شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
(37) (1)
زارني اليوم للمؤانسة.. كما نقول.. صديق ذو فلسفة تفاؤلية نادرة.. فهو مثلاً.. إذا جرح إصبعه.. نتيجة لعبه بالمروحة الكهربائية قال.. يخي طيب اللي راحت وجات على كدا.. بدل ما كانت فرمت لي أيدي كلها!..
وهو إذا تزحلق في الحمام لولعه بالإكثار من رغاوي الصابون.. وأصيب برضة في جسمه.. قال.. الحمد لله الذي لم تنكسر رجلي.. أو ينخلع ظهري!
وإذا انصدمت سيارته بشيء ما.. أو بسيارة أخرى ونجا.. شخصه الكريم.. ببعض السحجات.. قال.. يا سيدي.. ما دام الأرواح سليمة.. الباقي ما يهم!
وهكذا.. هو.. وهكذا حاله.. في كل ما يلحق به من أذى أو ضرر.. فإنه يحمد الله على اقتصار الحالة أو الحادث على ما صار في حدوده التي حصلت.. ولم يتعده إلى سواه مما هو أكبر منه..
فهو. تماماً.. تماماً.. بهذه الطبيعة.. مثل برز في الخط المقابل على الفلسفة المخدرة للنفوس.. والقائلة قديماً بأن عليك أن تنظر دائماً لمن هم دونك.. فترى أنك أحسن منهم حالاً.. ومالاً.. لتتمطى.. وتتثاءب حامداً.. شاكراً كما نقول.. وذلك لكي ترتاح.. وتريح!
وقد نبشت زيارة هذا الصديق المتفائل الممراح.. بعضاً من ذلك ممزوجاً بالذكريات البعيدة.. والقريبة فهو.. بالمناسبة.. لبق لا يمل كلامه.. صوراً متقاطرة من نقد الحياة والسخرية الخفيفة الطائرة بالوجوه.. وبالأشخاص فيها!
وأخذنا.. وأعطينا الأحاديث بيننا.. وفجأة سألني عما صادفته أو رأيته في رحلتي الأخيرة هذه.. والتي جاءني مؤانساً للقدوم منها.. فقد نسي الدافع الحقيقي للزيارة.. وقد نسيت أن أقول إنه ذهولي من نوع طريف.. فإن أمهات الحوادث لا تغيب عن ذاكرته.. وجوهريات المسائل لا تضل عن باله.. ولكن بعض الفروع.. أو التفاهات كما يسميها.. لا يمكن لذاكرته أن تحفل.. أو تعتني بها.. وتلك ما يقع نسيانه.. أو ذهوله انصباباً عليها.. في الغالب.
فأخذت.. إجابة على سؤاله.. أروي له تفاصيل رحلتي.. وكنت كلما أخبرته عن مناسبة غير سارة.. أو عن ضائقة ذهنية.. أو نفسية.. أو مادية صادفتها قال: أحمد الله اللي جات على كدا.. يا سيدي.. المؤمن ممتحن.. المؤمن مصاب..
وسألته.. أخيراً.. وبدوري.. عن آخر أخبار امتحاناته في هذه الحياة الفانية.. كمؤمن.. ممتحن.. مصاب.. فقال.. بعد أن ضحك طويلاً تمهيداً لروايته الجديدة. لقد زارني البارحة فقط.. أي والله البارحة بس!.. صاحبنا إياه.. وهو أحد معارفنا القدماء المولعين بطلب السلف من أصحابهم بين الفينة.. والفينة.. كاختبار لمدى المحبة والإخلاص والوفاء في دنيا الناس.. وقد شرف البيت.. وأنا أمسك قلبي باليد اليسرى.. وجيبي باليد اليمنى خوفاً من القدر المنظور.. وبعد أن أسهب كعادته.. رعاه المولى.. في حالة الجو.. وفي تبدلات الطقس العام.. وعن أحوال الدنيا.. وغدر الإخوان والزمان.. وحل في النهاية إلى المحط المعتاد.. فطلب السلفة.. ودفعتها له.. وقد تشهدت أخيراً.. وفرحت حين غادر الدار بما طلب!
فقلت له.. وماذا كان المطلوب من عبد المطلوب؟.. أجاب: لقد سررت جداً.. فقد طلب هذه المرة.. سهواً منه.. خمسين ريالاً.. وطلبها بسند شخصي.. كدليل على صدق النية للتسديد.. وقد أعطيتها شاكراً له مروءته.. وحسن تقديره للظروف.. فقد قررت أول الأمر أنه سيطلب مائة وخمسين ريالاً.. كجاري العادة.. وهكذ.. دفع المولى الشر الكبير بشر صغير.. والحمد لله.. يا سيدي اللي جات على كدا وبس!
* * *
 
طباعة

تعليق

 القراءات :582  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 76 من 168
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج