شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
ـ 24 ـ (1)
.. وفي أبواب الحماقة والتغفيل ترد حكايات كثيرة تدل على أن المراتب والدرجات تتفاوت كذلك بين عقول الناس وأذهانهم تفاوتاً كبيراً جداً. ولقد كنا ونحن صغار نسمع عن طائفة معروفة من الحمالين.. في الحلقة.. وهي السوق الصباحي العام تباع فيه أصناف الخضروات.. والفواكه.. والبهائم.. وأكياس الفحم.. وقوداً أساسياً لكل البيوت آنذاك.. وقبل أن نعرف الغاز ومشتقاته حل محل الفحم في الطهي والمتمهل.. والمتعجل.. وتلك نعمة حضرية علمية من نغميات العصر.. وما سيرد بعد.. كان مروياً في حينه وليس من صنع الخيال.. أو التشنيع.
يحكى أن أحدهم ذهب يوماً إلى الحلقة واشترى كيس فحم.. ثم أشار للحامل إياه.. لنقله فسأله الحامل.. بيتك وين؟ قال.. في محلة المظلوم بجوار مسجد الشافعي.. ولم يفتح الله على الحامل أو صاحب كيس الفحم أن يتعرض أي منهما لأجرة الحمالة بشيء.. فقد اكتفى الحامل بأن أحنى قامته ومد يديه ووضع الكيس على رأسه.. وتقدم صاحبه.. وهو يمشي وراءه.. وعندما وصلا الدار وضع الحامل الكيس بالدهليز.. تمهيداً لوضعه في حنية الفحم.. المخصصة له.. وهنا تذكر الحامل أنه لم يحدد أجر النقل مع صاحبه.. فالتفت إليه.. ولكن قبل أن يتفوّه بكلمة.. سارع الرجل ووضع يده في كيس جيبه وأخرج للحامل قرشين ناوله إياهما في صمت.. وبزغرة عين.. وفي تحدٍ متحفز.. مترقب.
هنالك هاج الحامل وماج.. وطالب أن يدفع له الرجل ربع ريال لا يرضى بأقل منه.. وذلك على أقل تقدير.. فأجابه صاحبه أنه طالما نقل إلى بيته من الحلقة نفسها أكياس الفحم بهذه الأجرة ذاتها.. فأصر الحامل على الربع ريال أجرة عادلة.. في الحين الذي تشبث فيه صاحب الكيس بأجرة المثل.. قرشين اثنين.. للكيس الفحم من الحلقة لمحلة المظلوم..
وهكذا.. تعالى صياح الرجلين.. وكل منهما يدافع عن وجهة نظره.. واجتمع الجيران وتحلقوا حولهما يريد كل منهم أن يحل الخلاف بزيادة بسيطة على القرشين ونقصان مناسب عن الربع ريال.. فلم يصل أي منهم إلى أية نتيجة في الأمر..
وما راع الجميع في النهاية شيء بقدر ارتياعهم عندما انحنى الحامل على الكيس الفحم ورفعه من الأرض على رأسه.. وصاح صاحب الكيس مع الجيران.. ماذا تفعل يا رجل؟.. وما هذا؟ وعلى فين؟
فقال له.. ولهم.. أما وإنك لم تنصفني ولم تدفع لي الأجرة العادلة.. وأما وإنكم لم تفلحوا إلى إرجاعه للحق وللصواب.. فإنني سوف أعيد هذا الكيس إلى الموضع الذي نقلته منه.. وعليه أن يجد الحامل الذي يقبل أن ينقله ثانية إلى هذا البيت البعيد.. بقرشين..
ومضى الحامل وكيس الفحم فوق رأسه لا يلوي على شيء قاطعاً المشوار ثانية إلى الحلقة.. وصاحب الكيس خلفه.. والجيران وراءهما كأنما يمشون في جنازة عقلية صامتة.. حتى إذا وصل الحامل للموضع الذي حمل منه الكيس بالحلقة.. رماه بعنف.. وأعطى الجماعة ظهر أكتافه.. وأنظار الرجل والجيران تتفحص قفاه العريض..
هنالك التفت صاحب الكيس يقول لجيرانه:
شكر الله مسعاكم.. ولا غفر لهذا الأحمق.. فلقد جعل اليوم مشوارنا مشوارين.. على الريق!
* * *
 
طباعة

تعليق

 القراءات :881  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 77 من 113
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الدكتورة مها بنت عبد الله المنيف

المدير التنفيذي لبرنامج الأمان الأسري الوطني للوقاية من العنف والإيذاء والمستشارة غير متفرغة في مجلس الشورى والمستشارة الإقليمية للجمعية الدولية للوقاية من إيذاء وإهمال الطفل الخبيرة الدولية في مجال الوقاية من العنف والإصابات لمنطقة الشرق الأوسط في منظمة الصحة العالمية، كرمها الرئيس أوباما مؤخراً بجائزة أشجع امرأة في العالم لعام 2014م.