شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
(48) (1)
في مثل هذا اليوم بالضبط.. كان مقرراً كأمر مفروغ منه.. أن استقل الطائرة من بلد إلى بلد آخر، فيه بعض أهلي.. فالتذكرة جاهزة.. ومشروح عليها.. محدداً.. وقت السفر وميعاده بالتوقيت الإفرنجي من الشركة.. وبالعربي.. مني.. زيادة في الاحتياط..
وفعلاً أرسلت حقيبتي المحتوية على ملابسي وأمتعتي التي هي دون حياء عبارة عن بدلة إفرنجي ونصف.. وثلاثة كتب.. ودوسيهتين.. وشوية أوراق في ظرف. وعلبة حلاوة.. وقرطاس فستق كهدية للأولاد.. وأخيراً فوطتي الحبيبة ملفوفة في جريدة مستعملة خشية من افتضاح أمرها لدى مفتش الجمارك.. باعتباره إياها.. جونله.. حريمي طبعاً..
وبالمناسبة ـ فإنني قد أفرط.. في السفر.. في أي شيء.. حتى ولو كان فرشة الأسنان.. اكتفاء بالسؤال المرفق دائماً معها.. كاحتياط.. ولكنني لا أفرط أبداً في الفوطة.. حيث أضعها بالحقيبة لدى أية رحلة.. قبل كل متاع!
وقد أوصيت من أرسلت معه الحقيبة إلى المطار أن يتكفل بإنهاء كل الإجراءات الكفيلة بأخذها طريقها الميمون إلى نقطة تجمع عفش الركاب.. ولأني لم أدفع له شيئاً مقابل هذه الخدمة.. فقد عرضت عليه أن يساوم مأمور وزن عفش الركاب ـ لخفتها ـ ولأن وزنها حوالى نصف المقرر لكل راكب.. بأخذ الفرق.. ومشاطرته إياه.. مستلماً من راكب زائد الوزن!
ورأيت.. على خلاف عادتي.. أن أتمهل في الفندق.. استزادة من نعيم الراحة،وبرودة المكيف فقد كان الوقت صيفاً.. وحباً في امتداد الدردشة مع صديق مودع.. على أن أذهب في الوقت المناسب.. بدل أن أذهب قبل موعد سفر الطائرة بوقت كبير.. فاضطر لارتياد البوفيه وما يترتب عليه لأنني دفعت تقريباً آخر ما امتلك من نقود لحساب الأوتيل.. وحتى لا يكون لدي من الزمن لدى وصول المطار إلا المرور من بوابة المسافرين الأمامية.. فبوابة الخروج لركوب الطائرة..
وعلى ذلك.. وطبقاً للخطة المرسومة.. فقد وصلت في وقت مناسب إلا أنه ضيق بعض الشيء.. ولم تلتقط للأسف طبلة أذني.. وقد طرطقتها.. نداء الركاب المعتاد والخاص بي كواحد منهم.. فقد أصابت المايكروفون أو المنادية به خرفشة.. أو بحة كريهة مشوّشة لم أتبين معها شيئاً أبداً.. ولكني.. ومن قبل الاحتياط هرعت بأقصى سرعة ممكنة لأمكنة اللزوم هذه.. وشد ما كانت صدمتي.. بعد أن أكملت لازم البوابة الأولى حين أخبرني أحد الموظفين لدى وصولي البوابة الأخيرة أن الأتوبيس قد ذهب بالركاب من دقائق.. وأن الأمر قد انتهى.. ولا سبيل لسفري بطائرة ـ اليوم ـ إطلاقاً!!
وتصوّر.. وعلى طريقتي الحلمنتيشية.. في صدر بيت شعري أضيق من صدري.. وتصور.. من غير فوتو.. تصور!! تصور مبلغ الصدمة.. ووقع المفاجأة غير السارة.. وأنا واقف أمام الموظف على عتبة البوابة الخارجية. انظر للطائرة ـ وبها حقيبتي ـ وبالحقيبة فوطتي.. وقد أصبحت بدون هاتيك.. وتلك.. يا مولاي كما خلقتني.. وقد تهيأت الطائرة.. للإقلاع!!
ودفعة واحدة.. من مرارة الصدمة.. ومن حلاوة الروح.. اندفعت إلى الموظف أمامي.. أعانقه بشدة.. وأضمه لصدري.. وأنا أشبعه لثماً في وجنتيه وعلى عنقه.. وقرب شفتيه.. دون سابق معرفة.. أو قيام علاقة مشروعة معه.. من قبل..
وقد كانت تخرج من حلقي.. وبصوت غير صوتي الذي أعهده.. عبارات رجاء مسبوكة.. ممطوطة.. ومتلاحقة.. امتزجت بعناقي له.. ووسط قبلاتي المترادفة.. فكنت في حينها.. وبنت ساعتها.. أروع صورة دراماتيكية.. تمثل خير تمثيل وأصدقه.. أروع مشهد من مشاهد الحب.. المفجوع!
ولا أطيل.. فقد أثرت الحالة.. وما صحبها.. على الموظف الذاهل من موقفي.. فتأثر المسكين فعلاً.. ومد يده بسرعة إلى تلفون المحطة المطارية.. وبعد ثوان تخلص من عناقي.. وقبلاتي بدفعي إلى سيارة جيب مقبلة.. أقلتني.. حيث التصق السلم من جديد بباب الطائرة بعد أن كان قد انفك منها!
ولم أصدق ما تم.. حتى دخلت من باب الطائرة.. وأنا ألهث.. وأناهج.. ومن فرحتي أسلم على من أعرف ومن لا أعرف من الركاب.. وكأنني بالتسليم غير المقبول.. أقول لكم منهم.. هنئني.. فقد نجوت من ألم الفراق.. ومن وحشة البعد عن حقيبتي التي بها عزيزتي.. فوطتي!
ولقد احتملت بشجاعة.. وبجلد النظرات الملتهبة التي كان يرميني بها الركاب.. وهم يرمونني في حرد واستنكار لتأخيري إياهم قليلاً من الوقت.. ربما بلغ في مجموعه ثلاث أو خمس دقائق على الكثير.. ولم يدروا إنهم بها لا يخسرون شيئاً.. في حين إنني كنت سأخسر كل شيء..
والحكاية صادقة بكل جزئياتها.. دون حاجة لقسم.. ولقد كان هذا الدرس ((أربة)) لي.. وتوبة صادقة.. وإيماناً صميمياً مني بأن البركة.. دائماً في البكور!!
* * *
 
طباعة

تعليق

 القراءات :597  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 87 من 168
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج