شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
ـ 26 ـ (1)
تواترت بعض الحكايات والأمثلة تحض على عدم الاستخفاف بالمرء لم تزينه الثياب والملابس في الزي الحسن.. فقد يكون صاحب الهيئة الرثة عالماً إدارياً.. أو أضيق ذا عراقة إلى آخر هذه الصفات ينطبق عليها المثل المتداول بيننا والقائل إن.. الناس مخابر.. لا مناظر.
ولقد ثارت بين الجماعة في سمرنا ذات ليلة هذه القضية الاجتماعية الأدبية وتحمس فريق منا للنظرية السابقة.. بينما أصر الفريق المخالف على أن البوهيمية لا ينبغي أن تصل بصاحبها إلى حد البهدلة والزراية.. وسوء المظهر.. فكما أن هناك حكايات وأمثلة على المخبر والمنظر.. فإن هناك مبدأ أساسياً يربط بين حرمة الشخص وشكله العام.. فإن القياس المبدئي يجب أن يتساوق مع قاعدة ـ اللي ما يعرفك ينكرك ـ ثم إن النظافة من الإيمان. ومن مستلزمات الأناقة الهندام الحسن.. بالإضافة إلى قوة الدلالة والإقناع في صيرورة المثل العتيد المركب في بيت شعري صدره بلدي قح وعجزه منظوم متفاصح.
تقمش بالقماش وعش فقيراً
يحيوك الرجال بالاعتبار!
وهكذا طال الجدال بين دعاة البوهيمية المطلقة حتى في السمت والشكل العام.. وبين القائلين بأن احترام الشخص لذاته يلزمه باحترام هندامه.. ومظهره الدال عليه.
وحين أورد الساخرون بالمظهر يغاير المخبر الحادثة المعاصرة المشهورة في أوساطها والموجزة في أن موظفاً من المولعين بالأبهة في الملبس وفخامة السمت والهندام دخل على مسؤول رسمي كبير المقام وقد أصبح اليوم من سكان القبور.. وكان الموظف بالإضافة إلى مظهره ذا بسطة في الجسم وحده.. فأكسبته فخفخة المظهر هيبة وجلالاً ظن المسؤول الكبير معهما أن القادم شخصية ذات مركز ومقام فما كان منه إلا أن وقف له وأدناه من مجلسه وقربه إليه وطلب له القهوة مضاعفة الطلب وبالغ في الاحتفاء به.. وكان الموظف الضخم الفخم المرتدي أحسن حلة وأبهاها قد جاء لشرح حاجته للمسؤول الكبير ورغبته في العطف عليها وعليه.. فعندما بدأ يهمس بقوله ـ أيها العم الكريم إن لي ملتمساً بسيطاً على مثلك عزيز عندي، بادره المسؤول لشعوره بما وقع فيه من لبس وخطأ بطلب العودة إليه في وقت آخر وبإيقاف آخر طلب له للقهوة!
هنالك تنحنح شيخ جماعتنا كعادته قائلاً.. نعم.. يجوز هذا.. ولكن رب جوهرة في مزبلة كما يقولون.. وإن من مستظرف في المستطرف الحكاية التالية:
يحكى أن الشيخ ابن كثير صاحب التاريخ المشهور كانت له صفة على باب داره يجلس إليها ليطالع فيها استئناساً بالمارة لسآمة الوحدة.. وكان إلى جواره جار له رث الثياب.. وكان إذا رأى الشيخ جالساً على الصفة يجيء ويركب أكتافه فتفوح منه رائحة يتأذى منها الشيخ ولكنه يستحي أن يصرفه.. إلى أن اشتد غيظه يوماً من الأيام، فعندما جاء جاره الرث الهيئة كعادته راكباً أكتافه صرخ فيه:
يا شيخ.. أما تستحي من نفسك ومن حالتك ومن عملك.. وإلى متى كلما تراني جالساً تجيء لتركب أكتافي وأنت لست تعرف ما أطالعه.. ولا لك شعور به.. فلما أخجله بهذا التعنيف قال له الجار.. يا سيدي الشيخ ما هذا الذي تطالع فيه من العلوم.. فقال إنه شيء في الاقتباس.. فقال له أسمعني منه شيئاً.. ففكر ابن كثير ساعة واقتبس في مطالعة الحال وقال:
كيد حسودي وهنا
ولي سرور وهنا
الحمد للَّه الذي
أذهب عنا الحزنا
فلما فرغ من إنشاده.. قال له أهذا الذي فكرت فيه.. وتتكثر منه اسمع ما أقوله لك ابن القريحة وأنشد ارتجالاً من غير وقفة:
قلبي إلى الرشد يسير
وعنده النظم يسير
الحمد للَّه الذي
فضلنا على كثير!
حينذاك قام الشيخ له إجلالاً.. وأجلسه.. واعتذر.. فقال له الجار.. إياك أن تزدري بأحد.. فإن مواهب الله تعالى في الصدور.. لا في الثياب!
وهنا قال أحدنا لشيخ الجماعة.. وإن لنا حكاية بلدية نرد بها على حكايتك التاريخية وموعدنا سهرة الغد إن شاء الله.
* * *
 
طباعة

تعليق

 القراءات :1221  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 79 من 113
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

البهاء زهير

[شاعر حجازي: 1995]

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج