شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
(18) (1)
قضيت جزءاً من يومي هذا ـ في الجو.. على متن الطائرة تعبر فضاءه.. من بلد إلى بلد آخر.. فتختصر الوقت في حساب الزمن.. وتعلي قدر العلم يهب الحياة والناس من نعميات الحضارة ما يهب. ولقد كنت مع سواي من الركاب طيلة هذا الجزء من اليوم.. سكان مدينة جوية.. أو حياً من أحياء العالم الطائر.. يعتبر كل راكب منا بهذه الطائرة فرداً من أفراد هذه المدينة أو هذا الحي.
والنماذج البشرية منا حين يحددها مكان محصور الجوانب فرصة طيبة لدراسة الدارس.. وتفكير المفكر.. وعادة الأديب.. كما أن الشعلقة بين السماء والأرض مناسبة مثيرة لظهور الطبع الآدمي تجاه فكرة الحياة والموت على حقيقته مهما بدا من تجاهل لها.. يتخذ لدى البعض أسلوب النوم.. القراءة.. المحادثة.. بعد التعارف الجوي.. التناوم.. الأكل وتوابعه.. البحلقة من النوافذ في الفضاء..
ولقد أدركت شركات الطيران بدراسة وفهم وفن حقيقة الطبع الآدمي.. فرتبت نظام التدويخ العلمي في الطائرة.. يبدأ بالإذاعة المألوفة عن الارتفاع ومدى السير ومقدار المسافة. ثم التعليمات الخاصة بما يجوز.. وما لا يجوز.. استعماله.. وكيفية استعمال الازارير الكهربائية. ثم.. وهو المهم.. الإشتغال.. للإنشغال.. بالطعام.. ومترادفاته من شاي وقهوة.. وخدمة رقيقة.. وابتسامات أرق!.
ولبرهة وجيزة.. تذكرت أول عهدي بركوب الطائرات منذ أكثر من عشرين عاماً.. وقد سجلت خواطري عن ذلك في كتابي المطبوع.. كما رأيتها.. في يومية قديمة الأمس.. جديدة اليوم.. تقول: إن ركوب الطائرة قبل الآن.. في نظر أي شخص من بلادنا يعتبر مجازفة كبرى.. وأمراً فوق الإدراك.. والخيال والمعتاد. ولكنه اليوم وسيلة اختصار.. ولذة.. وسمو..
ما أروع قدرة الخالق علَّم الإنسان ما لم يعلم.. وأباح له من كنوز العلم.. ومن المعرفة وأسرارها ما جعله في المكانة الممتازة بين المخلوقات.. وما أشد حركة الإنسان وتطلعه لما فوق.. ولكل ما هو خفي عنه.
إن الجو سمو.. وطهر.. وارتفاع.. ارتفاع عن كثير من المشاهد الدنيوية.. وكثير من النوايا.. والآراء المادية الثقيلة.. إنه مبعث غبطة.. ومصدر تفرد وسبيل عظمة نفسية بالغة.. وهذا البحر أسفل منا.. إنه لا يبدو أكثر من سطح مائي ساكن.. إلا من خيوط رفيعة جداً.. هي ولا شك الأمواج العالية الصاخبة.. وهذه السحب حوالينا وتحتنا كذلك.. إنها ليست أكثر من قطع دخان متحرك.. يملأ الجو ويعلو وجه البحر.
اللَّهم تعالت قدرتك.. ما أعظمك.. إن السبيل إلى فهم قوتك العظيمة وجلالك لا.. ولن يتم مادياً إلا بإخضاع المادة لاكتشافها.. وهذا الإنسان أحد مخلوقاتك.. ما زال دائباً على ذلك.. أنانياً في سبيل النفع الشخصي. عظيماً في ما توفق إليه عالياً في إباحته.. وفي تعميمه وتسهيله للبشرية جمعاء.. لاستفادة الإنسانية كلها بما ومما توصل إليه!
لقد رأينا الآن بعض البواخر بالبحر.. إنها ليست أكثر من نقط صغيرة سوداء.. هل تزيد سلحفائيتها.. عن منظر الجمال.. بالبر.. لراكب السيارة؟!
هذه بعض مناظر الساحل. لقد عرفنا بدقة معنى كلمة.. اليابسة.. على قصر المسافة.. إن الإنسان قلق طماع.. لقد بدأنا نستعجل الغاية.. لقد سئمنا الداء.. ومرأى الجبال.. وكتل السحاب تناطح السحاب.. أو تناطح طائرتنا.. ها هو المطار.. لقد وصلنا.
* * *
 
طباعة

تعليق

 القراءات :611  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 57 من 168
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

صاحبة السمو الملكي الأميرة لولوة الفيصل بن عبد العزيز

نائبة رئيس مجلس مؤسسي ومجلس أمناء جامعة عفت، متحدثة رئيسية عن الجامعة، كما يشرف الحفل صاحب السمو الملكي الأمير عمرو الفيصل