شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
بعد منتصف الليل
* أطفأت ((إلهام)) ضوء الأباجورة بجانب رأسها.. بينما أبقى ((خالد)) ضوء أباجورته، ورأسه يتوسَّد حافة السرير العليا، والتفاتته نحو زوجته إلى اليمين.. حيث استلقت وتهيَّأت للنوم، وهي تتثاءب!
ولم تكن الالتفاتة من رأس ((خالد)) عابرة.. بل كان ينظر إلى ((إلهام)) بتحديق تنبهت إليه، ورأت رأس زوجها يشبه علامة استفهام.. لكن قدرتها على متابعة هذا العرض لم تكن نشطة، فهي تشعر بالتعب، وتحس أن جفنيها يتكسران، ويكادان أن يطبقا على العينين.
ولكن ((خالد)) لم يغير وضع رأسه، ولم يحرِّك التفاتته إلى الناحية الأخرى.. كأنه بتحديقه هذا يشرد مع خاطرة، أو فكرة.. ولكن المعاني التي ومضت في عيني ((خالد)) واستقرت في ملاحظة وانطباع ((إلهام)).. تجعلها هي الأخرى تتعجب من أمر زوجها في هذه الليلة!؟
ورفعت رأسها عن الوسادة قليلاً.. كمن يريد أن يتأكَّد من منظر مشوَّش، ونظرت إلى وجه زوجها، وإلى عينيه.. ومازال ((خالد)) يتأملها، ويكاد لا يطرف له رمش.
هزته برفق من ذراعه، وابتسمت تسأله:
ـ إيه.. مالك عامل زي التمثال، والا زي جندي الحراسة البريطاني أمام قصر الملكة؟!
ـ أجاب وهو يتنبه: ما هو أنا بالفعل أشبه الآن ذلك الجندي.. مصلوب لا أرمش، وأقف عند بوابة الملكة أحرسها، كأن مهمتي قد انحصرت في هادا العمل فقط!
تحركت ((إلهام)) فوق السرير، واتكأت على الوسادة متعجبة.. تسأله من جديد:
ـ يعني إيه.. تقصد إيه؟!
ـ أنتِ عارفه أقصد إيه!
ـ لا يا سيدي.. ماني عارفه، وإنت مبوَّز.. مع أننا كنا بنضحك قدام التليفزيون.
ـ التليفزيون!.. تعرفي إني صرت ما أحب التليفزيون هادا؟
ـ ليه؟.. بيسلِّينا، وبيفرِّجنا، وكمان بيعلِّم!
ـ صحيح.. بيعلِّم الناس الصمت، خصوصاً عشاق الفرجة، ولما تخلص البرامج، يكون موعد النوم وصل.. يعني أزف باللغة الفصحى!
ـ وزعلان ليه؟.. ما هو أحسن من الجلسة اللي كلها حش في الناس؟!
ـ ما هي المسلسلات عبارة عن ((حش)) في الرجال وبس.. ليه؟ ما في كلام حلو بين زوجين بيحبوا بعض؟!
ـ طبعاً فيه، لكن.. ما هو دا الموضوع، صارحني.. مالك متضايق؟
ـ بصراحة.. منك أنتِ، كأن مهمتك في البيت إنك....
ـ قاطعته: تقصد اتفرج على التليفزيون وأهملك؟
ـ تعرفي الصورة الساخرة اللي انكتبت مرة عن التليفزيون.. بيقولوا: إن هادا الجهاز هو أعظم وسيلة ناجعة لتحديد النسل!
ـ يا دمك.. ما تخلِّينا نكبِّر ((فارس)) شويه؟
ـ نقوم نتفرج على التليفزيون طول الليل، أو نشترك في تنويم ((فارس))، وبعدين تنامي أنت.. كده زي كأنك بتخلصي من إحراج يسببه الجلوس معايا!
ـ يا ربي.. شوف كيف تكبر الأمور في رأسك.. إنت سيّئ الظن، وتكره التليفزيون!
ـ لأ ماكرهه.. إنما أعتبره جزءاً من الوقت بنشترك فيه، لكني ألاقيك بعد هادا الوقت تعبانة وبدك تنامي، وتشتكي من المطبخ وتنظيم البيت ورعاية ((فارس))!
ـ ما لو ((فارس))؟ بدأنا نغار يا سيد ((خالد))، ما هو ولدنا إحنا الاتنين؟ قول كده من الصبح.. انت لازم تفرح لأني مهتمة بالبيت، وبإبننا.. وإلا يعني أهمله، والتفت لك وحدك؟!
ـ الله.. بدأنا نلبِّخ!.. أنا ما طلبت منك تهملي الولد، بس لازم تهتمي بالأب.. ((بعلك)) العزيز والا إيه؟!
ـ أنت تهدف لإيه بالضبط؟
ـ أنا كده بصراحة متضايق!!
ـ طيب.. اتشطَّر وأطلب ((فيزا)) لخادمة علشان تساعدني، أو على الأقل مربية لإبننا.
ـ مربية؟ لأ.. لأ!
ـ باسم الله عليك.. ومالك كأنه ثعبان لسعك؟!
ـ ما عندي استعداد أخلّي ابني يرطن بالكوري أو بالفلبيني، وبعدين يقلد الخادمة في كل شيء تربيه عليه.
ـ وأنا رحت فين.. يعني فكرك رايحه أترك ولدي للخادمة على طول؟!
ـ الكلام دحين في البراح.. بعدين الأمور تتغير!
ـ تتغير إيه.. ما هي كل البيوت أصبحت كده؟
ـ واحنا مالنا.. نقلِّد حتى الخطأ؟
ـ الحاجة يا حبيبي.. الاضطرار.. ظروف العصر؟
ـ هادا اللي فالحين فيه.. التبرير المغرض!
ـ تبرير إيه؟
ـ إنتِ فاهمة.. من فضلك أنا متضايق، وكمان ما عندي نوم، صار التليفزيون يقفل بدري، وأنا ماني فرخة أنام بدري!
ـ أنتَ عندك عمل.. والا انت مدير، أنا نسيت، المدير يروح الساعة عشرة ونص!.
ـ الوقت بدري.. نفسي اتكلم معاك، نضحك مع بعض!
ـ بس ((فارس)) يا حبيبي بيصحى بدري وبيصحيني معاه، ومسؤولية البيت، و......
ـ قاطعها ثانية: قولي كده.. الولد، أصل طبعكم يا ستات من يوم الواحدة ما تجيب طفل، خلاص تهمل زوجها، وتخليه يعتمد على نفسه في البيت.. ((هِلْب يُورسِلْف)) يعني، والرعاية والعناية كلها للطفل.. وفي الليل تشعر بالتعب، وما تصدق ينام الطفل، وهي وراه تشخر.. طيب ذنب الزوج إيه؟!
ـ أعمل إيه، ما هو أنا وحدانية في البيت.. كل الشغل على راسي، ليه ماني من لحم ودم ولا بد أرتاح.. الآلة يريحوها؟!
ـ طبعاً منطق.. إنما المفروض انك تنظمي وقتك!
ـ تعرف إيه عن التنظيم؟ ما إنت طول النهار قاعد على كرسي دوار، وفي غرفة مكيفة، وفنجان شاي داخل، وفنجان قهوة خارج، وصف حكي.. حتى العربية فيها تكييف! فيه ترف أكتر من كده، لكن إحنا الستات نندعك في البيوت.. ننشر الغسيل في الحرارة والشمس، نكنس، نوقف قدام البوتاجاز والنار.. إيه، ما في رحمة؟!
ـ لازم يعني الموشَّح هادا، كل ما طالبت بحقوقي كرجل.. يعني الرجال بيروحوا يلعبوا كورة في المكتب، والا كوتشينة؟
ـ ما هو كمان يا خالد.. أنا كده بصراحة ما احتمل شغل البيت، ورعاية الطفل، وكمان مطالبك!
ـ عارف.. المطلوب خادمة، ومربية، وسائق.. ما هي كل البيوت أصبحت تعمل كده.. بدون مراعاة للمستوى المعيشي والمادي للزوج، ولكن الناس ما هم كلهم أثرياء!
ـ خلاص.. لما تجيب الخادمة والمربية والسائق، أخرج معاك!
ـ معايا فين.. المكتب؟!
ـ المكتب.. بس ما هو مكتبك، اشتغل، والا يعني أخذت الجامعة علشان أعلِّقها في المطبخ؟!
ـ موضوع جديد.. أهلاً!.. بالله عليكي استقدم خادمة ومربية وسائق لشقة من ثلاثة غرف وحمام واحد صغير، وشخصين، والثالث على الكتف؟.. ده حتى يسموه افتراء؟
ـ أف منك.. أختي عندها خدامتين، وأخويا عنده......
ـ خلاص.. أنهب وأسرق وأجيب دخل زيادة علشان الخادمة، وإنت تجلسي تلمِّعي أظافرك!
ـ ما قلت كده.. لكن لما أشتغل أنا، دخلنا يزيد!
ـ علشان إيه؟.. علشان يروح للخادمة والسائق، والولد يشعر بغربة؟!
ـ والحل... ما هو كده أنا تعبانة، وإنت متضايق علشان ما باسهر معاك؟!
ـ الحل في التعاون، وفي التصرف المنطقي.. إنت كيف متعلمة وفاهمة؟!
ـ خلاص.. أنا صدعت الله يكافيك.
ـ إنت اللي نبشتيني.. نامي، تصبحي على خير!
أطفأ ((خالد)) ضوء أباجورته، ووضع يده اليمنى تحت خده، وأغمض عينيه!
وساد الصمت والظلام أرجاء الغرفة، ولكن ((خالد)) لم ينم رغم إغماضه عينيه، و ((إلهام)) بقيت مشرعة الجفنين، عصف بها القلق.. تفكر في حوار زوجها معها!
وجفاها النوم.. تقلبت، وأحست أن زوجها لم ينم، ولكنه يعطيها ظهره! اقتربت منه.. أدخلت يدها اليمنى تحت رقبته، وتسلَّلَت يدها اليسرى تغطِّيه، ثم همست من خلفه:
ـ خالد.. خالد، إنت نمت؟!
لم يجبها، ولكنه تحرك وهي تعتقله بيديها، وكررت همسها:
ـ خالد.. إخص عليك، لازم يعني تخليني أنام متنكدة؟ استدار ((خالد)) نحوها.. وجهه يواجه وجهها في صمت وظلام الغرفة، وقال:
ـ أنا ما قصدت.. كان غرضي إنك تجلسي معايا نتكلم، نضحك، أو.. أتأمل في عيونك، ما تعرفي إن عيونك دنيتي؟!
ـ الله.. أحبك، كان قلت كده من الأول!
ـ وإنت أعطيتيني فرصة؟!
ـ خلاص.. سماح، خلينا نحلم أحلام سعيدة، أنا جنبك وتنام زعلان؟!
ـ خلاص.. لا تخليني أحلم أحلام يقظة!
ـ أنا بردانة.. المكيف برّد!
ـ وأنا دفئك!
 
طباعة

تعليق

 القراءات :1146  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 69 من 545
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

الاثنينية - إصدار خاص بمناسبة مرور 25 عاماً على تأسيسها

[الجزء الخامس - لقاءات صحفية مع مؤسس الاثنينية: 2007]

الغربال، تفاصيل أخرى عن حياة وآثار الأديب السعودي الراحل محمد سعيد عبد المقصود خوجه - الجزء الثاني

[تفاصيل أخرى عن حياة وآثار الأديب السعودي الراحل محمد سعيد عبد المقصود خوجه: 2009]

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج