شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
ـ 44 ـ (1)
وتقول الحكاية في مجال المقارنة بين القناعة والتطلع.. إن التاجر بعد أن شاهد بعينه مع زوجته وحسب طلبها حياة جاره الجزار وزوجته وبات وقد قرر في نفسه أمراً.. بعث خادمه حالما استيقظ من النوم ليستدعي جاره الجزار إليه.. وقد أقبل مستغرباً الدعوة وأسبابها فلم يسبق لجاره التاجر أن حادثه أو دعاه أو شعر بوجوده.. وعندما حيا كل منهما الآخر بأسلوب المجاملات المعتاد.. دار بينهما الحوار الآتي:
قال التاجر للجزار: باعتباري جارك.. وقد أوصى النبي على الجار.. فإن أمرك يهمني.. كما تهمني نصيحتك وإرشادك ولعلّ لك خيراً فيهما.. وإنني أرجو أن تخبرني بصدق.. كم خروفاً تذبح كل نهار؟..
فأجاب الجزار: إنني يا سيدي أذبح خروفاً واحداً فقط.. وأحمد الله وأشكره ففي ربحي من هذا الخروف الواحد ما يكفيني وأهلي وأنا قانع به وبحياتي الحاضرة..
قال التاجر: ولكن يا جاري العزيز.. ألا تعلم أنه لا بد لليوم الأسود من القرش الأبيض.. وإن كل شخصٍ معرّضٌ للمرض.. وللحوادث.. وللتبطل.. فلو أنك ذبحت ثلاثة خرفان كل نهار لتضاعف ربحك ثلاث مرات.. ولادخرت الربح الزائد عن ربحك اليومي المعتاد.. للطوارئ..
فقال الجزار: ولكني لا أملك رأس المال، وليس لدي إلا رزق يوم بيوم..
فأجابه التاجر: إنني على استعداد لإدانتك بعض المال.. على أن تسدده على أقساط بسيطة جداً من أصل ربحك الجديد.. وهنا أشار التاجر لخادمه فقدم للجزار كيس نقود.. بصم بعد استلامه على سند استلام المبلغ.. وخرج من بيت التاجر.. فاشترى ثلاثة خرفان.. واستمر في بيعها بدكانه إلى وقت متأخر جداً عن ميعاد عودته المعتادة إلى بيته وزوجته.. لأول مرة..
وحينما وصل البيت.. وجد الزوجة مكوّمة في ركن من الحوش.. وقد غفت من الانتظار وخمدت نار السموار.. وبرد طعام العشاء.. فأيقظها.. وللمرة الأولى في حياة هذا البيت السعيد يختلف الوضع.. فقد تلاشت الضحكات.. وغابت أسباب الأحاديث المرحة.. فلم ترن لهما في الحوش قهقهة.. ولم تسمع لهما أصوات طروبة رنانة.. فقد أخذ الجزار في حساب وارده اليومي الكبير.. مستعيناً بأصابع يديه العشر.. ثم أصابع قدميه.. ليعرف بعد حساب ثمن الخرفان الثلاثة.. والمصاريف الطارئة ماذا حقق من ربح.. وماذا يجب أن يدفعه كقسط أول للتاجر من دينه.. وماذا سيدخر؟.. بينما أخذت زوجته تتثاءب وترنو إليه في هلع وسكون.. وهكذا باتا ليلتهما الكئيبة الأولى.. وكل منهما في وادٍ.. وفي شغل بهواجسه وبأفكاره..
وتكرر نفس الوضع.. وتشاكلت الحالة في ليلتهما الثانية.. والثالثة.. واختفت مظاهر حياتهما السابقة.. كل هذا وزوجة التاجر تراقب.. وترى.. وتنكر مستغربة ما جد على الجزار وزوجته.. بينما زوجها التاجر صامت شامت في سره.. يرفع عينيه إليها من وقت لآخر.. وهي لا تعلم أن زوجها السبب في إفساد حياة ذينك الزوجين السعيدين.
أما زوجة الجزار.. فقد سألته أخيراً بعد أن ضاقت بحياتهما الجديدة الطارئة بقولها له.. تعال.. قل لي ما الخبر؟ وماذا جرى لك؟.. فسكت ثم سرد لها ما عمله معه التاجر.. وما قدمه له من دين.. ورغبها في أنه سيكون لهما ربح يمكّنه أن يشتري لهما بعض الملابس والحلى الجديدة في المستقبل القريب.. إنه سيعيد تأثيث البيت على النحو الذي رآه في بيت التاجر.. وأخذ يمنّيها.. ويقنعها بالصبر.. ليقنع نفسه عن هذا الطريق بصحة ما هو آخذ به..
إلا أن زوجته صرخت في وجهه.. إنني قانعة بما كنا فيه من حياة الخروف الواحد.. وأنها ضائقة كل الضيق بحياة الخرفان الثلاثة مهما كان الربح منها ما دام سيكون على حساب تبديل الحياة الضاحكة اللاهية.. ولا زالت به تؤزره وتغريه على أن يكون قنوعاً.. فالقناعة كنز لا يفنى.. وكنزنا الحي هو ما كنا فيه.
فنام.. وقد بيّت هو الآخر في نفسه شيئاً.. حتى إذا أصبح الصباح ذهب إلى جاره التاجر وقال له.. إليك دينك أيها الجار العزيز كله كاملاً.. وإن شئت قاسمتك أرباح الخرفان الثلاثة.. للثلاثة أيام..
وهرول خارجاً من بيت التاجر.. واقتصر على شراء خروف واحد.. كما كان وعاد في ميعاده.. ليجد زوجته مهللة ضاحكة.. والسموار منصوب.. والبراد حاضر.. والفوطة والقميص مكويّان نظيفان.. وتبسى العشاء.. على جنب.. ورائحة من العودة تفوح من غرفة النوم..
ومع الضحكات.. والمرح.. والسهرة القصيرة الحارة كانت هناك عينان تبصبصان من ثقوب الشيش..
إنها عينا زوجة التاجر.. في مجلسها المعتاد للمراقبة.. وقد التفتت بعد أن شاهدت المناظر المعتادة.. وبعد أن عرفت أن زوجها كان السبب في التغيير الطارئ للأيام الثلاثة السالفة على حياة الجزار وزوجته.. قائلة لزوجها:
ألا يمكنك أن تقيم حياتنا على ما يعادل ربح خروف واحد؟..
* * *
 
طباعة

تعليق

 القراءات :898  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 97 من 113
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

سعادة الأستاذة صفية بن زقر

رائدة الفن التشكيلي في المملكة، أول من أسست داراُ للرسم والثقافة والتراث في جدة، شاركت في العديد من المعارض المحلية والإقليمية والدولية .