شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
((كلمة سعادة الشيخ ماجد سعيد رحمت الله))
الحمد لله الذي يرفع الذين آمنوا والذين أوتوا العلم درجات، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له يتجاوز عن السيئات، ويزيد في الحسنات ويرفع الدرجات ويقيل العثرات، وأشهد أن سيدنا ونبينا ومولانا محمداً عبده ورسوله وصفيه وخليله، أرسله الله سبحانه وتعالى بالآيات البينات وأيده بالمعجزات الباهرات، اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه القادة الذين هدى الله بهم إلى الطريق القويم والصراط المستقيم.
اللَّهم إنا نسألك خير هذه الليلة وخير أهلها وخير ما فيها وخير ما قبلها وخير أولها وخير وسطها وخير آخرها، وخير ما أقبلت به علينا، اللهم إنا نسألك خير هذه الليلة ورحمتها ونورها وبركتها وهداها، ويسرها ورشدها وصلاحها، اللَّهم اجعل جمعنا هذا جمعاً مغفوراً وتفرقنا من بعده تفرقاً معصوماً ولا تجعل فينا ولا منا ولا معنا ولا أحد يتبعنا شقياً ولا ضالاً ولا مطروداً ولا محروماً.
أما بعد أيها الحضور الأعزاء والإخوة الأجلاء أنا لا أعد هذه الجلسة وهذه الأمسية تكريماً للمدرسة الصولتية، وإنما أعدها إشادة بها وتنويهاً بمكانتها ودورها وعطائها وتاريخها، لأن التكريم والإكرام لم يحصل عليه علماؤنا وأسلافنا القدامى الذين أقاموا هذه الشريعة وأقاموا هذا الدين وتركوا هذه الكتب فلم يكرمهم الله سبحانه وتعالى إلا بذكرهم الحسن، الذي تركوه بعد وفاتهم وتركوا هذه الدنيا إلى الآخرة، هذا هو الإكرام الذي أكرم به الله سبحانه وتعالى عليهم، فهؤلاء العلماء والفقهاء والمفسرون والعلماء الأجلاء يذكرون بالذكر الحسن ويدعى لهم بالمغفرة والرحمة وإلى يوم القيامة وهذا هو التكريم الكبير الذي هو نعمة من الله سبحانه وتعالى.. لذلك دأب علماؤنا ومشايخنا وأساتذتنا على هذا المنوال وهذا الطريق، كانوا يجاهدون ويبتغون نشر العلم ونشر الدين وخدمة الإسلام والدين وخدمة طلاب العلم، لا يبتغون وراء ذلك شهرة أو جاهاً أو مالاً أو غير ذلك، وإنما يريدون بذلك وجه الله ويبتغون رضوانه عز وجلّ..
وقبل أن أبدأ في ما أود أن أقول أشكر صاحب الاثنينية ومؤسسها الفاضل الكريم الشهم النبيل الشيخ عبد المقصود خوجه الذي عودنا على هذه الأمسيات وهذه الاحتفائيات، فكل اثنينية لا تخلو من فائدة وخبرة وتجربة، فكم سمعنا في الاثنينيات وفي هذه الليالي المباركة من علماء وفقهاء وعلماء أجلاء ومن أمثالهم كثيرون، الذين حضروا هذه الأمسيات فأشادوا وأفادوا وأجادوا بما لديهم من خبرات وعلم وفضل وما حصلوا عليه، فكانت هذه الاثنينيات والأمسيات مناسبات عظيمة شرفنا بالتعرف من خلالها على رجال عظام، وفي هذه اللحظة يبدأ صاحبها ومؤسسها في تكريم المؤسسات والذي كان يذكرني منذ سنوات بتكريم المؤسسات والبدء في ذلك، فإنه حين بدأ بتكريم الشخصيات وبدأ بتكريم الكتب أيضاً وبدأ بتكريم المؤسسات كمؤسسة الشيخ حمد الجاسر وكتاب معالي الدكتور محمود سفر، فإنه وفي هذه الأمسية يبدأ بتكريم هذه المؤسسة والاحتفاء بها، والإشادة بعطائها وتاريخها وهي المدرسة الصولتية، وأشكر معالي الدكتور سهيل قاضي ومعالي الدكتور محمد عبده يماني ومعالي الدكتور عبد الوهاب أبو سليمان وفضيلة السيد أمين عقيل عطاس وفضيلة الأستاذ الكبير الشيخ مصطفى عطار على ما تفضلوا به من كلمات تجاه المدرسة وما تفضلوا به تجاه العبد الفقير الذي لا يملك شيئاً إلاّ أن الله سبحانه وتعالى سخره وأقامه أباً عن جد وطبقة إثر طبقة وجيلاً بعد جيل لخدمة العلم والعلماء في هذا البلد الحرام.
ثم أقول عن بدايات المدرسة في شهر شعبان عام 1290هجرية، راودت مولانا الشيخ رحمت الله فكرة تأسيس مدرسة لما رأى من أعمال الخير الجليلة من أربطة ومن سبل ولم تكن هنالك مدرسة على الطريقة التي يريدها، وعلى النظام الذي يريده فقد كانت هنالك مدارس كثيرة كما ذكر فضيلة الشيخ عبد الوهاب أبو سليمان، ولما رأى عدم وجود مدرسة تحتضن الأطفال والصبيان إلا كتاتيب صغيرة منتشرة في حواري وأحياء مكة وفي بعض البيوت وفي المسجد الحرام بخاصة، ولما رأى أن التعليم لم يكن منظماً ومربوطاً بانضباط وانتظام استشار بعض أصدقائه ووجهائه في البلد وأعيان البلد وعرض عليهم هذه الفكرة ومنهم من وافقه ومنهم من عارضه فكتب منشوراً عرض فيه هذه الفكرة وقدمه إلى المشهورين والمعروفين من المجاورين والمقيمين من العلماء والتجار والمطوفين في مكة لكي ينتبهوا إلى تعليم وتدريس أولادهم، ويتعاونوا على تأسيس مدرسة وإنشائها وكل واحد يكتب ويقيد أمام اسمه ما يستطيع أن يقدمه كإعانة أو هبة شهرياً لتسير هذه المدرسة وقيد عدد كبير منهم أمام اسمه مقدار هبته الشهرية فبدأت المدرسة بهذه الهمة وبهذه العزيمة في غرة رمضان 1290هـ بطلاب لا يتجاوز عددهم 50 طالباً يقوم على تدريسهم 4 مدرسين، ولم يكن للمدرسة مكان مستقر فقد تنقلت في ثلاثة بيوت لمدة 4 أشهر حتى استقر بها المقام في دار السقيفة ببرحة الياس بالشامية في الزقاق الموصل إلى جبل هندي تعود لأحد أبناء أهل الهند المقيمين وقدمت صولة النساء مع زوج ابنتها الشيخ نوازيش حسين، بعض المؤرخين يخطئون ويقولون إن هذه السيدة من الأثرياء وإنها أميرة وهي لم تكن كذلك، بل كانت امرأة عادية توفي زوجها فتحصّلت على نصيبها وحظها من إرثه وتركته وجاءت بهذا الميراث إلى البلد الحرام مع بنتها وزوجها إلى مكة واتصلت بالشيخ رحمت الله فقد كان الشيخ نواز يتصل بالشيخ رحمت الله ويحضر دروسه، وعرض عليه هذه الفكرة بأن السيدة صولة النساء تريد أن تبني رباطاً أو سبيلاً في مكة المكرمة كعادة المحسنين والأثرياء في تلك العصور، فأشار عليها الشيخ رحمت الله أن تبني مدرسة لتلم بعض الأبناء الذين لا يدخلون المدارس والكتاتيب، فرحبت بهذه الفكرة، فقدمت في شهر المحرم 1291هـ ما كانت تملكه من مال وهو 2271 ريالاً مجيدياً تقريباً لشراء الأرض وبناء غرف المدرسة واشترت هذه الأرض التي هي في الخندريسة في سفح جبل عمر وفي سفح جبل الحفائر وفي سفح جبل الكعبة التي بنيت من أحجارها الكعبة، فاشترت هذه الأرض في حارة الباب، ويطلق عليها حارة الباب لأنها كانت خارج مكة وباب الشبيكة منه الدخول إلى حارة الشبيكة وكانت هذه الحارة التي كانت خارج باب الشبيكة كانت حارة الباب ولذلك اشترى فيها هذه الأرض، وتقع فيه المقبرة الشهيرة وهي مقبرة الشبيكة التي ما زالت إلى الآن، ويقال، هي أرض كانت للسيدة خديجة بنت خويلد رضي الله عنها وقد دفن فيها أوائل الصحابة والصحابيات في ذلك العهد، ثم نفذ ما عندها من المال فاستجازها الشيخ بقبول تبرعات من جهات أخرى ورضيت حتى اكتمل بناء ديوانين ومجلسين في الدور الأرضي وصهريجين في سبعة أشهر بناء مستحكماً وقوياً كما قررت السيدة 40 ريالاً شهرياً إعانة شهرية دائمة مدى حياتها لهذه المدرسة، وبناء على تنقلات المدرسة في البيوت فقد اعتمد الشيخ بداية المدرسة من غرة المحرم 1/1291هـ وأسقط تلك السبعة أشهر من المدرسة لتبدأ أمور المدرسة وأحوالها وحسابها من هذه المدرسة ومن هذه السنة، ولما اكتمل المبنى الجديد للمدرسة الصولتية في حارة الباب انتقل إليها الطلاب بتاريخ 12 شعبان عام 1291 هـ في احتفال ضم عدداً كبيراً من العلماء وأهل العلم وسميت بالصولتية نسبة إلى الصولتية التي تبرعت بشراء الأرض وتعمير المدرسة، وكانت المدرسة في السبعة أشهر الماضية يقال لها مدرسة الهنود أو مدرسة الشيخ رحمت الله، ولم يكن لها اسم محدد إلا بعد أن تأسست المدرسة وسماها الشيخ المدرسة الصولتية وقيل له لماذا لا تنسبها إلى نفسك وتسميها مدرسة الشيخ رحمت الله فلم يقبل بذلك. وفي عام 1292هـ كان عدد الطلاب 75 طالباً وعدد المدرسين خمسة، حيث انتظمت المدرسة مدرسين وطلاباً منهم الشيخ نفسه كان يقوم بالتدريس من الصباح إلى الظهر ومن بعد الظهر إلى العصر في المسجد الحرام معلمان للقرآن الكريم والتجويد ومعلمان للعلوم العقلية والنقلية بالإضافة إلى كاتب يتولى الحسابات والأمور المالية والتحضير إلى غير ذلك، ونظراً إلى عدم وجود مورد مالي ثابت فلم تتقدم المدرسة لأن الوارد المالي الشهري لا يتجاوز الثمانين روبية والمصاريف أكثر من ذلك فكانت تبلغ مائة وخمسين روبية شهرياً وفي موسم الحج يتبرع بعض الحجاج بما يقدرون، فرواتب المدرسين وإطعام الطلاب ولوازمهم تحتاج إلى موارد، هؤلاء الطلاب الخمسة والسبعون بدؤوا تعليمهم بالقرآن الكريم فدرسوا وتفوقوا في القراءة والتجويد حتى تعجب المكيون منهم ومن تفوقهم في هذه المدة القصيرة، وكان العلماء والأعيان والمدرسون يدعون إلى اختبار الطلاب في المدرسة وكان هؤلاء الطلاب يجتمعون يوم الجمعة في المسجد الحرام للقراءة فيجتمع حولهم الجموع والمستمعون، فيتعجبون من قراءاتهم، كما قام 14 طالباً من الطلاب المجوّدين للقرآن الكريم بتسميع القرآن الكريم في رمضان سنة 1293 هـ في المسجد الحرام في الصلوات النوافل، أما الطلاب الباقون فقد بدأ تعليمهم في كتب النحو والصرف بهدف تقويتهم في اللغة العربية كالميزان وبذور المبتدئ و شرح مائة عام بالفارسي وقطر الندى وبل الصدى والكافي في النحو وغيرها، أما كتب الفقه فهي: القدور بكامله ونصف كنز الدقائق والفرائض السراجية ثم النصف الأخير من كنز الدقائق، وطلاب آخرون غيرهم من فصلين عند شيخ آخر، فصل يدرسون المطول وفصل يدرسون القطبي وشرحه، هذه هي الثلاث سنوات الأولى.
وعزم الشيخ وأراد أن يشتري أرضاً كبيرة بالقرب من الحرم الشريف ليسعى في بناء وتشييد مدرسة كبيرة لتدريس جميع العلوم والمعارف وأن تكون هذه المدرسة في الخندريسة فرعاً لتلك المدرسة الكبرى وتختص بتدريس المبادئ والأوليات والقرآن الكريم، لكن ضيق اليد وقلة الموارد وانعدام الأرض حال دون تحقيق ذلك، وبناء على تبرعات المحسنين توسع الشيخ في بناء المدرسة فشيد دوراً آخر وفتحه في الصيف للمدرسين والطلاب، وكانت في هذه الغرف الإقامة والدراسة للطلاب، واستمرت هذه الحال حتى ربيع الآخر سنة 1294هـ ولم يكتمل السطح كما ينبغي، وقد ضاق هذا المبنى لكثرة الطلاب فسعى الشيخ إلى شراء أرض أخرى خلف المدرسة ووضع أساساً لبناء سكن للطلاب سمّي بدار الإقامة حيث أنفق على ذلك 1300ريال مجيدي وحتى عام 1294هـ ثم توقف البناء لعدم وجود سيولة مالية، ثم جاء أحد الأثرياء وأحد المحسنين للحج وتبرع واكتمل البناء، وبعد مدة ثلاث سنوات وسبعة أشهر من بداية المدرسة وتأسيسها تخرج في المدرسة أربعة حفاظ وقراء للقراءات السبع كما أكمل خمسة آخرون القرآن الكريم حفظاً على رواية حفص، وأكمل خمسة وعشرون طالباً القرآن الكريم نظراً، فهؤلاء مجموعهم أربعة وثلاثون طالباً تخرجوا بعد ثلاث سنوات من تأسيسها، فارتقوا إلى الصفوف العليا لتلقّي الكتب والعلوم الأخرى، أما عدد المدرسين فهم عشرة، منهم للعلوم الدينية والعلوم الأخرى، وللقرآن الكريم أربعة منهم اثنان لرواية حفص وواحد للقراءات السبع وواحد مستمع للطلاب ومدرس لتدريس اللغة الفارسية ومجموع رواتبهم أربعة وثلاثون ريالاً مجيدياً ونصف، وعدد الطلاب تقريباً مائة، ويعطى لعشرين من هؤلاء أساتذة وطلاب طعاماً مرتين في المدرسة كما يعطى لعدد ستة طلاب مساعدة مالية شهرية لحاجتهم، أما في رمضان من كل عام فكان يوم الأربعاء من كل أسبوع، يوم طعام عام لجميع المدرسين والطلاب وكل يوم طعام لعدد 56 شخصاً، وإذا ختم الطالب القرآن الكريم نظراً فيكافأ بمصحف وريال واحد نقداً وفي حالة الحفظ بمصحف وجبَّة وعمامة وإذا أم أحدهم في التراويح فأربعة ريالات أو جبَّة بهذه القيمة، وإذا أكمل القراءات السبع فيعطى مصحفاً وأربعة ريالات وجبَّة ولشيخه ثمانية ريالات أو عشرة، هكذا كانت البداية الصعبة الشاقة مع قلة ذات اليد واستمرت على هذه الحال حتى تطورت وارتقت وازدهرت عاماً بعد عام وحولاً بعد حول في أعداد المدرسين والطلاب والموارد والمصارف والعمائر والمباني والمناهج مع النقلات السياسية المختلفة والاقتصادية والاجتماعية والتجارية التي سادت الحجاز في ذلك الوقت وفي ذلك العصر، ولا أريد أن أطيل عليكم عن تاريخ المدرسة وإنما أذكر لكم بعض خصوصيات المدرسة التي تختص بها، فأقول وبالله التوفيق معروف أن لكل مدرسة أهدافاً ومعروف أن أهل الحرم والمهاجرين خصوصاً الذين يفدون إلى مكة من مختلف البقاع وتوفير الرعاية الكاملة لهم من مأكل ومشرب وملبس وكتب مدرسية وكتب مجاناً بلا عوض بالإضافة إلى المكافآت للمتفوقين لتشجيعهم على طلب العلم، تعليم أبناء المدرسة مهنة للتدريب الفني والصناعي ليكسبوا عيشهم بعد التخرج من المدرسة بطريق شريف وينأوا بأنفسهم عن الفقر وسؤال الناس، تخريج قراء وحفاظ من المدرسة يحسنون تلاوة القرآن الكريم على أصول التجويد والقراءات، رعاية خاصة للأيتام وتعليمهم وتربيتهم، تحويل المدرسة الصولتية إلى جامعة، كجامعة الحرم أو جامعة مكة ليتخرج فيها رجال تحتاجهم الأمة الإسلامية وهذا الهدف كان في الستينات حين كانت المدرسة في أوج تطورها وازدهارها ورقيها وعطائها، ثم بعد الستينات انقلبت الأمور، وجاءت السبعينات، كما كان يقول جدي إن السبعة ((رجولها إلى فوق)).. فلم يتحقق هذا الهدف وهو تحويلها إلى كلية أو جامعة، تجهيز عمارة مستقلة للقيام بتعليم وتدريب الحِرَف الصناعية مع التعليم الديني وهذا أيضاً لم يتيسر، توسعة المكتبة توسعة كبيرة وعمل عمارة مستقلة لها، وهذا أيضاً لم يتيسر، إنشاء مستشفى في المدرسة لعلاج الطلاب والمدرسين والحجاج والمعتمرين مجاناً بلا عوض، وهذا أيضا لم يتيسر، تعليم وتربية بنات أهل الحرم والمهاجرين قدر الإمكان، وقد كانت هنالك مدرسة لتعليم البنات لكنها توقفت في الثمانينات، مراعاة الشمول والتكامل والتوازن بالتأكيد على الجانب العملي بجعل التعليم في المدرسة تعليماً متكاملاً يهدف إلى بناء الشخصية، فقد تحدث الشيخ عبد المقصود خوجه والشيخ السيد أمين عطاس والشيخ الدكتور عبد الوهاب أبو سليمان على ضرورة تطوير المدرسة وتنظيمها إن شاء الله، وهذا معقود به في حال توسعت المدرسة وخرجت إلى نطاق أوسع وإلى أراض كبيرة خارج العمران وخارج البلد إن شاء الله، فيعطى لها هذا التخطيط وهذا التنظيم بحول الله.
أتحدث الآن عن بعض أولويات المدرسة وهي كثيرة:
ـ أول مدرسة في الحجاز ومعها سكن داخلي لإقامة الطلاب ومعها مسجد، كان فيها قسم الحفاظ وقسم لتعليم القرآن الكريم.
ـ أول مدرسة ثانوية تختص بتدريس العلوم العالية والكتب الكبرى على مستوى الثانوية وما فوق، لأن المدارس الأخرى التي كانت قبل أو مع الصولتية، لم يكن فيها هذا التعليم العالي أو التعليم الثانوي. فإذا رجعنا إلى منشورات المدرسة التي صدرت من عام 1327هـ إلى عام 1332هـ نرى المقررات الدراسية في هذا المنشور نرى فيه ستة وعشرين فناً وعلماً كانت تدرس في الثلاثينات.
ـ أول مدرسة تأسست فيها وحدة طبية صحية باسم دار الشفاء لعلاج الطلاب والمدرسين والمواطنين والحجاج مجاناً ثم توقفت.
ـ أول مدرسة تفتتح فرعاً لتعليم البنات مجاناً وتعيّن مدرسات حتى مستوى الابتدائية. وتوفر الكتب واللوازم لهم.
ـ أول مدرسة تفتتح قسماً لتعليم الحِرَف المهنية والصناعية والِحِرَف اليدوية كالخياطة والنسيج والتطريز والفنون والنجارة.
ـ أول مدرسة تفتتح فيها فرقة الكشافة في المملكة.
ـ أول مدرسة تقيم حفلات خميسية أسبوعية لتدريب الطلاب على الخطابة والإلقاء ونظم الشعر والمحاورات وتربية اللسان وغير ذلك، وكان رئيسها العلامة الشيخ زكريا بيلا ومعه خطيب الصولتية وشاعرها الشيخ عبد الله بن عباس فدا، فقد تخرج فيها كثير من الأدباء والشعراء منهم الشيخ عبد الغني قستي ومنهم الأستاذ محمد عبد الله مليباري وكان يسمى بخطيب الابتدائية، ومنهم الخطيب المفوَّه الكاتب الشهير الأستاذ عبد الكريم نيازي وغيرهم، فكل هؤلاء من تربية هذه الحفلات .
ـ أول مدرسة تنشئ قسم التعليم الزراعي المسائي في بستان المدرسة بالزاهر، فقد التحق بها عدد من أبناء البادية، وكان يدرس فيها الزراعة وقد توافر فيها جميع ما يتطلب للزراعة من أشياء ومن لوازم، ولكن هذا أيضاً توقف..
أعود الآن إلى بعض خصوصيات المدرسة وهي كثيرة لأن سرد تاريخ المدرسة طويل يحتاج إلى وقفات ويحتاج إلى ساعات ويحتاج إلى كتب ومجلدات، والحمد لله الصولتية ذكرت في الكثير من الكتب، كتب تاريخ مكة، وكتب تاريخ التعليم في مكة، وكتب تاريخ التعليم في المملكة وكتب تاريخ المملكة.
خصوصية المدرسة: قربها من المسجد الحرام،
سهولة نظامها ومنها نظام القبول ـ نظام اليوم الكامل ـ مراعاة الظروف الفردية، الإعلان دائماً للطلاب للالتزام بالزي والحضور وعدم التخلف والتأخير والالتزام بالأخلاق و الأدب والصمت والهدوء والسكينة والطمأنينة والالتزام بالجد والاجتهاد والسعي والمثابرة في طلب العلم وكتبه. التدرج في العقوبة وعدم استخدام العصا، بساطة فصولها الدراسية وهي على شكل حلقات الدروس والجلوس على الأرض على طريق السلف الصالح وما كان متبعاً في الحرمين الشريفين والجوامع والمساجد، والجثو على الركب، ما يزيد الطلاب أدباً واحتراماً وتواضعاً وخشوعاً لطلب العلم، تنوع المشارب واختلاف المدارس الفقهية التي تحظى بها هذه المدرسة، الكتب التي تدرس فيها مكثفة وعالية المستوى حتى إن الكتاب الواحد يقسم إلى جزءَين أو ثلاثة في جامعات المملكة، تدريس أمهات كتب الدين والشريعة والعربية المعروفة في جميع العلوم والمعارف خصوصاً تدريس أمهات كتب السنّة الستة كالبخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة والحمد لله.. العناية بالقرآن الكريم وتفسيره والحديث الشريف واللغة العربية والنحو والخطابة والمناظرة وتربية اللسان والخط والرسم والنشاط غير المنهجي، الجمع بين التعليم المهني والتعليم النظري، استخدام نظام العرفاء، الملح في التعليم، التدريس أثناء الدراسة والتربية العملية، وهذا كان في السابق، أما الآن فلا بد من أن من لا يحمل شهادة البكالوريوس في التربية فيمنع من التدريس، أما في السابق فكان الطلاب في الفصول العليا يدرسون الطلاب الصغار، وهذا يشهد به كثير من الناس، الشيخ عبد الرحمن أحمد دهان العلامة الجليل كان يبدأ درسه الصباحي قبل المعتاد ويشترك في هذا الدرس جميع علماء ومدرسي المدرسة، وإذا انتهى هذا الدرس يعودون إلى الفصول، فجميع المدرسين الذين كانوا يدرسون في الفصول العليا كانوا أيضاً يدرسون في الفصول الدنيا، كفاءة مدرسيها العالية، فمنهم علماء ومشايخ تخرجوا في الحرم وفي المساجد وفي حلقات العلماء ومنهم حفاظ وقراء القرآن الكريم حيث يحملون الإجازات العلمية وفي الوقت الحالي منهم من يحمل شهادات الدكتوراه، وإن قبض عالم يأتي بعده عالم آخر ويخلفه بخير لا يقل كفاءة عن سلفه، المدرسون قدوة للطلاب بصلاحهم وتقواهم ولا نزكيهم على الله، المدرسون والمشايخ بعضهم يجيدون ويتحدثون أكثر من لغة أو لهجة إلى جانب اللغة العربية، وهذا كان في السابق، فالبخاريون، والأفغانيون، والمليباريون، والبنغاليون وما شابههم كان لهم علماء ومدرسون يدرسونهم بلغاتهم وبلهجاتهم، أما الآن فذلك غير ميسر، وجود طلاب من جنسيات مختلفة وبلدان متعددة، والآن في المدرسة قريباً من اثنتين وعشرين جنسية ولغة، وبلدان متعددة ولغات متفرقة، ومستويات متباينة يرتبطون بأواصر الود والحب والتواصل والاجتماع، ومنهم من كان أبوه درس في المدرسة، ومنهم من كان جده درس في المدرسة ومنهم من كان والد جده درس في المدرسة، وجاء إلى هذا البلد الحرام ليواصل هذا التسلسل وهذا التوارث ويبقى هذا في عائلته وفي أسرته، احترام الطلاب لمدرسيهم ومشايخهم بل يصل ذلك إلى الإداريين والمستخدمين، احترام الطلاب بعضهم بعضاً رغم فوارق الأعمار والأمصار واللغات والمستويات بينهم، وذلك لاهتمام المدرسين بتعليمهم السلوك الحسن والأخلاق الإسلامية إلى جانب اهتمامهم بالدروس المقررة، والدليل على ذلك عدم وجود مرشد طلابي مستقل لهم في المدرسة، حيث إن جميع المدرسين والإداريين مرشدون ومربون، وأبناء الجالية الأندونيسية خصوصاً وعلى سبيل الخصوص في بلادهم في أندونيسيا المتخرجون فيها لهم شأن كبير، ويجدون التقدير والاحترام من المسؤولين ومن عامة الناس هناك، يتخرج فيها عشرات الطلاب يحملون القيم الإسلامية والتربية الصحيحة الهادفة إلى احترام المجتمع الإسلامي وعلى رأسهم الأئمة والعلماء بالإضافة إلى الشهادة العلمية، تخرج فيها الكثير منهم العلماء الأفاضل والقراء والحفاظ ومن الشخصيات العامة التي تشغل مراكز مرموقة في المجتمع، وقد أسس بعضهم مدارس أخرى على نسق هذه المدرسة نفسه في الحجاز وفي مختلف البلدان، وتولى عدد كبير من متخرجيها التدريس في المسجد الحرام وأصبحوا علماء البلد الحرام، وتسلموا المناصب الشرعية والقضاء والوظائف الدينية في البلاد، وبالنسبة إلى ما ذكره الشيخ عمر عبد الجبار في مقدمة كتابه ((سير وتراجم)) وما ذكره الشيخ الدكتور عبد الوهاب أبو سليمان، لما تخرج الفوج الأول من متخرجي الصولتية وعقدوا حلقات التدريس في المسجد الحرام وازدحم المسجد الحرام بهذه الحلقات، هذا الفوج لم يكن فوجاً أول، الفوج الأول هو طبقة الشيخ عبد الرحمن دهان وأسعد دهان، ثم جاءت بعدها الطبقة الثانية، هذه الطبقة الثانية تمثل الفوج الثاني من متخرجي الصولتية منهم الشيخ حمد قاري والشيخ حسن يماني والشيخ صالح يماني والشيخ حسن مشاط والشيخ عبد الحميد الحديدي والشيخ سراج ششَّة، والشيخ عبد الحميد حديد وغيرهم، وأهم فوائد وإنتاج الشيخ العلامة عبد الرحمن أحمد دهان رحمة الله عليه إقامة ثلاث حفلات سنوية، صرف مكافآت نقدية، تاريخها مدرج في كثير من المناهج وفيها مكتبة عظيمة، وجود مبنى سكني، وكذلك ألف عدد من مدرسيها مؤلفات خاصة في بعض العلوم وتدريسها في فصول المدرسة وقد طبع بعضها وألف بعض من مدرسيها مؤلفات خاصة في بعض العلوم لتدريسها في المدرسة، وقد طبع بعضها وقد كانت من المقررات الدراسية، وكانت المدرسة تصدر تقارير وبيانات سنوية وشهرية وكانت تنظم رحلات للطلاب والمدرسين إلى داخل مكة المكرمة وخارجها، وغير ذلك من الخصوصيات الكثيرة التي يضيق المجال بذكرها، وأعرج هنا على ذكر بعض المراجع التي تتحدث عن المدرسة الصولتية، فهي معروفة للجميع، فهؤلاء المؤرخون الذين أرخوا لمكة وللصولتية هم شهود على ما قامت به الصولتية في ذلك العهد أمثال الشيخ طاهر كردي والشيخ عبد الله كردي والشيخ عبد الله غازي والشيخ عمر عبد الجبار وغيرهم، هؤلاء شهود، أعود إلى بعض مؤلفات المؤسس المشهورة: ((إظهار الحق)) وهذه نسخة قرئت بالكامل على سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله وأرسل وفداً إلى المدرسة الصولتية أيام الوالد فأعطوا النسخة المخطوطة من كتاب إظهار الحق وأخذوا نسختين أخريين مقروءتين ومصححتين على المؤلف وطبع هذا الكتاب أيام الشيخ عبد العزيز بن باز على نفقة الرئاسة العامة لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد عام 1410هـ، وهو من 4 أجزاء تحقيق وتعليق ثم طبعت منه ست طبعات حتى الآن، وقد ترجم إلى عدة لغات، وآخر ترجمة له صدرت باللغة التركية في مجلدين وله ترجمة أخرى باللغة الإنجليزية صدرت مرتين هذه الطبعة الأولى، وهذه الطبعة الثانية طبعت في بريطانيا، وللكتاب ترجمات أخرى بالفرنسية وطبعت أيضاً بالأوردو، والآن يسعون لترجمته إلى تراجم أخرى، فاختصر إظهار الحق أيضاً، وسمِّي بمختصر إظهار الحق، وزعته وزارة الشؤون الدينية والدعوة والإرشاد في الرياض ويوزع مجاناً، والمختصر ترجم إلى عشر لغات أخرى، ويوزع مجاناً على الحجاج والمعتمرين، والمراكز في العالم الإسلامي، ما يدل على أهمية الكتاب ومكانته والشيخ أحمد ديدات كما تعرفون هو تلميذ كتاب إظهار الحق، جميع ما لديه من معلومات وأشياء أخذها من كتاب ((إظهار الحق)) وهذه مجموعة كاملة أهديها للاثنينية وللشيخ عبد المقصود خوجه، ومن مؤلفاته المناظرة الكبرى التي وقعت بينه وبين القسيس فندر في الهند وهي تحتوي على ثلاثة أقسام، القسم الأول المراسلات والمكاتبات التي جرت بينه وبين القسيس من مناظرة، والقسم الثاني يحتوي على نص المناظرة والمحاورة والمناقشات التي دارت بين الشيخ والقسيس، والتي انهزم فيها القسيس واعترف بوجود تحريف وبوجود تبديل ونقص في الأناجيل، فليس هو مقدساً، ثم هرب بعد تلك الجلسة ولم يعد، والقسم الثالث يحتوي على المكاتبات والمراسلات التي وقعت بينهما بعد تلك المناظرة، وطبعت هذه المناظرة مرة أخرى في مصر الآن قبل سنة وطبعت قبل ذلك أيضاً وقائع المناظرة نفسها طبعت مرة أخرى، وقد اختصر الأستاذ محمد عبد الله مليباري إظهار الحق أيضاً اختصاراً سماه ((المنتخب المدقق في كتاب إظهار الحق)) وقد ترجم أيضاً إلى لغات مختلفة، هذا القسم الثاني من المناظرة الكبرى يتحدث عن بشرية المسيح ونبوَّة محمد صلى الله عليه وسلم في نصوص كتب العهدين، والقسم الثاني من المناظرة الكبرى رسالة الدكتوراه في جامعة الملك سعود كلية التربية.
أشكر لكم استماعكم وعفواً على الإطالة والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :743  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 27 من 242
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

يت الفنانين التشكيليين بجدة

الذي لعب دوراً في خارطة العمل الإبداعي، وشجع كثيراً من المواهب الفنية.