن بعيد ما أشار إليه الروائي الكبير صاحبها.. إن واحداً من أبطال روايته كان يرى قبل أن يقول كلمته النهائية الخاصة بمهنته القانونية أن يلجأ إلى عد الدرجات التي يصعدها فإذا كان مجموعها فردياً فإنه سيكون موفقاً في الحكم الذي قرره أما إذا كان العدد زوجياً فإن عليه أن يعيد النظر في ذلك.
وانشرحت نفسي لهذه الطريقة ورأيت للتمرين عليها أن أبدأ بعد حبات البلاط في الممر طولاً وعرضاً.. وكانت نتيجة العدد لحبات البلاط في صالحي مائة بالمائة.. فتشجعت.. وأخذت أحسب عدد الدرجان.. ولما لم يكن العدد في صالحي للأسف الشديد هذه المرة فقد اتهمت نفسي بضعف الحساب وقلت فلأقيد الفرق على حسابي وأعتبر أن البداية كانت من البسطة الأولى لا من عتبة الغرفة نفسها، وبذلك يصبح العدد فردياً ومناسباً لما أريد فقد كان حرصي على الخروج أكبر من البقاء بالبيت.. وطاف بذاكرتي بيت شوقي:
إن المغالط في الحقيقة نفسه
جان على النفس الضعيفة باغي!
ولكنني لم أر جواز الغش الكامل لذاتي.. فقررت في النهاية أن أعمد لحيلة لطيفة في الأمر.. فبدلاً من العدد من الدور الثاني حيث أقطن.. فقد صعدت للدور الثالث من بيتنا بدعوى أنني سأكلم بعض من فيه عن موضوع قديم..
وفعلتها حالاً.. وكلمت من أريد هناك.. وابتدأت عدد الدرجات من الطابق الثالث.. ولكن حدث أثناء نزولي وانهماكي في العملية أنني ذهلت قليلاً.. فزلت قدمي.. وسقطت فعلاً.. وبصوت مسموع..
وكانت نتيجة هذه الفعلة الحمقاء.. والعادة الرومية السيئة.. وطبيعة التردد واستكشاف الغيب أنني أصبت في ظهري.. وفي عقب قدمي ـ حتى الرجل!
وأثناء صراخي للاستنجاد.. وحملي حيث يجب أن أكون في السرير أخذت أزجر نفسي الأمَّارة بالسوء والمعلِّقة على الفأل أحلى الآمال.. مكرراً في صوت واضح النبرات والتصميم على الإقلاع عنها.. أتوب.. أتوب.. أتوب..
وهكذا.. فإنني لم أغادر الدار.. يومي هذا.. بالطبع!!
* * *
 
طباعة

تعليق

 القراءات :508  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 109 من 168
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

الأعمال الكاملة للأديب الأستاذ عزيز ضياء

[الجزء الثاني - النثر - حصاد الأيام: 2005]

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج