شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
كلامه عن التوبة
10 ـ ومضى في كلامنا ذكر التوبة، فأردت أن أبين لكم وجوهها، وإن كانت ليست مما سألتم عنه باسمه، لكن نسق (1) الكلام اقتضى إثباتها؛ لأنها دخلت فيما سألتم مما يحط الكبائر؛ فاعلموا أن التوبة تكون على أربعة أضرب:
- أحدها: ما بين المرء وبين ربه تعالى من أعمال سوء عملها كالكبائر من الزنا وشرب الخمر وفعل قوم لوط والشرك وما أشبه ذلك؛ فالتوبة من هذا تكون بالإقلاع والندم والاستغفار وترك المعاودة بفعله وإضمار أن لا يعود بنيته؛ فإن فعل التائب من هذه الوجوه هذا الفعل سقط عنه بإجماع الأمة كلُّ ما فعل من ذلك بينه وبين ربه تعالى، وأيضاً فيمن أقيم عليه الحد مما ذكرنا ومات مسلماً كان ذلك كفارة لما فعل بنص حديث النبي صلى الله عليه وسلم (2) .
- والضرب الثاني: من عطَّل فرائض الله عمداً حتى فات وقتها، فقد اختلف الناس؛ فقوم قالوا: يقضيها.. وقوم قالوا: لا سبيل إلى قضائها.. وبهذا نأخذ (3) ، لأن من فعل الشيء في غير الوقت الذي أمره الله أن يفعله فيه، فلم يفعل الشيء الذي أمره الله تعالى أن يفعله، وإنما فعل شيئاً آخر [253/أ]؛ وإذا لم يفعل ما أمر به فهو باق، وتوبة هذا عندنا الندم والإقلاع والإكثار من النوافل وفعل الخير كما جاء في الأثر عن النبي صلى الله عليه وسلم: أن من لم يوف فرض صلاته جبر من تطوع إن وجد له (4) .. فأما ما كان من هذا فرضاً في المال فليؤده متى أمكنه كالزكاة والكفارات؛ لأن الله عز وجل لم يحد لأحد وقت أداء الزكاة والكفارات حداً لا يتعدى كما حد عز وجل للصلاة حداً وللصيام وقتاً محدود الطرفين معلوم الأول والآخر ينقضي وقت كل ذلك بخروج أوله.
- والضرب الثالث: من امتحن بمظالم العباد: من أخذ أموالهم، وضرب أبشارهم، وقذف أعراضهم، وإخافتهم ظلماً، والإفساد عليهم: فالتوبة من هذه بالخروج عن المال المأخوذ بغير حقه، ورده إلى أصحابه أو إلى ورثتهم.. فأما أن يردها إلى الذين غصبها منهم بأعيانهم فقد سقط الإثم عنه يقيناً، وأما إن ردها إلى ورثتهم فقد سقط عنه إثم غصبه ما غصب عن الورثة أيضاً وبقي حق الموتى قبله؛ لأنه فعل ثان؛ فليكثر من فعل الخير ما أمكنه، فإن جهلوا فإلى إمام المسلمين إن كان لهم إمام عدل تجب طاعته، وإن لم يكن فلا بد من صرف المال إلى مصالح المسلمين؛ لأنه مال لا يعرف ربه، وليكثر مع ذلك من الخير ليجد أرباب المتاع ما يأخذون منه يوم القيامة؛ فليس إنصافه عمراً بمسقط عنه ظلم زيد.
وأما من تاب بزعمه وهو زام (5) يديه على ما ظلم فيه، أو على ما يدري أنه ظُلْمٌ بعينه بَيِّنٌ: فهذا مصرٌّ لا تائب، ولكنه ممسك عن الازدياد من الظلم كإنسان مصرٍّ على الزنا إلا أنه لا يزني.
وأما التوبة من ضرب إنسان فهو بأن يمكِّن الإنسان من نفسه ليقتص منه أو ليعفو، كما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: أنه اقتص من نفسه في ضربة بقضيب (6) فإن مات المضروب فموعدهما يوم يقتص للشاة الجمّاء (7) من الشاة القرناء، ولكن ليستكثر من فعل الخير ليجد من ظلم ما يأخذ وما يترك، وكذلك القول في سب الأعراض والإخافة. وأما الإفساد فالتوبة منه بالإقلاع والندم والإصلاح.
- والضرب الرابع: من امتحن بقتل النفس التي حرم الله تعالى، وهذا أصعب الذنوب مخرجاً؛ فقد جاء عن النبي [صلى الله عليه وسلم]: من استطاع أن لا يحول بينه وبين الجنة [253 ب] وقد عاينها وشم ريحها ملء محجم (8) من دم امرئٍ مسلم فليفعل (9) أو كلاماً هذا معناه؛ فمن ابتلي بهذه العظيمة فتوبته أن يُمكِّن ولي المقتول من دمه، فإن قتله فقد اقتص منه وانتصف، وإن عفا أو كثر قتلاه فليلزم الجهاد، وليتعرض للشهادة جهده؛ فما أرجوا أن يكفر عنه فعل شيءٍ غيرها. فإن اعترض معترض بالحديث الذي فيه: أن رجلاً قتل مئة ثم تاب أدخله الله الجنة (10) فلا حجة له فيه؛ لأن ذلك كان في الأمم الذين قبلنا.. هكذا نص الحديث المذكور، وكانت أحكام تلك الأمم بخلاف أحكامنا، قال الله تعالى: لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجاً (11) [سورة المائدة/48] وفي الحديث نفسه أن توبة ذلك القاتل كانت بأن خرج من قريته قرية السوء إلى قرية قوم صالحين، وهذا لا معنى له عندنا ولا في ديننا بإجماع الأمة، وقد كانت توبة بني إسرائيل بقتل أنفسهم (12) ، وهذا حرام عندنا وفي ديننا لا يحل ألبتة، ولعل ذلك القاتل المئة كان كافراً فآمن؛ فمحا إيمانه كل ما سلف له في كفره؛ فهذا أيضاً وجه ظاهر.
وأما التوبة في شريعتنا فإنما هي التبرؤ من الذنب، والخروج عنه بما أمكن، إلا الكافر والحربي، فإن توبته من كفره ومن كل ما قتل أو ظلم فإنما هو بالإسلام فقط واعتقاد العمل به وبشرائعه، وليس عليه فيما قتل من المسلمين في حال كفره إذا أسلم وسدد وأصلح والحمد لله رب العالمين.
فهذا جواب ما سألتم عنه وفقنا الله وإياكم للخير، وجعلنا في ديننا أخواناً على سرر متقابلين آمين، والحمد لله عدد خلقه ورضى نفسه وزنة عرشه ومداد كلماته، وصلى الله على سيدنا محمد خاتم النبيين وإمام المسلمين وسلم تسليماً كثيراً، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
تمت رسالة التلخيص لوجوه التخليص.
* * *
طباعة

تعليق

 القراءات :702  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 16 من 17
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الدكتور سعد عبد العزيز مصلوح

أحد علماء الأسلوب الإحصائي اللغوي ، وأحد أعلام الدراسات اللسانية، وأحد أعمدة الترجمة في المنطقة العربية، وأحد الأكاديميين، الذين زاوجوا بين الشعر، والبحث، واللغة، له أكثر من 30 مؤلفا في اللسانيات والترجمة، والنقد الأدبي، واللغة، قادم خصيصا من الكويت الشقيق.