شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
ماهي القضية!؟
طالت وقفة ((عهد)) أمام المرآة، وصوت أمها من خارج الغرفة يلح في النداء عليها.
كبرت ((عهد)).. كل من رآها من أهلها، وصديقات أمها يردد:
ـ ما شاء الله... أصبحت عروسة جميلة!
ترى نفسها الآن في المرآة، وتبتسم زهواً وخيلاء. قامتها ممشوقة. عيناها واسعتان، شعرها طويل يغطي، ظهرها.
يضايقها هذا الشعر المسدل أحياناً، وتتمنَّى لو تقصره. أمها ترفض بشدة.. تعيد على مسامعها كلمة والدها:
ـ شعر المرأة زينتها وثروتها، والغريب أن النساء يقصصن شعورهن، ثم يلبسن ((باروكة))، أو يضعن ما يسمونه ((البوستيج)) بشعر طويل... عجبي!!
ومع امتداد قامة ((عهد))، وطول شعرها، وتخطيها لأعتاب الخامسة عشرة.. أخذ نضجها في الامتداد، وأخذت أفكارها تطول. وتتفرع!
أحياناً.. تستغرق في تلك الأفكار.. إلى درجة القلق، وربما الخوف.
تأخذها الأفكار إلى البعيد.. إلى نوافذ المستقبل.. إلى معترك الحياة.
تبتسم، وهي حائرة... هل ابتسامتها ساخرة، أم متسائلة حزينة؟!
أي معترك للحياة؟!
ـ قالت لنفسها: لا بد أن تكون لكل إنسان قضية.. فما هي قضية المرأة؟!
أوه... هذا موضوع شائك، ومتداخل، ومرهق..
هناك رأي عام، وشامل يقول: إن قضية المرأة واحدة.. في كل زمان ومكان.. حتى لو تغيَّر الزمان!
ورأي آخر يؤكِّد خطأ الرأي الأول المطلق.. فكل زمان يحمل معه همومه وطموحاته، ومستوى الوعي فيه.. وكل مكان يعج بالمشكلات، وبالعادات، وتختلف نفسيات الناس من مجتمع لآخر.
لكن ((المرأة)) كطبيعة، وكوظيفة إجتماعية، وكنفسية.. تتشابه في كل زمان ومكان..
تبقى المرأة عاطفية، ورومانسية في كثير من الأوقات، وهاجسها الدائم: أن تنتصر على الرجل، وأن تستميله، وأن ينسى كلمة ((لا)) أمامها.. لكنها في النهاية تحتاج إلى الرجل: حماية، ودفئاً، وظلاً، وغطاءً، ولباساً!
ـ ألم أقل لك يا بنت يا ((عهد)) إن الموضوع شائك؟!
خاطبت نفسها من الداخل، وابتسامتها تتموَّه بين الظهور والاختفاء.
ولكنها ناقشت جانباً من هذا الموضوع مرة مع والدها.. فقال لها يومها:
ـ أنصحك الآن أن لا تشغلي بالك بهذا الحوار الداخلي. أمامك وقت تكبرين فيه أكثر، وتنضج فيه أفكارك.. وتستطيعين أن تعثري على أجوبة مقنعة أمام أسئلتك المتلاحقة!
لم تقتنع بهذه الراحة التى أرادها لها والدها. تريد أن تعرف، وتسأل، وتستوضح.. فالغد ما زال ضبابياً، والتجارب التي سمعت عنها من أمها، ومن قريباتها تعصف بقلبها الصغير، وتعصر عقلها المشرئب إلى الرؤية والوعي!
هناك حياة صعبة بلا شك.. تزداد صعوبتها كلما كبر الإنسان في السِّن!
ولكن- أيضاً- هناك حياة جميلة، مغرية.. لو أحسن الإنسان التصرف، وتوصل إلى رؤية واضحة.. ليعيش حياته بالعقل وبالعاطفة جنباً إلى جنب!
صحيح.. لماذا ترهق عقلها من الآن بهذه الزلازل والصواعق من الاسئلة؟!
وعاد إليها صوت أمها هذه المرة... كأنها تصرخ بعد أن نفد صبرها:
ـ يا عهد... الناس على وصول.. بنات إيه دول يا اخواتي؟!
ويمر الوقت بطيئاً وسمجاً.
كانت تتابع حديث صديقات أمها اللواتي جئن للزيارة، وتزجية الوقت.
ضغطت على نفسها... حتى تستمر في متابعتها لأحاديثهن، فشعرت بغثيان، وبملل.
الأولى من صديقات أمها: كانت تتحدث طول الوقت عن الخادمات الأجنبيات ((الأعجميات))، وتروي مواقف وحكايات مع خادمتين عندها- قالت:
ـ وروني النجوم في عز الضهر. ما يشتغلوا يا أختي. واحدة اسم الله عليها تحب ترقص. أي موسيقى تسمعها ولو من بعيد.. على طول وسطها بيشتغل. وتلبس قصير، والبنت صغيرة، وشكلها مش بطال!
ـ قاطعتها صديقة أخرى: ما هي عاجبتك... والا خايفة على زوجك؟!
ـ التفتت نحوها تقول: لا مالك حق.. زوجي في حاله، بعدين أنا حلوة، وأقدر أخلِّيه يستغني عن أي امرأة. نحن ما كبرنا يا أختي.. لكن زوجونا صغار، علشان كده أولادنا صاروا طولنا!
ـ قالت ثالثة: أنا عندي خدامة واحدة، لكن.. خلاص شوية واتجنن. لازم تخرج كل أسبوع. قال إيه.. علشان ترقص في نادي السفارة. واكتشفنا أنها تتكلم بالتليفون مع واحد، ومواعيد، وغرام.. يا عيني. بس أنا محتاجة لها. أعمل إيه.. شغل البيت كثير وما يرحم، وأنا ما عاد عندي عافية.
ـ قالت رابعة: الله يرحم جداتنا، وبعض أمهاتنا.... كانوا يغسلوا في الطشت، ويشعلوا النار و ((الدافور))، ويطبخوا قدام النار بالفحم، ويكنسوا وهم يزحفوا. يقولوا إيه لو سمعونا الآن؟!
ـ قالت الأولى: يا شيخة... ذلك زمان ولَّى وانقضى!
ـ قالت الرابعة: بتقوليها بالفصحى. زمان ما كان فيه أجهزة تكييف تكسر الظهر. ولا مصاعد، وكانوا يمشوا.
ـ قالت أم عهد: إيه.. نحن حنقلبها مناظرة ومقارنة بين الأمس واليوم؟!
ـ قالت الثالثة: سمعتوا عن ((أم صالح))؟!
ـ قلن جميعاً بصوت واحد: لأ... إيه؟!
ـ شفتوا المرة ((الكركوبة)) عملت إيه في ولدها.. خلَّته يطلِّق زوجته!
ـ صحيح إنها ((أم صالح)).. حرام عليها.
ـ ما قدرت يا أختي... ولدها كان آخر العنقود، أصغر أخواته... غارت لمَّا تجوز وفتح بيت، وما صار يروح لها ولا يشوفها. قالت: والله انتقم من مراته، وأطلقها.
ـ وذنبها إيه بنت الناس؟!
ـ مجنونة بعيد عنك.. لازم تشقي ولدها.
ـ خلّيها ترضعه الآن.. يمكن ما فطمته.
ـ قالت الثانية: على فكرة.. كنت في فرح الأسبوع الماضي، وشفت ((هند)) صاحبتنا هناك زي القمر. فستان إيه اللي لابساه.. يجنِّن، يجنِّن.
ـ الله يهنيها... زوجها صاحب شركة، وكل شوية مسافر.
ـ صحيح.. قالت إنها اشترته من باريس بثلاثين ألف فرنك.
ـ الفرنك هبط.. والفستان شفته ما يسوى. دي أم لمعة.
ـ يا ناس حرام عليكم.. والله الفستان يهوس ومكلف.
ـ يا ستي... أنا زوجي موظف. أسرق يعني.
ـ ومين قال؟.. كل واحد يمد رجله على قد لحافه.
وتعالت الضحكات.. وأخذن في الانصراف، تشيعهن نظرات ((عهد)) المغتاظة، وهي تمسك بظهرها من التعب.
ـ قالت لها أمها: أتعبتك يا حبيبتي.. إنما قضينا وقت، أحسن من الملل.
ـ قالت عهد: أعوذ بالله من ألسنتهم.. دول إيه، محشَّات؟!
ـ يعني يتكلموا في إيه؟.. بس شفت ((صفية)) ظريفة جداً، وتضحّك!
ـ لا حول ولا قوة إلا بالله.. كان من الأفضل يتكلموا في موضوع مفيد.
ـ طبعاً.. إنتو الجيل الجديد ما يعجبكم كلامنا، لكن نحن قلوبنا عليكم. إن شاء الله يكون زمانكم أحسن!
حملت ((عهد)) معها كلمة أمها، أو دعاءها الأخير، وعادت إلى غرفتها تردد كلمة أمها لها:
ـ إن شاء الله يكون زمانكم أحسن!
عاودتها من جديد أفكارها التي تركتها في غرفتها حين نادتها أمها:
ـ ما هي قضية المرأة.. قضيتي الآن، وقضيتي حينما أكبر، وأصبح امرأة مكتملة؟!
الآن... لا بد أن. أواصل تعليمي، وأحصل على شهادة الجامعة. لا... أريد الدكتوراه!
ـ ويمر العمر يا بنت يا ((عهد))؟!
لن يمر العمر... سأختصر الطريق والوقت.. وقتي مليء بالفراغ، ولا بد أن أملأه بالمذاكرة، وبالمطالعة.
البعض يقول كلاماً يحسبه نكتة، والبعض الآخر يسخر، حين يقول:
البنت أصبحت مثقفة.. والولد ((مصفق)) للكرة، وللركض. الأولاد لم يعودوا يقرؤون. والبنات- بحكم بقائهن أطول وقت في البيت- أصبحن قارئات جيدات، وواعيات!
ليست مشكلة الأولاد.. إنها مشكلة المجتمع كله.
مشكلة البنت في هذه السن.. إنها تريد أن تذاكر لتنجح، وتريد أن تلبس أحسن وأحدث ((الموديلات))، وتريد أن تملأ فراغ وقتها.. وتخاف من هذه السن: فترة المراهقة!
ولكنها- كأنثى- تفكِّر في المستقبل: الزوج، والبيت، والأطفال، والاستقرار، وأن تكون امرأة مستقلَّة.. لها دنيتها، وكيانها.
ـ فأين المشكلة إذن؟!
مرة أخرى.. طرحت ((عهد)) هذا السؤال على نفسها.. صرخت من أعماقها.
ـ أضافت بقلق: هل أنا خائفة من شيء؟!
ربما... لقد سمعت كلام صديقات أمي عن الفتاة العروس التي طلَّقها زوجها الشاب.. وهذه الحكاية أخذت تتكرَّر كثيراً الآن. عشرات المطلَّقات، والأسباب تافهة، وعشرات الحكايات المؤلمة!!
أين الخطأ... ما هو السبب... لماذا يحدث هذا التراكم في الطلاق؟!
هذه قضية خطيرة.. إنها أكبر من احتسابها مشكلة، لكنها شروخ وشقوق في بنية المجتمع الذي تتلاحق فيه مثل هذه التجارب والحكايات
صداع... صداع في رأسي!
أمسكت ((عهد)) رأسها بيدها، وقامت متثاقلة تبحث عن حبَّة مسكِّن.
ـ سألتها أمها: متى جاءك الصداع.. من أين جاءك!
ـ قالت: بعد خروج صديقاتك.. من حكاياتهن!!
* * *
 
طباعة

تعليق

 القراءات :1029  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 102 من 545
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج