شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
ـ 22 ـ (1)
وجرى الحديث بيننا في سهرتنا ممتداً إلى الكلام عن الصداقة وأنها في مستواها الفعلي بين الأصدقاء الأخلاء مقياس صادق للرجولة.. للمروءة.. للوفاء.. وقال أحدهم.. إننا لا نراها اليوم كما كنا نراها بين ظهرانينا من قبل.. محبة.. والتزاماً.. وأداء واجبات.. وصدقاً في السر وفي العلن.. وإنما نرى قشوراً للصداقة لا لباب فيها. حتى أصبحنا لا نستغرب حين نسمع أن فلاناً صديق فلان الذي ائتمنه حين غيابه أن يكون وكيلاً عنه في عمله مشرفاً على عائلته وعلى مصالحه الخاصة والعامة قد ضربه من ورائه الضربة القاضية ربما يتورّع عن الإتيان بها عدو سافر.. وذلك كما حدث بين فلان.. وفلان!..
وأكد بعضهم.. أن دنيانا لا تزال بخير.. وأن للصداقة حرمتها. وأنه يجب ألا ينتظر في هذا العصر المادي أن تكون هناك مثالية في هذا الباب.. اكتفاء بأن يكون الصديق جليس سمر.. أو رفيق رحلة.. أو أنيس حديث مستطاب.. باعتبار كل تلك الحالات محطات استراحة شخصية.. ليس إلا!
وهنا صرخ شيخ الجماعة بأنه لا بد وأن تظل للصداقة ضرائبها الإنسانية المباشرة. وبالأخص في أوقات الضيق.. فقد قالت أمثالنا: رب أخ لك لم تلده أمك.. وقال شاعرنا:
جزى اللَّه الشدائد كل خير
عرفت بها عدوي.. من صديقي!
وأن من مستظرفي.. بمناسبة قرب العيد.. وغيثاً من فيض.. حكاية تاريخية وردت على لسان الواقدي.. يقول:
كان لي صديقان ـ أحدهما عربي الأرومة وثانيهما نبطي الأصل.. وكنا ثلاثتنا في صداقتنا وكأنما نحن نفس واحدة فعلاً.. وكان إن قرب حلول عيد الفطر وكنت في ضائقة شديدة. فقالت امرأتي، أما أنا وأنت فنصبر على البؤس والشدة وما ترتب عليهما.. وأما صبياننا هؤلاء فقد تقطع قلبي رحمة عليهم لأنهم يرون صبيان جيراننا وقد أخذ أهلوهم لشراء الملابس الجديدة يتزينون بها في عيدهم وهم فرحون.. ولا بأس في الاحتيال فيما نصرفه في كسوتهم.. فكتبت ورقة صغيرة إلى صديقي العربي الأرومة أسأله التوسعة علي بشيء.. فوجه إليّ كيساً فيه ألف درهم.. فما استقر قراره حتى وردت إليّ رقعة من صديقي الآخر النبطي الأصل يشكو إلي فيها ما شكوته إلى صديقي عربي الأرومة. فما وسعني إلا أن وجهت إليه بالكيس على حاله.. وخرجت إلى المسجد وأنا مستح من امرأتي.. فلما دخلت عليها لم تعنفني لعلمها بالحال.
فبينما أنا كذلك إذ أقبل علي صديقي العربي الأرومة ومعه الكيس بختمه.. يقول اصدقني عما فعلته فيما وجهته إليك.. فأعلمته بالخبر. فقال إنك حين كتبت إلي لم أكن أملك إلا ما بعثت به لك.. وكتبت لصديقنا أسأله المواساة فما راعني إلا أنه وجه إلي كيسي بنفسه وبختمه كما بعثت به إليك.
حينذاك أخرجنا للمرأة مائة درهم للعيال.. وتقاسمنا الباقي أثلاثاً.. ونما الخبر إلى الوالي فأحضرني وسألني عن الخبر فشرحته له.. فأمر لنا نحن الأصدقاء الثلاثة بسبعة آلاف دينار.. فأعطينا للمرأة ألفاً لقضاء حوائج العيد الجديدة للصبيان.. ونال كل واحد منا بعد ذلك ألفين!!
* * *
 
طباعة

تعليق

 القراءات :813  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 75 من 113
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الدكتور سعيد عبد الله حارب

الذي رفد المكتبة العربية بستة عشر مؤلفاً في الفكر، والثقافة، والتربية، قادماً خصيصاً للاثنينية من دولة الإمارات العربية المتحدة.