شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
(24) (1)
قمت اليوم بزيارة لصديق قديم وكريم.. يعيش غريباً على البلد معظم شهور العام.. وهذا الصديق ممن تجاوزوا حدود الكهولة في رحلة العمر ـ وقد بدأ السير في شعاب الشيخوخة.. بعد اجتياز مشارف ضواحيها.. من أمد قريب.
ولقد قضى حياته أعزب تراوده المرة بعد المرة فكرة الزواج.. فيرفضها في إصرار حيناً ـ وفي مقاومة ضعيفة ـ حيناً آخر ـ ثم في تهالك تام.. لا يلبث أن ينشط من فوره ليتشبث بعزوبته العتيدة..
وهو بحكم ذلك.. وبطبع سخي أصلاً.. لا يفتأ مبدداً.. لا يعرف معنى الادخار لما يرد إليه وما يكسب من مال فوق الكفاية.. كما أنه لا يقدر قيمة الصحة ينخر فيها فراغ الفردية.. بما يندفع إليه بإسراف في محرقة حياته..
عشت عمر صداقتنا أشفق عليه.. متلافاً لقوام الحياة المادي بشقيه صحته.. وماله.. مردداً على مسامعه دون كلل ما أطلق عليه ـ الإسطوانة المعروفة ـ وهي ما دمت تسلم معي بأن الزواج هو المرد ـ والعقبى للجميع ـ فخير لك أن تكون منا وفينا.. ومثلنا.. تتزوج وفيك ولك حصيلة طيبة من مستلزماته.. وكان كذلك يجيبني دائماً ألست القائل يوماً ما من أيام العزوبة الداشرة:
وقالوا: تزوج فالزواج فضيلة يحث عليها الكون والدين والعقل. ولا أهل في هذه الحياة لأعزب فقلت: دعوني ـ فالعزوبية لي أهل! ثم ضعفت مقاومتك يوماً بعده ـ فقلت: وقالوا: تزوج فالعزوبة غربة يضيق بها من عاش في نفسه.. واحداً.
فقلت: جدوا من لا أحس جوارها بقربة روحي.. وابحثوا البحث.. إن أجدى!
ثم كان ما كان منك مما تذكره ـ واذكره ـ وتعانيه.. ولا أعانيه.. ولله الحمد!.
وهكذا انقضى على ما قلت: وقال زمن طويل جداً.. واعقبه زمن لم أره فيه ـ ولم أسمع من أخباره الخاصة في البلد التي يعيش بها شيئاً عنه.. حتى جاءت زيارتي له اليوم بعد علمه بوصولي وتزويدي بعنوانه تلفونياً.. فراعني جداً أن رأيت له شقة لطيفة مرتبة.. فيها روح يرفرف ويسري.. وطيوف تتماوج وتتحرك كما راقني كثيراً تمتعه بقسط وافر من الصحة ونضارة القسمات بالنسبة لسنه المتقدم.. في المضمار..
واكتشفت في بدء الزيارة أن احتفاءه بي موزون.. على خلاف تقليده البوهيمي القديم ـ فأعربت له عن استغرابي عن هذا الثقل ـ والرزانة وعن مظاهر العافية الجديدة والنضارة البادية عليه ـ فأجاب إنني أدخر لك مفاجأة تذهلك.. كما أنها تسرك أنت بالذات أكثر من سواك.. فهي تسجيل رسمي.. لاسطوانتك المكرورة.
إنني يا صاحبي قد تزوجت من أمد ليس بالقريب.. ولا بالبعيد.. وأنا سعيد ـ سعيد وإنني أصرف نقودي باعتدال ـ واتجاوب مع حياتي بقسطاس.. وأمشي أشواطها بتمهل.. في حيوية ـ وبهوادة ـ في حبور ـ وامرح ـ بأسلوب عائلي.
فقلت في نفسي سراً.. ما دام قد وجد المهماز.. فقد تعين على الجواد أن يتخايل.. دون جموح.. في المضمار.. مضمار الحياة.. والزوجية.. وقلت له جهراً كعادتنا: المقصود.. أنك لقيت اللي ينقط لك لما يجي الموت..
وضحكنا بصوت عال.. ضحك أيام زمان.. ولعل ضحكنا راق لمن كانت تتسمع لكلامنا.. ولعلها شاركتنا الضحك.. فيما أعتقد.. من بعيد.. لبعيد!..
* * *
 
طباعة

تعليق

 القراءات :585  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 63 من 168
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

عبدالعزيز الرفاعي - صور ومواقف

[الجزء الثاني: أديباً شاعراً وناثراً: 1997]

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج