شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

الرئيسية > كتب ساهمت الاثنينية في نشرها > رسالة التلخيص لوجوه التخليص > النص محققا > جوابه عن أوجه السلامة في المكسب، وهو ذو علاقة بالجواب السابق
 
جوابه عن أوجه السلامة في المكسب
7 ـ وأما ما سألتم عنه من وجه السلامة في المطعم والملبس والمكسب: فهيهات أيها الإخوة.. إن هذا لمن أصعب ما بحثتم عنه، وأوجعه للقلوب، وآلمه للنفوس.. وجوابكم في هذا: أن الطريق ههنا طريقان: طريق الورع، فمن سلكه فالأمر والله ضيق حرج، وبرهان ذلك: أني لا أعلم لا أنا، ولا غيري بالأندلس درهماً حلالاً [249 ب] ولا ديناراً طيباً يُقطع على أنه حلال.. حاشاً ما يستخرج من وادي لاردة (1) من ذهب؛ فإن الذي ينزل منه في أيديهم، (يعني أيدي المستخرجين له بعد ما يؤخذ منهم ظلماً) فهو كماء النهر في الحل والطيب، حتى إذا ضربت الدراهم وسبكت (2) الدنانير فاعلموا أنها تقع في أيدي الرعية فيما يبتغونه من الناس من الأقوات التي لا تؤخذ إلا منهم، ولا توجد إلا عندهم من الدقيق والقمح والشعير والفول والحمص والعدس واللوبيا والزيت والزيتون والملح والتين والزبيب والخل وأنواع الفواكه والكتان والقطن والصوف والغنم والألبان والجبن والسمن والزبد والعشب والحطب؛ فهذه الأشياء لا بد من ابتياعها من الرعية عُمَّار الأرض وفلاحيها ضرورة؛ فما هو إلا أن يقع الدرهم في أيديهم فما يستقر حتى يؤدوه بالعنف ظلماً وعدواناً بقطيع مضروب على جماجمهم كجزية اليهود والنصارى؛ فيحصل ذلك المال المأخوذ منهم بغير حقٍ عند المتغلب عليهم وقد صار ناراً؛ فيعطيه لمن اختصه لنفسه من الجند الذين استظهر بهم على تقوية أمره وتمشية دولته، والقمع لمن خالفه والغارة على رعية من خرج من طاعته أو رعية من دعاه إلى طاعته؛ فيتضاعف حر النار فيعامل بها الجندُ التجار والصناع، فحصلت بأيدي التجار عقارب وحيات وأفاعي، ويبتاع بها التجار من الرعية، فهكذا الدنانير والدراهم كما ترون عياناً دواليب (3) تستدير في نار جهنم، هذا ما لا مدفع فيه لأحد، ومن أنكر ما قلنا بلسانه فحسبه قلبه يعرفه معرفة ضرورية، كعلمه أن دون غدٍ اليوم؛ فإذا فاتنا الخلاص فلا يفوتنا الاعتراف والندم والاستغفار، ولا نجمع ذنبين ـ ذنب المعصية وذنب استحلالها ـ، فيجمع الله لنا خِزيَين وضِعْفَين من العذاب نعوذ بالله من ذلك، ولنكن كما قال تعالى: وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُواْ فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُواْ أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُواْ اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُواْ لِذُنُوبِهِمْ وَمَن يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّواْ عَلَى مَا فَعَلُواْ وَهُمْ يَعْلَمُونَ [سورة آل عمران/135].. هذا مع ما لم نزل نسمعه سماع استفاضة توجب العلم الضروري أن الأندلس لم تُخَمَّسْ وتقسم كما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما فتح، ولا استطيبت أنفس المستفتحين، وأقرت لجميع [250/أ] المسلمين كما فعل عمر رضي الله عنه فيما فتح، ولكن نفذ الحكم فيها بأن لكل يد ما أخذت، ووقعت فيها غلبة بعد غلبة، ثم دخل البربر والأفارقة والمصريون فغلبوا على كثير [من القرى دون قسمة]، ثم دخل الشاميون في طالعة بلج بن بشر بن عياض القشيري (4) ؛ فأخرجوا أكثر العرب والبربر المعروفين بالبلديين عما كان بأيديهم كما ترون الآن من فعل البربر ولا فرق.. وقد فشا في المواشي ما ترون من الغارات، و [في] ثمار الزيتون ما تشاهدون من استيلاء البربر والمتغلبين على ما بأيديهم إلا القليل التافه، ومشى في بلاد المتغلبين يقيناً العرى الحالسة (5) ظلم بظلم. وهذا باب الورع وقد أعلمتكم أنه ضيق.
وأما الباب الثاني فهو باب قبول المتشابه، وهو في غير زماننا هذا باب جيد لأنه لا يؤثم صاحبه، ولا يُؤجر، وليس على الناس أن يتجنوا على أصول ما يحتاجون إليه في أقواتهم ومكاسبهم إذا كان الأغلب هو الحلال وكان الحرام مغموراً.. وأما في زماننا هذا وبلادنا هذه فإنما هو باب أغلق عينيك واضرب بيديك ولك ما خرج إما تمرة وإما جمرة، وإنما فرقت بين زماننا هذا والزمان الذي قبله؛ لأن الغارات في أيام الهدنة لم تكن غالباً ظاهرة كما هي اليوم، والمغارم التي كان يقبضها السلاطين فإنما كانت على الأرضين خاصة فكانت تقرب مما فرض عمر على الأرض، وأما اليوم فإنما هي جزية على رؤوس المسلمين يسمونها بالقطيع، ويؤدونها مشاهرة وضريبة على أموالهم من الغنم والبقر والدواب والنحل.. يرسم على كل رأس، وعلى كل خلية شيء ما، وقبالات ما.. تؤدى على كل ما يباع في الأسواق، وعلى إباحة بيع الخمر من المسلمين في بعض البلاد.. هذا كل ما يقبضه المتغلبون اليوم، وهذا هو هتك الأستار، ونقض شرائع الإسلام، وحل عراه عروة عروة، وإحداث دين جديد، والتخلي من الله عز وجل.. والله لو علموا أن في عبادة الصلبان تمشية أمورهم لبادروا إليها، فنحن نراهم يستمدون النصارى؛ فيمكنونهم من حرم المسلمين وأبنائهم ورجالهم يحملونهم أسارى إلى بلادهم، وربما يحمونهم عن حريم الأرض وحشرهم معهم آمنين، وربما أعطوهم المدن والقلاع طوعاً فأخلوها من الإسلام وعمروها بالنواقيس، لعن الله جميعهم وسلَّط عليهم سيفاً من سيوفه.
فإن قلتم: ((نحن نجتنب اللحم)): فأنتم تعلمون علماً يقيناً أن المواشي المغنومة ليست تباع للذبح فقط، بل تباع للنسل والرسل (6) كثيراً وللحرث بها؛ فتباع ويؤخذ فيها الثمن، وهو نار؛ لأنه بدل من المثمون، ومال أُخذ بالباطل، ثم ينصرف في أنواع التجارات والصناعات في الملابسات [250 ب]، فيمتزج الأمر؛ فهذا ما لا أحيلكم فيه على غائب، لكن ما ترونه بعيونكم، وتشاهدونه أكثر من مشاهدتي له. وأنتم ترون الجند في بلادكم لا يأخذون أرزاقهم إلا من الجزية التي يأخذها المتغلبون من المسلمين فيما يباع في أسواقهم على الصابون والملح وعلى الدقيق والزيت وعلى الجبن وعلى سائر السلع، ثم بتلك الدراهم الملعونة يعاملون التجار والصناع، فحسبكم وقد علمتم ضيق الأمر في كل ما يأتي من البلاد التي غلب عليها البربر من الزيت والملح، وأن كل ذلك غُصِبَ من أهله، وكذلك الكتان أكثره من سهم صنهاجة الآخذين النصف والثلث ممن أنزلوا عليه من أهل القرى، وكذلك التبن مزرقة، وأما القمح فهو أشبه بيسير؛ لأن الأرض وأن كانت مغصوبة فالزرع لزارعه حلال وعليه إثم الأرض إلا أن تكون الزريعة مغصوبة؛ فحصلنا في شعل نار [أشد] من ذي قبل؛ ولكن التخلص لنا ولكم أن لا يأخذ الإنسان فيما يحتاج إليه ما أيقن أنه مغصوب بعينه، ولعلنا فيما جلهنا من ذلك أعذر قليلاً؛ فإن النار المدفونة في الرماد أفتر (7) حراً من النار المؤججة المشتعلة؛ فواغوثاه!!.
طباعة

تعليق

 القراءات :676  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 12 من 17
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج