قالتْ.. وقدْ سكَنَ الوادي ونام به |
أَهْلوه.. هامسةً.. رفْرافةَ الكَلمِ |
ما لِلهزارِ؟! عرفْناه.. بأيْكتِنا |
مصوِّراً خفقاتِ القلبِ.. في نَغَمِ |
أَغْضى.. ورنَّق.. لم يبعثْ كعادته |
بنا الحياةَ هوى عشناهْ من قِدم |
لم يرسل الآهةَ النَّشْوى.. مُجَنّحةً |
تواثبت جنح ليل فيه.. لم ينمِ |
لم ينْثر الذكرياتِ البيضَ حاسرةً |
طرْفاً.. ورافعةً طرفاً إلى أَمَمِ |
أغفت على راحةِ الماضي يُهَدْهِدْها |
في يومها.. يومه الذاوي بلا سقمِ |
كأنّها نسماتُ الصيف باح لها |
قلبُ الربيع بسر فيه مكتتمِ |
كأنّها القبلاتُ النادياتُ لظىً |
في ثغْرِ حانِية.. من ثغر مُحْتَدمِ |
وأومأت بِوَمِيضِ اللحْظِ.. مُسْبِلةً |
أجْفَانَها. فصحا قَلْبي وقال فَمِي: |
لا الليلُ بعدك ليلي.. في مفاتنه |
مرّت بنا حُلُماً.. تجري.. بلا حُلُمٍ |
ولا النَّهار الذي كنا لموعدنا |
نطويه للنهل.. أمسى مَعْبَراً لظمي |
حفَّتْ بقلبي أناتٌ مُبَعْثرةٌ |
شَتَّى.. تطوفُ به في هيكلِ الصَّنَمِ |
مُضيِّعاتٍ به الألحانُ.. خافتةً |
مُمَيَّزاتٍ به ترنيمة الألمِ |
تلوبُ بين خوافيه.. مصفِّرةً |
هُوجُ الرياح.. خلت من رِقَّةِ النَّسَمِ |
وقَّادةَ اللَّفح.. قدْ طَال الهَجيرُ بها |
ما فاء.. ما قال.. في بانٍ.. وفي أَكَمِ |
قَادَتْ خُطاهْ على الأشواك ساخرةً |
أدْمته مُلتثماً.. أو غيرَ ملتثمِ |
تُومي إلى السفح.. يزهو في ملامحه |
وجهُ الشباب.. وتُدْني قِمَّةَ الهَرَمِ |
بيضاء هامدة.. جرداء.. باردةً |
إلا من اليأس.. يُوري وقْدةَ الندمِ |
لا أهلها.. في سُرَى الأجيال متَّئداً |
أهلي ولا الهرم السَّاجي بها هرمي |
أني شرقت بمرآها.. وما وطئت |
بمُرْتقاها ـ على عِلاَّتِهِ ـ قدمي |
فللشباب بقلبي.. لا تزحزُحها |
بوارقُ الشَّيب.. أيامي.. بلا سأمِ |
أنا المحب الذي ألهتْ صبابته |
عنِّي الزمانَ.. وقد دامت.. ولم يَدُمِ |
أَلْقى عليها ظِلالاً.. من معاركه |
ثم أنْثنى دونها.. في موْقِفِ الحَكَمِ |
رفَّتْ عَلَى شَفَة الأيام.. ضاحكة |
وبين قلبيَ.. لم توصمْ ولم تصِمِ |
الحب والحسن في طبعي بها نطقا |
في عينِ باسمةٍ.. أو ثغر مبتسمِ |
والشعر والفن في روحي قد امتزجا |
بكل متصّلٍ ساعٍ لمنفصمِ |
قد سرتُ بين حقول الحب منتشياً |
سيرَ الجداول بين الكرْم.. والكرَمِ |
احنو على الزهر في الأكْمام يانعةً |
وألثمُ الورد وحدي.. غيرَ متَّهَمِ |
مغرّداً بِلُغَى الأطْيَار.. تحسبني |
منها وإن كان غصني ـ بينها.. قلمي |
مصفِّقاً لخريرِ الماء.. يقذفني |
رذاذُه بالمعاني الحورِ.. في نَهَمِ! |
وعشت وسط عُبابِ البحر هادرةٍ |
أمواجُه.. ملءَ سمعٍ لاذ بالصممِ |
يمرُّ طافِيه.. في عيني.. براسبه |
مرَّ الخواطر.. نهب العارف الفهمِ |
وقد تخذتُ رمال الشط متكِئي |
صوبَ الصخورِ تدانت حول معتصمي |
أُوشْوشُ الرَّملَ بالآمال سانحةً |
تفرّقت.. بين إِعْياءٍ.. إلى عَدَمِ |
وازجر الصخرَ بالأَهْوال قد برزتْ |
أجرافُها.. كنيوبِ الليث في أَجَمِ |
مُرَقْرقاً بدموع الصَّبرِ.. والهةً |
بين الجوانح حرّى.. لهفةَ الضَّرَمِ |
اجوسُ وسط التلال السُّمْر ملتصقاً |
بِذِكْريات الصِّبا.. ظِلاً.. بلا عَلَمِ |
ارتاد فوق روابيها.. على ظَمأ |
لا ينطفي ماضياً.. أَوْدعتُه حلمي |
سلي هناك بقاياه.. وقد همدتْ |
رهنَ البِلَى في زوايا الأَمْس كالْوَجَمِ |
سلي الشرَّاراتِ من قلبي وكنتُ فَتًى |
ولا أزالُ.. عن الأَقمار.. والظُّلَمِ |
قد أصبحت جَمراتٍ.. غيرَ لاظيةٍ |
غطَّى الرمادُ بها المكنونَ من ألمي |
أَشَعْتُه.. نهبَ ليلاتي.. وفي مرحي |
بين الصحابِ.. هوى عزّت به شِيَمي |
اغْشى الحياةَ بها.. إنسانَهَا.. ولها |
إِنْسَانَها.. صلةً ـ باللَّه ـ للرحْمِ |
لم يُلْهِنِي البعدُ فيها عن حقيقتها |
أو يُعمني القربُ عن راءٍ بها وَعَمِي!.. |
ملأتُ كأسي.. أو أفرغتُها أبداً |
للشارِبيهَا بلا زيف.. ولا تهمِ |
أسْقيهمو المرَّ.. مرًّا في مذاقته |
والحلَو حلوا.. شهيَّ الطَّعْمِ للطعمِ |
لا أنكر الحبَّ والبغضاء قد رضعا |
من ثديْ أُمِّهَما الأُولَى.. ولم تَلُمِ |
قَابيلُ.. هَابيلُ.. ما زالا لنا مثلاً |
سطا بفطرتهِ في الفرد في الأُممِ |
لا أُرْخِصُ الوجدَ والإيثارَ قد نبعا |
من قلب آدَم ـ لا إبليس.. في القدمِ |
أو أسْلب النَاس والأطبَاع حقَّهمَا |
من الحيَاةِ مَشتْ في القَاعِ.. في القمَمِ!! |
قل للخلي الذي عابت رفاهتُه |
دنياهُ دنياي.. لم يطربْ ولم يهمِ |
بالشعر للشعر.. رنتّ في مزاهره |
أوتارُ قلبي.. يغنِّيها على القلمِ |
جزتُ الدياجير.. مرقاةً وملتمسا |
وطرتُ.. في عالم بالنَّورِ مُتَّسِمِ |
على جناحين.. من حبيّ رواه فمي |
ومن شعوريَ شعراً يرْتوي بدمي!! |