شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
لمحة عن الجانب الوجداني في "بكاء الزهر" (1)
بقلم: عدنان أحمد باديب
أهداني مؤخراً الشاعر الأستاذ علي أبو العلا ديوانه الشعري الأول "بكاء الزهر".. والذي جاء في طباعة فاخرة محتوياً على 38 قصيدة قيلت في مناسبات عديدة تأثر بها الشاعر ونظم من خلالها العديد من تلك القصائد. وعلى الرغم من أن علي أبو العلا اشتهر كشاعر مناسبات إلا أن له العديد من القصائد الجيّدة المعبّرة عن وجدانية إحساسية من واقع معاناته النفسية لكثير من المواقف التي واجهها خلال مراحل حياته.. وإن كان لنا أن نتوقع من علي أبو العلا أن يبدع أكثر في ميدان الشعر لولا المسؤوليات الكثيرة التي يحملها على عاتقه في مجالات العمل الحكومي حيث صرفته تلك المسؤوليات عن التركيز في هذا الميدان، ورغم ذلك فإنه استطاع أن يقدم من خلال ديوانه "بكاء الزهر" بعض القصائد التي تنمّ عن موهبته الشعرية وإمكانية إبداعه الشعري..
يقول الشاعر الأستاذ حسين عرب في تحيته الموجهة للديوان. "الذين يظنون أن شعر المناسبات لا يمثل الشعر الفني أو الصورة الفنية للشعر مخطئون.. فالشعر في معظمه منذ عصر المهلهل بن ربيعة وامرئ القيس وشعر المعلقات ثم شعراء العصر الأموي والعباسي إلى شعراء العصر الحديث كالبارودي وشوقي وحافظ حفِل بالمناسبات واعتنى بها وتفاعل معها بحسب تأثيره فيها أو تأثّره بها..".
فهذا يعني أن القصيدة وليدة المناسبة وإن اختلفت نوعيات تلك المناسبة ومدى تفاعل الشاعر معها.. ويقول العرب في مكانٍ آخر تحية للديوان: "والديوان هو لشاعر موهوب ولكن الأعمال - الوظيفية التي يمارسها ويضطلع بها منذ صباه شغلته كثيراً عن التفرغ لذاته الشعرية وتصوراته الفنية ولكنه رغم ذلك لم يفقد ذاته الأدبية على الإطلاق بل أثبتها على المستوى الجيد.. في الصورة والأداء..".
أوردت هذه المقتطفات من تحية الأستاذ حسين عرب لديوان "بكاء الزهر" وهي تحية من شاعر كبير له وزنه ومكانته ويقدّر لكلمته موضعها.. إذن فإن كان علي أبو العلا لم يوفق في بعض قصائده في ما يحتويه ديوانه الأول.. فهذا لا ينفي عنه الإبداعية في الشعر.. أو يجرِّده من موهبته في هذا الميدان.
ومن خلال قراءتي لقصائد الديوان تلمّست من خلال بعض تلك القصائد التي قيلت في مناسبات مختلفة أن الشاعر أفرغ عليها كثيراً من ذاتيته فهي لا تخلو من الوجدانيات التي تدل على أن هناك الكثير من العطاء الشعري الثرّ لا زال دفيناً في دواخل نفسه.. فقط يحتاج منه إلى التفرغ حتى يتسنى له الإبداع..
ففي القصيدة التي ألقاها بمناسبة تكريم وزير الحج والأوقاف على الرغم من أنها قيلت في مناسبة معيّنة إلا أن الأبيات الأولى تفصح عن أن الشاعر إنما كان يعيش تلك اللحظات بحالة نفسية خاصة ارتبط فيها عالم المناسبة الخارجي بعالمه العاطفي الداخلي.. يقول:
عجبت للقلب يروي وهو جذلان
شعري وعهدي به عادته أشجان
فإن الشعر سلوى حين تقرضه
أو حين تقرأه إن عز خلاّن
فكم إلى كلمة يصغي الشعر لما
حوته من منطق زانته أوزان
هذه أبيات من القصيدة تعبّر عن رومانسية الشاعر بما تحمل من وجدانيات ومشاعر شخصية رغم أنها في مناسبة معيَّنة.. فهو هنا يعجب من قلبه أن يروي الشعر وهو جذل طروب وهو الذي اعتاد حياة الشجن والأسى.. ولكن لا عجب فللشعر سطوته.
ومن القصائد الجيّدة أيضاً القصيدة التي حيَّا فيها الشاعر رئيس جمهورية لبنان عند زيارته للمملكة ومن منّا لا يحب لبنان الجمال والخصوبة والمودة:
الماء والزهر والأنسام ألوان
في جنة الله فوق الأرض لبنان
أرض العروبة أرض الأرز زيَّنها
بيض الهضاب وأنهار وأفنان
والكرم ألوانه شتى وزحلته
حسناء قد خطرت والجيد مزدان
بيت القصيد هنا يكمن في وصف الشاعر للبنان ولجمال لبنان ولأرض لبنان ولموقع لبنان في قلوبنا رغم أن القصيدة نظمت ترحيباً بالضيف.. إذن فالذين يلومونه لا عذر لهم فهو لم يخصّص القصيدة بكاملها للمديح بل خصّ لبنان بجزء كبير فيها.. ووصفه بصفات موجودة فيه. أنا لا أنفي عنه صفة شاعر المناسبات ولكنها المناسبة التي تجد فيها شاعريته المرهفة وحسّه الرقيق وإن كان هو ملوماً بلا شك لأن أكثرية قصائده قيلت في المناسبات.. وهو مُقِلّ في غيرها..
ومن القصائد الجيّدة التي وردت في الديوان قصيدة "الإنسان على درب الحياة" وهي ترسم لنا صورة مجسّمة لواقع الإنسان.. وحياته وتصوّر أيضاً طمع الإنسان وطموحه ولهوه في الدنيا حيث تمضي به الأيام وهو سادر في غيّه ولا يفيق إلا بعد فوات عمره وعندها يجد نفسه أمام حقائق كان يجب أن يدركها من زمان..
يقول أبو العلا في "الإنسان على درب الحياة":
ونصحو وقد فات من عمرنا
زمان التشبث بالأمنيات
فتبدو الحقيقة وضاءة
ولا ينفع اللوم بعد الفوات
وهي تصور أيضاً حالة التفكك الاجتماعي الذي وصلت إليه مجتمعات اليوم.. فالأقرباء فرّقت بينهم الأيام وغرَّرت بهم المادة..
وكذلك الأصدقاء فأيّ ضائقة تمر بالإنسان يجد أن أقرب الناس إليه وقد تخلى عنه وتهرّب من ملاقاته وهو الذي كان بالأمس لصيقاً ملازماً له في يسره:
وكم من أخ سرني قوله
وكان سراباً حوته الفلاة
فساءت ظنوني من فعله
وكنت الضحية للترهات
يكيل لي المدح إن كان لي
ثراء يلبسني المعجزات
وإن ضاع جاهي وقلّ ثرائي
تفنن في الذمّ والشائعات
صلات خداع وزيف نفاق
أو الغدر تنفثه الهاجعات
تتحدّث هذه الأبيات في تعبير واضح عن جانب من المعاناة التي يعيشها الشاعر وتدل على ما يحسه من ألم للحال التي وصلنا إليها في علاقاتنا بعضنا ببعض..
وبعد.. فلعل الشاعر مستقبلاً يعطي نفسه القدر الكافي من الوقت حتى يستطيع أن يخدم موهبته الشعرية وليأتي عطاؤه ثرًّا متجدداً يؤكد أصالته في ميدان الشعر ويزيد رصيده في الإسهام في خدمة الحياة الأدبية في هذه البلاد المقدَّسة.. مع تقديرنا البالغ للجهد الذي بذله شاعرنا أبو العلا في ديوانه "بكاء الزهر"..
وللأخوة الفنانين الذين أشرفوا على إخراجه بهذه الصورة الجيّدة.. والله يوفق الجميع.
* * *
 
طباعة

تعليق

 القراءات :1314  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 8 من 414
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

الاثنينية - إصدار خاص بمناسبة مرور 25 عاماً على تأسيسها

[الجزء التاسع - رسائل تحية وإشادة بالإصدارات: 2007]

عبدالعزيز الرفاعي - صور ومواقف

[الجزء الأول: من المهد إلى اللحد: 1996]

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج