الاثنينية ::المكتبة

مكتبة الاثنينية

> > > > > > امتداح جران العود نفسه

امتداح جران العود نفسه

وامتداح الشاعر نفسه أو الفخر، كما يسميه القدماء قليل في شعر (جران العود) فهو لا يأتي به إلا عرضاً بين أبيات قصيدة غزلية. ثم يوعز إليك الرجل باللمحة العارضة أو الإِشارة السريعة، ومن امتداحه نفسه قوله:

وقالت لنا: والعيس صعر من البرى

وأخفافها بالجندل الصم تقذف

وهن جنوح مصغيات كأنمـا

يراهن من جذب الأزمة غلف

حمدت لنا حتى تمناك بعضنـا

وأنت امرؤ يعروك حمد فتعرف

رفيع العلا في كل شرق ومغرب

وقولك ذاك الآبـد المتلقـف

وفيك إذا لاقيتنـا عجرفيـة

مراراً وما نستطيع من يتعجرف

تميل بك الدنيا ويغلبك الهوى

كما مال خوار النقا المتقصف

ونلقي كأنا مغنم قد حويته...

وترغب عن جزل العطاء وتسرف

و (لجران العود) غير هذه الأبيات بيتان خالصان للفخر، لم يجره إليهما الاستطراد، ولم توحيهما إليه المناسبة، هما:

نحن النجوم يرانا الناس كلهم

بوناً بعيداً عن المخزاة والعـار

لو كانت النار للأعداء موقدة

ونحن شَنٌّ إذاً هالوا إلى النـار

ويقول من قصيدة غزلية:

ألا يا رب ذي شـرف ومجـد

سينسب إن هلكت إلى القبور

ومسبوح الأشاجـع أريحـي

بعيد الذكر كالقمـر المنيـر

رفيع الناظرين إلـى المعالـي

على العلات ذي خلق يسيـر

يكاد المجد ينضح مـن يديـه

إذا رفع اليتيم عـن الجـزور

وألجأت الكلاب صبـا بليـل

فآل نباحهـن إلـى الهريـر

وقد جعلت فتاة الحـي تدنـو

مع الهلاك من عـزم القـدور

وكان اللحم يبسـره أبوهـا

أحب إلى الفتـاة من العبيـر

فما أنا للمطيـة بابـن عـم

ولا للجـارة الدنيـا بزيـر

ولكن ما تـزال بـي المطايـا

خفاف الوطء جائلة الصقـور

ببلقعـة كـان الأرض فيهـا

تجهـز للتحمـل والبكـور

وهذه الأبيات من أجود ما قيل في الفخر.

ولله ما أروع هذا البيت، الذي أستعيده المرة تلو المرة.

وملء نفسي شعور ما أستطيع

أن أكيفه تكييفـاً صحيحـاً

يكاد المجد ينضح مـن يديـه

إذا رفع اليتيـم عـن الجـزور

ولعل مما كان يساعد (جران العود) على ندرة امتداحه لنفسه عاطفته غير التجهمية، وللنساء في هذا نصيبهن الأوفر في ترقيق حواشيه بعض الشيء، وإن كانت عزته وغروره الشعري يأبيان عليه أن يعترف بذلك، إلا أن يسبقه لسانه في سرد قصة أو رواية حادثة له معهن. أو لعله يستحلي ذلك يتفكه به.