شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
رثاء إنسان ((عبد الباسط عثمان)) (1)
لعل من مآسي هذا الزمن الذي نعيشه الجحود والنكران لبعض أصحاب الكلمة الذين يخرجون من هذه الدنيا فلا نسمع عن مآثرهم شيئاً، وتكتفي الصحف بخبر مقتضب عنهم، بينما تفرد الصفحات لنجوم الفن والسينما والرياضة.
عبد الباسط عثمان رجل مثقف - بكل ما تعنيه هذه الكلمة - عاش بيننا حوالى عقدين من الزمن، فلقد تعرفت عليه في صحيفة المدينة الغراء مترجماً وباحثاً، فلقد كان يتحدث الإنجليزية بطلاقة ويجيدها كتابة وثقافة.
وكان يعرف الكثير عن الصحافة الإنجليزية ورموزها القديمة مثل مايكل فووت، وبابرا كاسل، وريتشارد كروسمان، وهي أسماء جمعت بين إجادة فن الكلمة والتعامل مع الشأن السياسي، وكان (مايكل فووت) إذا ما خطب في مجلس العموم، أو خارجه ينصت إليه رفاقه وخصومه بإعجاب، وتعترف مارجريت تاتشر والتي زاملته زعيماً للمعارضة العمالية في الفترة 1979 - 1983م بأنه أي (فووت) كان متحدثاً موهوباً، وكان فووت يمشي إلى مجلس العموم على عصاه بلباسه الشديد البساطة فلقد كان عمالياً حقاً وعلى النقيض من بعض المثقفين العرب الذين يدعون الانتماء إلى اليسار، أو التوجه الاشتراكي، فلا يطيب لهم إلا أن يحلوا نزلاء في الفنادق الباهظة الكلفة والجامعة لأنواع الترفيه، وتبلغ كلفة إنفاق أحدهم على تدخين السيجار ما يقرب من عشرين ألف دولار في العام الواحد، ثم يتحدثون - متوهمين السذاجة في الناس - عن منافع التأميم وتقاسم الثروة.
أصيب (عبد الباسط) المثقف والإنسان - بمرض الفشل الكلوي فهب أهله في السودان الشقيق - وهم أهل شهامة ووفاء - للتبرع له بكلية تزرع مكان الكلية السقيمة ولكن ضيق ذات اليد حال بينه وبين شراء الدواء الذي يحول دون رفض الجسم للكلية المستنبتة ورأيته قبل أشهر في زيارة للصديق الأستاذ علي حسون في صحيفة البلاد وهو متكئ على باب الصحيفة متألماً فسألته عن الأمر فأجاب بصوت خفيض وهادئ أحسست من نبراته طمأنينة القلب والرضا بالقضاء والقدر داخل تلك النفس الصافية التي يتوطنها الحب الصادق لكل ما هو جميل في هذه الحياة، فلقد كان عبد الباسط - يرحمه الله - في صحته ومرضه يشيح بوجهه عن مواضع القبح في هذه الدنيا.
إن من حق الزميل عبد الباسط علينا أن نكرمه من خلال رعاية كريمة يقوم بها الإخوة الكرام في صحيفتي المدينة والبلاد لأسرته التي لا أعرف عنها شيئاً، ولكن تذكر الإخوان لأسرته بعد وفاته، سوف يمسح شيئاً عن أسرته مما تعرضت له من حزن وأسى بعد فقده بعد أن أمضى زمناً طويلاً يقلب في ملاحق الصحافة العالمية السياسية منها والاقتصادية والفكرية، ليضع هذا الزاد الفكري بين أيدي المتطلعين - بشغف - لما يدور في هذا العالم الذي أضحت ضريبة التقدم والرقي فيه بعضاً من النسيان وشيئاً من الجحود، ولكننا ولله الحمد في مهد العروبة والإسلام نملك رصيداً ضخماً من قيم الشهامة والنبل والوفاء.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :566  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 447 من 482
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

الغربال، قراءة في حياة وآثار الأديب السعودي الراحل محمد سعيد عبد المقصود خوجه

[قراءة في حياة وآثار الأديب السعودي الراحل محمد سعيد عبد المقصود خوجه: 1999]

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج