شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
((أمين بن حسن الحلواني المدني: جهوده العلمية
وصلاته مع الشخصيات العلمية والاستشراقية في عصره))
مع دراسة لبعض جوانب الحياة الثقافية والفكرية في المدينة المنورة
في مطلع القرن الرابع عشر الهجري
لا يمكن للباحث أن يتعرف على شخصية أمين بن حسن الحلواني المدني المتوفى سنة 1316هـ - 1898م(1) دون أن يُلِم بشيء عن الخلفية العلمية والفكرية للمدينة المنورة في مطلع القرن الرابع عشر الهجري، إضافة إلى تلك الصلة التي انعقدت أواصرها بين الحلواني من جهة وشخصية العالم اللغوي والأديب محمد بن محمود بن أحمد بن محمد التركزي الشنقيطي والمتوفى في مصر سنة 1322هـ - 1904م، ثم صلتهما - معاً - بالمستعرب السويدي الأصل كارلو لاندبرج (1848 - 1942م) والذي قدم دعوة للتركزي نيابة عن ملك السويد والنرويج آنذاك (أسكار الثاني) لحضور مؤتمر المستشرقين الثامن المنعقد في مدينة استكهولم 1306هـ - 1888م والذي حضره ما يقرب من 646 شخصية علمية مهتمة بقضايا اللغة العربية وفكرها وأدبها إلا أنه من خلال ما توافر لدينا من معلومات فإن أمين الحلواني قد ذهب إلى ليدن وأمستردام في سنة 1301هـ - 1883م، وتوطدت علاقته مع مستشرق آخر معروف وهو ك. سنوك هورخرونيه والذي قام برحلة إلى مكة المكرمة في نهاية القرن التاسع عشر 1884 - 1885م والتي أخذت العنوان التالي عند ترجمتها إلى الإنجليزية:
Mekka in The Latter Part of The 19th Century.
(مكة في الجزء الأخير من القرن التاسع عشر الميلادي)، بينما حملت العنوان التالي باللغة العربية وهو (صفحات من تاريخ مكة المكرمة)، وذلك عند قيام دارة الملك عبد العزيز بإخراج هذا العمل في جزءين بمناسبة مرور مائة عام على تأسيس المملكة العربية السعودية، وقام بترجمة النص الأصلي لرحلة سنوك الدكتور علي عودة الشيوخ وأعاد صياغته وعلق عليه كل من الدكتور محمد محمود السرياني والدكتور معراج نواب مرزا.
إلا أن خطوة هامة وجديرة بالتوقف والإشادة تمت قبل قيام الدارة بهذا العمل وهو إقدام (نادي مكة الثقافي) بترجمة الجزء الثاني من كتاب المستشرق سنوك(2). وتشير الترجمة التي أعدها مترجمو الكتاب عن سنوك بأن هذا الأخير تعرف على أمين الحلواني في مؤتمر المستشرقين في ليدن سنة 1883م، وأن الحلواني نشر انطباعاته عن المؤتمر فسارع سنوك إلى ترجمتها عن جريدة البرهان القاهرية، وأن الحلواني بعد ذلك سافر إلى الهند بعد انتهاء المؤتمر حيث عمل هناك على طبع كتاب (القرب في محبة العرب) لعبد الرحيم العراقي) شهر صفر 1302هـ - 1884م، وقد وصف نفسه - أي الحلواني - ب (المدرس بالروضة المطهرة)، وبعد انتهاء المؤتمر الاستشراقي بسنة سافر سنوك هورخرونيه بصحبة القنصل الهولندي (كروات) Kruyt (3).
وإن كان من أوائل من تحدثوا عن رحلات سنوك إلى الديار المقدسة الأستاذ الدكتور عبد اللطيف بن عبد الله بن دهيش عضو هيئة التاريخ بجامعة أم القرى بمكة المكرمة وصدرت هذه الدراسة الموجزة والهامة عن جامعة الملك سعود ((الرياض)) - سابقاً - سنة 1399هـ - 1979م وحملت اسم مصادر تاريخ الجزيرة العربية إلا أن ابن دهيش لم يتعرض في دراسته القيّمة والرائدة هذه عن الصلة التي قامت بين أمين الحلواني والمستشرق سنوك(4) وهو الموضوع الذي دعانا إلى مثل هذه الوقفات عن المستشرق سنوك ورحلته إلى مكة المكرمة.
التركزي وصلته بعلماء المدينة المنورة:
من الشخصيات العلمية البارزة التي استقرت لفترة في بلاد الحرمين الشريفين، شخصية العالم اللغوي والأديب محمد بن محمود بن أحمد بن محمد التركزي الشّنقيطي والمتوفَّى في مِصْر سنة (1322هـ - 1904م) فبعد أن قدم إلى مكة المكرمة مجاوراً، انتقل إلى المدينة المنورة ولهذا فهو ينعت نفسه بالشنقيطي المدني المكِّي، وفي ذلك تأكيد لما ذهبنا إليه خلال هذا البحث من تمكن الهوية الإسلامية والعربية عند أهل العلم، وانتفاء الشعور السلبي عند ذكر البلد الذي ينتمي إليه الإنسان أصلاً، ثم ذكر الأمكنة التي استقر فيها طلباً للعلم أو مخاطئاً لأهلها ومجاوراً لسكانها.
وعند إقامته بالمدينة المنورة اختلف مع بعض علمائها مثل السيد أحمد البرزنجي المتوفى (1337 - 1919م)، وكان الخلاف حول ما تضمنته رسالة السيد البرزنجي الموسومة: (إصابة الداهي، شاكلة إعراب إن لم يجد إلا هي). وعبارة (إن لم يجد إلا هي) (وردت في كتاب (الموطأ) للإمام مالك - إمام دار الهجرة - وفي باب النذور بالتحديد، حيث قال إمام دار الهجرة: ((فمن نذر المشي فليمش ما قدر عليه ثم ليركب وعليه هدى بدنه أو بقرة أو شاة إن لم يجد إلا هي))، فعلّق الفقيه المالكي أحمد بن محمد العربي زروق على هذه العبارة الأخيرة من ناحية لغوية صرفية بقوله: ((حيث إن مقتضى القوانين العربية أن يقال: إلا إياها، إذ الضمير مفعول إليه الفعل المتعدي وهو (يجد).
(وهذا الخدش واضح التعليق بعبارة الإمام وهو - رضي الله عنه - وإن لم يكن من أرباب السليقة العربية الذين يلتزمون في كلامهم عدم الحيادة عن قوانينها بل إن مالك بن أنس من الأئمة الذين يُحتج بأقوالهم دون استعمالِهم، لكن حَمْل كلام مثله على موافقة قواعد اللسان واجبٌ ما أمكن)).
ويبدو أن السيد البرزنجي دفعاً لتهمة التقليل من شأن الإمام مالك، دفع بالسؤال إلى أحد علماء المذهب المالكي في عصره والذين قدموا إلى المدينة المنورة - آنذاك - وهو الشيخ زروق، وهذا الأخير بدوره أرسل إلى شيخه سالم بوحاجب التونسي ليسأله عن هذ الإشكال اللغوي والذي كشف السيد البرزنجي أن أول من أثار الكلام حوله هو أحد العلماء المجاورين بالمدينة المنورة الشيخ السيد حبيب الرحمن ابن السيد علي اللكنوي، الموسويّ نَسَباً، المدني مُهاجراً)).
ولهذا نجد أن حكمة السيد البرزنجي تدفعه لأن يورد في رسالة موجزة من تأليفه تناقش هذه القضية رأي علماء المالكية أولاً من أمثال الشيخ زروق وشيخه بُوحاجب التونسي، ثم يورد رأيه في الموضوع نفسه في الرسالة التي تضمنت مختلف الآراء والتي أسماها (إصابة الداهي شاكلة إعراب إن لم يجد إلا هي) ولقد طُبعت الرسالة والتي أحتفظُ بنسخة منها بالمطبعة الرَّسمية التونسية سنة 1309هـ. ونجد في الترجمة التي كتبها الزركلي للسيد البرزنجي يورد - أي الزركلي - اسم الرسالة مختلفاً كالتالي: (إصابة الدواهي في إعرب إلاهي)(5).
وإذا كان الشيخ التركزي، مثل بقية علماء شنقيط، مالكي المذهب وكانت له صلاته بالسلطان العثماني (عبد الحميد)، وأن السيد البرزنجي كان شافعي المذهب، بل إنه كما ورد في ترجمته عند الزركلي قد تولى منصب إفتاه الشافعية بالمدينة المنورة، كما أنه انتخب نائباً عن البلدة الطاهرة في مجلس النواب العثماني بإسطنبول.
إذا أخذنا جميع هذه الحيثيات، سهل علينا تفهّم دواعي تلك الحملة التي قادها التركزي ضد البرزنجي ورصيفه الشيخ عبد الجليل برادة، وحمل حملاً عنيفاً كذلك على منتداهم الأدبي في بستان الأبَّارية البرَّادية والذي كان يقوم قرب باب بقيع الغرقد بالمدينة المنورة، مدعياً في حماسته أنهم تجرأوا على تلحين الإِمام أبي عبد الله مالك بن أنس (إمام دار الهجرة) وذهب - أي التركزي - إلى حد بعيد في التعرض بغير وجه حق لنسب آل البرزنجي(6).
نتج من هذا التعاطي مع هذه القضايا، التي تدخل في باب الشكليات ولا تمس جوهر العلم أو تتعرض للمقدس من أمور الشريعة(7)، قيام علماء المدينة بالرد على الشيخ التركزي، فكتب السيد البرزنجي رسالة سماها (فتكة البراض بالتركزي المعترض على عياض) لأن التركزي في الوقت الذي دافع فيه عن الإمام مالك، خطّأ أحد أعلام المذهب المالكي صاحب كتاب (ترتيب المدارك وتقريب المسالك لمعرفة أعلام مذهب مالك) وهو القاضي عياض بن موسى بن عياض اليحْصُبي(8) ، ولد بسبته سنة 496، وتوفي بمراكش 544هـ وجاء رد التركزي في شكل قصيدة حادة سماها: (فتكة التركزي الناظم بالبرزنجي المدعي نسبة مزورة إلى موسى الكاظم) والقصيدة التي تجاوزت المائة من الأبيات الشعرية مثبتة في كتاب التركزي الذي أشرنا إليه (الحماسةُ السَّنيةُ الكاملة المزيّة) القسم الثاني، 13 - 21.
ومن المأخذ على الشيخ التركزي تعرضه لأنساب الأسر المدنيَّة وكان بإمكانه وهو صاحب فقه ودراية بمقتضيات الشريعة ألا يُقحم النَّسب في قضايا علمية أُشبعت بحثاً، ولكن يبدو أن خلاف العلماء يتجاوز أحياناً الحد المطلوب من الانضباط الخلقي ويدخل في متاهات تجر على أطرافها الكثير من العنت والمشقة. ولهذا الخلاف الحاد الذي وقع بين التركزي من جهة وعلماء المدينة (البرزنجي والبرادة) من جهة أخرى طلبت الحكومة التركية من التركزي مغادرة المدينة فرحل إلى مصر واتصل بالعالم المعروف (آنذاك) الإِمام الشيخ محمد عبده. ولقد وجد التركزي في أحد علماء المدينة المنورة (آنذاك) وهو أمين بن حسن الحلواني المدني المتوفى (1316هـ - 1868م) معاضداً مؤازراً وخصوصاً أن (الحلواني) اختلف هو الآخر مع بعض علماء المدينة المنورة في تلك الحقبة وذلك بعد تأليفه في سنة (1292هـ - 1875م)، رسالة ينكر فيها صحَّة المُخلَفات النبَّوية. كما أصدر سنة 1312هـ رسالة تحت عنوان (السيول المُغْرقة على الصَّواعق المُحْرقة)(9)، ويذكر محب الدين الخطيب أن الكتاب رد على السيد أحمد أسعد المدني وهو من المنتمين إلى طريقة الشيخ أبي الهدى الصيَّادي، ولكن الرسالة المذكورة لم تحمل اسم الحلواني بل حملت اسماً مستعاراً وهو عبد الباسط المنوفي(10).
ويشير المستشرق (سنوك) (SNOUCK) (11) إلى توجه الحلواني المخالف للتَّوجهات الدِّينية السائدة (آنذاك)، ولكنه (أي سنوك) يُورد وُجْهَة النَّظَر المختلفة الأخرى والتي جاءت على لسان أصدقاء الشيخ مظهر المدني، بأن كتابته ضد المخلفات النبوية هي نتيجة لعامل الحسد الذي يلاقيه الشيخ مظهر من أمين الحلواني.
كيف قامت العلاقة العلمية بين الحلواني والتركزي من جهة والمستشرقين لاندبرج وسنوك من جهة أخرى؟
كان لنزوح التركزي والحلواني أثره على حياتهما العلمية فلقد أقاما علاقة مع المستشرق السويدي ((الكونت كارلو لاندبرج)) Carlo –Landberg ، والذي تخصَّص في دراسة لهجات جنوب الجزيرة العربية(12).
وكان لاندبرج يشغل أيضاً منصباً رسمياً، وهو سفير السويد والنرويج لدى مصر، فقدمت دعوة من ملك السويد والنرويج (أسكار الثاني) عن طريق السلطان العثماني عبد الحميد الثاني، للشيخ محمود التركزي لحضور مؤتمر المستشرقين الثامن المنعقد في مدينة استكهولم، وكُلِّف (لاندبرج) بالإشراف على متطلبات الرحلة ولكن التركزي اشترط شروطاً عدة يجب تنفيذها من قبل الدولة العثمانية حتى يوافق على السفر، ولكن عدم قدرة الدولة العثمانية على تحقيق بعض الشروط حال، كما يبدو، دون حضور التركزي ذلك المؤتمر، ولكن حماسته نتجت منها قصيدة يمدح فيها ملك السويد (أوسكار الثاني)، ويشيد بحبِّه للعلم بحسب طلب السفير (لاندبرج) وقد بلغت أبيات القصيدة حوالي مائتي بيت على نسق الشعر العربي القديم(13).
ويبدو أن (لاندبرج) شجع الحلواني للسفر إلى ليدن سنة (1301هـ - 1883م)، وكان بصحبة الحلواني مجموعة مهمة من المخطوطات يبلغ عددها (664) مخطوطة، فابتاعتها منه مكتبة ليدن الغنية بنفائس المخطوطات العربية(14).
ويذكر الباحث المتخصص في شؤون الاستشراق قاسم السامرائي أن جامعة برنستون بأمريكا اشترت قسماً من هذه المخطوطات(15).
وأثمرت العلاقة العلمية بين الحلواني ولاندبرج، بأن قام هذا الأخير بوضع فهرس للمخطوطات التي جلبها الحلواني من المدينة المنورة عن طريق مصر إلى ليدن، وكتب مقدمة له. وتحتوي مكتبة جون رايلاندز بجامعة مانشستر: على نسخة من هذا الفهرست:
John, Rylands, Library, of Manchester
والذي قمت بمساعدة بعض الزملاء في جامعة مانشستر في أثناء دراستي بها (1982 - 1986م) بالحصول على نسخة منه والذي صنف باللغة الفرنسية ويحمل اسم:
Catalogue de Manuscrits Arabes.
Provenant d'une Bibliotheque Privee Almedina
Redige par, Carlo Lanoberg Leide - E.J. Bril LL 1883
((فهرس مخطوطات عربية مأخوذة عن مكتبة خاصة بالمدينة)).
ثم عملت على ترجمته من لغته الأصلية الفرنسية - التي كتب بها الفهرست - إلى اللغة الإنجليزية.
استطاع الحلواني أن يقيم في رحلته تلك لمؤتمر المستشرقين علاقة أيضاً مع المستشرق الهولندي ((سنوك هورخرونيه)) والذي قام هو الآخر برحلة معاكسة إلى مكة المكرمة في شهر فبراير عام 1885م، ودوّن خلال رحلته الشهيرة تلك كتابه (مكة المكرمة في نهاية القرن التاسع عشر الميلادي).
ومن الملحوظات الجديرة بالدراسة هي اهتمام المستشرق الهولندي (سنوك) بالعلاقة العلمية بين علماء الحرم المكي الشريف والمؤسسات التعليمية في جنوب شرق آسيا وخاصة (إندونيسيا)، وكانت الكتب المعتمدة في الثقافة الدينية في إندونيسيا هي تلك التي يعتمدها علماء مكة المكرمة في جميع التخصصات الدينية.
ويذكر الدكتور مارتن برونسن(16) أن أكثر هؤلاء العلماء تأثراً هم أولئك الذين ازدهروا علمياً في مكة المكرمة، في نهاية القرن التاسع عشر، ومن هؤلاء أحمد زيني دحلان، مفتي مكة المكرمة الشافعي خلال مكوث سنوك هورخرونيه هناك، ثم معاصرة السيد بكري بن محمد شطا.
وقد قمت بمكاتبة القيِّم على القسم الشرقي بمكتبة بريل ((لندن))، الباحث J.J. Witkam مستفسراً عن العلاقة الحلواني وسنوك التي ربما استثمرها الأخير في معرفته بالطريق المؤدي إلى الجزيرة العربية وإلى مكة خاصة - فأجاب (وتكام) أن مكتبة ليدن تحتفظ بصورة للشيخ الحلواني وعليها إهداؤه الخاص للمستشرق سنوك، ولقد قام هذا الأخير بترجمة انطباعات صديقه الحلواني عن مؤتمر المستشرقين من اللغة العربية إلى اللغة الهولندية.
ولعلّ في الرسالة المُوَجَّهةِ إليّ بتاريخ 6 يناير، 1986م من Witkam(17) ما يجيب عن تساؤلات الدكتور قاسم السامرائي عما إذا كانت هناك علاقة بين الحلواني وسنوك، ودور هذه العلاقة، كما يذكر السمرائي، في رحلة سنوك إلى جدة ومن ثم إظهاره الإسلام، ودخوله مكة المكرمة.
لعلّ من المفيد أن نشير إلى أن خروج التركزي والحلواني من المدينة بسبب خلافاتهما الفكرية مع بعض علماء عصرهم، قد فتح أمامهم أبواب مستقبل علمي جديد، كان من ثمراته هذ الالتقاء العلمي والفكري بين الشرق والغرب، على الرغم من كل الشكوك التي يثيرها البعض حول الدواعي الحقيقية لمثل هذه اللقاءات العلمية، وعائدها الإيجابي على مستقبل الأمة الحضاري والفكري.
الحلواني وكيفية اقتنائه أو حصوله على هذه المخطوطات:
لقد أثار عدد من الدارسين تساؤلات عدة عن كيفية حصول أمين الحلواني على هذا العدد الكبير من المخطوطات النفيسة والنادرة، وكان الأستاذ المرحوم محمد حسين زيدان من الذين اثاروا فقدان مكتبة عارف حكمت لعدد كبير من مخطوطاتها وكان ذلك في حفل التكريم الذي أقامه الأستاذ الأديب عبد المقصود خوجه لمحقق التراث المعروف الأستاذ صلاح الدين المنجد، وذكر الأستاذ الزيدان بأن أحد المسؤولين عن المكتبة فرَّط في عدد كبير من مخطوطات المكتبة الهامة، وكانت المكتبة تقوم في الناحية القبلية من المسجد النبوي وبالقرب من موقع دار أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه. ولما سمعت ذلك تواردت إلى ذهني الشكوك التي دارت حول أمين الحلواني وإن كان الأستاذ الزيدان لم يذكره بالاسم فلقد ذكره غيره في مناسبة أخرى، ولهذ أروي هنا ما دونته عن المرحوم السيد حبيب محمود أحمد والذي كان مسؤولاً لمدة طويلة عن الحرم النبوي الشريف والمكتبات التابعة لوزارة الحج والأوقاف - سابقاً - قبل أن تصبح وزارتين مستقلتين. فلقد أكد لي - شخصياً - رحمه الله أنه للتحقق من هذه القضية كلَّف كلاً من الأستاذ محمد حميدة الطيب - أطال الله بقاءه - والأستاذ محمد سعيد عبد القادر الشلبي - رحمه الله - ووالد هذا الأخير كان له الفضل في تزويد الأستاذ الزيدان بالثقافة الدينية والعربية والتاريخية، فقام الاثنان بعملية مراجعة الكشوف القديمة في المكتبة منذ عام 1300هـ والتي كان الغرض منها جرد الكتب سنوياً، وتقديم كشف بعملية (الجرد) هذه، للمسؤولين، ثم قاموا بعملية جرد لمحتويات المكتبة، فكان الفرق بين ما أثبتته الكشوف القديمة الموثقة وعملية الجرد المتأخرة، هو حوالي (130) مخطوطة وأن ما يقرب من حوالي (70) أو (80) مخطوطة قد عاد إلى الآستانة بطلب رسمي من المسؤولين - آنذاك - وأن المفقود من المخطوطات وهو لا يتعدى أربعين أو خمسين مخطوطة هو من الرسائل الصغيرة، وعلّق أبو حمدان إن هذا إبراء لذمة أمين المكتبة الشيخ إبراهيم خربوطلي - رحمه الله - وذكر لي - أدامه الله - أن القائد العثماني فخري باشا، حاول قبل تسليم المدينة أن يقنع حفيدة شيخ الإسلام ومؤسس المكتبة - عارف حكمت - أن تسمح له بنقل المكتبة إلى تركيا فرفضت بشدة، ومع هذا فقد أمر بنقل المكتبة وعندما وصلت إلى الشام قامت الحرب العالمية الأولى فظلت المكتبة هناك وبعد انتهاء الحرب - أمر الشريف عبد الله بن الحسين بإرجاعها إلى المدينة - وأنه على الرغم من وجود مخطوطات المكتبة بالقرب من نهر بردى فإنها لم تصب بأذى، وحتى أكون أكثر دقة فإن اسم الشخص الذي أمر بإرجاع المكتبة سمعته من الشيخ الفاضل جعفر بن إبراهيم فقيه - رحمه الله - بداره السابقة (بصيَّادة) بحي باب المجيدي، ورواية السيد حبيب والشيخ الفقيه الذي كان مسؤولاً عن مكتبة المدينة العامة، وبذل جهوداً كبيرة في ضم عدد من مكتبات المدارس الخاصة وبعض المجموعات الهامة التي كانت في دور العلم والمعرفة بالبلد الطاهر، مثل مجموعة السادة آل الصافي، ومجموعة محدث الحرمين الشريفين الشيخ عمر حمدان المحرسي، أقول إن هاتين الروايتين اللتين سمعتهما بأذني متطابقتان إلى حد بعيد.
إضافة إلى ما ذكرناه فإن الحقبة التي عاش فيها أمين الحلواني وهي نهاية القرن الثالث عشر ومطلع القرن الرابع عشر الهجريين هي حقبة تتسم بالأمن نسبياً لأن عمليات السطو على الكتب تتم في الحقب التي يتدهور فيها الأمن تدهوراً تاماً ولم يحدث ذلك إلا عند حصار المدينة - في عهد القائد التركي المعروف فخري باشا في الفترة ما بين 1334هـ - 1337هـ(18).
وإذا أخذنا في الاعتبار أن والد الحلواني كان من أعيان المدينة المنورة وأفاضلها، إضافة إلى أنه شخصياً من أهل العلم وكان مدرساً بالحرم النبوي الشريف كما كان حريصاً على إقتناء الكتب ونسخها ونشر المخطوط منها وخصوصاً أنه استقر في مصر وفترة أخرى بالهند، ولقد كان كثير من التراث الإسلامي والعربي يخرج منشوراً ومضبوطاً ومحققاً عن القاهرة بمصر وبومباي بالهند، ولقد أدرك الحلواني بذكائه أهمية الرحلة في طلب العلم ولم يتوقف حتى لقي مصرعه في بادية طرابلس الغرب سنة 1316هـ - 1898م، وبناءً عليه فإن ما يدور حول شخصية الحلواني والمخطوطات التي ابتاعتها منه مكتبة بريل، هو مما يدخل في دائرة الظن وليس في باب التحقق والتثبت، وفي النهاية لقد بقيت هذه المخطوطات ذات الأهمية البالغة والمتنوعة في الفنون التي تتطرق إليها. ومن هذه الفنون ما هو نظري ومنها ما هو تطبيقي محض. نعم لقد بقي هذا التراث محفوظاً ويمكن لطلاب العلم الاستفادة منه، وهناك تراث عربي وإسلامي متناثر في مكتبات العالم الغربي وجامعاتها ونحتاج إلى وقت طويل قبل أن نعرف بصورة شاملة كيف وصل هذا التراث إلى تلك المؤسسات الغربية. والأهم من هذا كله هو الحفاظ على ما تبقى لدينا من تراث مخطوط لا يزال حبيس بعض المكتبات الخاصة وحسب الأبناء أن يفرجوا عما خلفه الآباء والأجداد وعملوا على كتابته وتدوينه ونسخه حرصاً منهم على نشر العلم وتعميم فائدته على الآخرين.
الإحالات
(1 ) أمين بن حسن الحلواني المدني، ينتسب إلى أسرة الحلواني المعروفة بالمدينة المنورة والتي أدركت منها الشيخ عمر محمود حسن حلواني وكان يسكن في شارع العينية المعروف والمؤدي إلى الحرم النبوي الشريف - وبالتحديد في منعطف صغير بعد مكتبة ضياء وكانت مكتبة متخصصة في بيع الكتب والمجلات والصحف الأدبية، وعرفت شخصياً من الأستاذ محمود عمر حلواني والذي كان حتى فترة أواخر التسعينات الهجرية مساعداً لرئيس بلدية المدينة، أن صاحب الترجمة ((أمين)) هو ابن أخ عمر حلواني الذي جلست إليه ما بين عامي 1386هـ - 1387هـ، وقد أخبرني الشيخ جعفر فقيه - أحد المهتمين بتاريخ المدينة اهتماماً بالغاً - بأن تلك الدار التي كانت تقوم في شارع العينية كثيراً ما كان يسكنها رؤساء بلدية المدينة ووالد عمر حلواني أي ((محمود)) كان رئيساً للبلدية في حقبة ماضية وحمل اسمه ((محمود)) الثاني الذي أشرت إلى عمله أيضاً في منصب رفيع في بلدية المدينة، وتأكيدي على الموقع الذي كانت تسكنه أسرة الحلواني هو ما يعضِّد إشارة صاحب الترجمة - نفسه - أمين الحلواني في عبارة نقلها عنه الشيخ حمد الجاسر في كتابه ((رحلات)) ص 213، بأنه أي أمين الحلواني قرأ كتاب ((عمود النسب)) للفهَّامة أحمد البدوي على الشيخ محمد محمود الشنقيطي العشمي سنة 1299هـ، في داره المطِّلة على حديقة العينية - وبالمناسبة فلقد كان إلى عهد قريب بقايا من بستان العينية تدل عليه بضع من أشجار النخيل والتي كانت بالقرب من النزل المخصص للضيوف - والواقع قبل مكتبة ضياء المعروفة - ويبدو أن هذا النزل كان يقوم على رعايته المرحوم سمَّان حمزة بخيت والد رجل الأعمال المعروف - حالياً - محمد سمَّان بخيت، وكان - سمَّان بخيت - صديقاً لوالدي رحمه الله وكان يدير إلى قبل وفاته حوالي 1407هـ، بعض فنادق المدينة ومنها فندق التيسير والذي تعود ملكيته للشيخين محمد سرور الصبّان وعطا الياس في حي السنبلية - نسبة إلى آل سنبل - وكان الفندق يطل على عدة جهات، واحدة منها على بداية شارع أبي ذر المعروف، وآخر على شارع الرومية وثالثة على شارع السنبلية، ويبدو بحسب ما عرفته من الشيخ جعفر فقيه أن منتدى الأبَّارية والذي كان يجتمع فيه شعراء المدينة وخصوصاً أولئك الذين ينتمون لمدرسة عبد الجليل برادة (1240 - 1327هـ) من أمثال إبراهيم بن حسن الأسكوبي، ومحمد العُمَري الواسطي ثم انضم إليهم لاحقاً الشيخ محمد محمود التركزي - قبل أن تسوء علاقته مع عبد الجليل برادة وبعض رفاقه، أن هذا المنتدى الذي عُرف بالأبَّارية في مطلع القرن الرابع عشر الهجري لم يكن بعيداً عن فندق التيسير هذا الذي حاولنا تحديد موقعه.
ويبدو من النص الذي نقله الشيخ الجاسر عن أمين الحلواني أن التركزي كان يسكن في حارة الأغوات بقرب منهل العين الزرقاء، يقول كاتب الترجمة الفقير إلى الله ((لقد أدركت في مطلع العمر هذا المنهل وكان الناس يتزودون من مائه عن طريق النزول إليه بدرجٍ خاص لوقوعه في مكان منخفض، وكان يفصل بينه وبين موقع المدرسة القديم المعروف في حارة الأغوات باسم ((الرُّستمية)) شارع صغير يؤدي إلى الجزء الآخر من حارة الأغوات نفسه والذي يتصل في نهايته بما كان يعرف بدرب الجنائز، إضافة إلى مدخل آخر صغير يؤدي إلى المنطقة الواقعة أمام بقيع الغرقد حيث كان يقع قبر إسماعيل بن جعفر الصادق - رحمه الله - والذي أزيل فيما بعد لصالح توسعة منطقة البقيع.
ومن خلال نص الجاسر الذي نقله الجاسر في كتابه ((رحلات))، يذكر الحلواني أنه قرأ كتاب ((عمود النسب)) على الشيخ التركزي في سنة 1299م مما يؤكد أن العلاقة بين الحلواني والتركزي قد تمت بداية في المدينة قبل بداية القرن الرابع عشر ثم تعمقت بشكل أكبر في مصر عند هجرة كل من الرجلين تحت تأثير دوافع خاصة إليها، ويذكر الزركلي أن الحلواني رحل إلى أوروبا وغيرها لبيع مخطوطات كان قد جمعها ويحدد - رحمه الله - في كتابه الأعلام ج 2، ص 15 - 16، سنة 1300هـ كتاريخ لوصوله إلى أمستردام وليدن، وأن مكتبة لندن فازت بالنصيب الأكبر من هذه المخطوطات العربية، ولقد عمل الحلواني على نشر بعض كتب التراث خصوصاً في رحلته إلى الهند وهي محطته الثانية بعد ليدن، حيث نشر في بومباي بالهند سنة 1304هـ - 1886م كتاب مطالع السعود لعثمان بن سند البصري، وهو الكتاب الذي يشتمل على أخبار بغداد، في الحقبة الممتدة بين سنتي 1774 - 1826م كما نشر الحلواني في الهند سنة 1307هـ كتاباً ينتقد فيه مؤلفات جرجي زيدان التاريخية وأطلق عليه اسم ((نشر الهذيان من تاريخ جرجي زيدان)) وقد قام الزميل الدكتور مازن مطبقاتي بإعادة نشر هذا الكتاب بعد تحقيقه، كما التفت الحلواني - أيضاً - إلى الدواوين الشعرية وهذا يكشف عن جانب من جوانب حياته العلمية حيث قام في سنة 1309هـ وبالهند أيضاً بطباعة ديوان لزوم ما لا يلزم لأبي العلاء المعري، وأردف أيضاً بكتابة ترجمة عن حياة أبي العلاء وبعض الشروح والتعليقات على عمله المعروف باللزوميات، وإذا كان الحلواني قد عاش في مطلع حياته في المدينة المنورة، والمعروفة بزراعتها للنخيل، وأنه كان يقيم في دارهم بحديقة العينية، المعروفة بأشجار النخيل أيضاً، فإنه أراد أن ينقل تجارب أهل المدينة في الفلاحة والتي اقتبسوها من أهل القصيم في نجد مثل بريدة وعنيزة والرس، لقرب المدينة من هذه المناطق الواقعة في شمالها، فألف في مصر سنة 1301هـ، رسالة سمَّاها ((جني النحلة في كيفية غرس النخلة)).
ويبدو أن الرحلة الأخيرة في حياة الحلواني كانت إلى طرابلس الغرب، وكانت هوايته الأصلية - وهي دراسة علم الفلك - لا تفارقه أبداً، ولقد تلقى هذا العلم عن حسن الأسكوبي والد الشاعر إبراهيم الأسكوبي، وقد أقام الأسكوبي الأب أسطرلاباً فلكياً في المدينة ليعرف به مواقع النجوم ولكن بعض رجال عصره انتقدوه فتخلى عن تطبيق هذا العلم تطبيقاً عملياً، وكان الحلواني أبيض اللون ويرتدي نظارة ليستعين بها في المطالعة والدرس، فكان لون بشرته إضافة إلى اشتغاله بعلم الفلك العملي من العوامل التي أدت إلى فقدانه لحياته في طرابلس الغرب وذلك لاشتباه الأعراب فيه ظانين أنه جاسوس غربي وليس رحَّالة عربي كما حاول بعض العارفين إفهام أعدائه، والذين كانوا ينقمون على الغربيين بسبب السياسة الاستعمارية إزاء العرب والمسلمين فوقع الحلواني على أيديهم قتيلاً سنة 1316هـ، بينما يرى الزركلي أن وفاته كانت في الهند.
مصادر الترجمة:
ـ حمد الجاسر: رحلات، ط 1 (1400هـ - 1980م) ص 213.
ـ خير الدين الزركلي: الأعلام، دار العلم للملايين، ط 7، ج 2، ص 15 - 16.
ـ عاصم حمدان: المدينة المنورة بين الأدب والتاريخ، ط 1 (1412هـ - 1991م) (مطابع دار العلم) جدة، ص 47 - 74.
ـ مجلة المنهل، ج 1، ص 186 - 187، السنة الثالثة عشرة، ربيع الآخر 1372هـ يناير 1952م.
(2) حمل الجزء الثاني من كتاب سنوك الذي ترجمه نادي مكة الثقافي والأدبي اسم ((صفحات من تاريخ مكة المكرمة في نهاية القرن الثالث عشر الهجري)) وقام بالترجمة كل من الأستاذين الكريمين محمد بن محمود السرياني ومعراج بن نواب مرزا، وراجعه الدكتور المعروف بكلية الشريعة بجامعة أم القرى بمكة المكرمة، محمد إبراهيم أحمد علي، وكان صدور الطبعة الأولى من هذا الجزء من كتاب سنوك سنة 1411هـ - 1990م.
(3) انظر: صفحات من تاريخ مكة المكرمة في نهاية القرن الثالث عشر، ((مطبوعات نادي مكة الثقافي والأدبي)) ط 1، 1411هـ - 1990م، ج2، ص: 13.
(4) انظر: دراسات تاريخ الجزيرة العربية ((مصادر تاريخ الجزيرة العربية)) الجزء الثاني، مطبعة جامعة الرياض 1399هـ - 1979م.
(5) الأعلام: المجلد الأول، ص 99 - 100.
(6) محمد محمود بن التلاميذ التركزي الشنقيطي: الحماسة السنية، الكاملة المزية في الرحلة العلمية الشنقيطية التركزية، مطبعة الموسوعات بالقاهرة، 1319هـ، القسم الثاني، ص 3.
(7) بينما يرى المؤرخ المعروف السيد أمين بن عبد الله مدني في مثل هذه المناظرات حرص مدرسة المدينة على قواعد اللغة العربية في أحرج ظروفها. انظر: أمين مدني، الثقافة الإسلامية وحواضرها/ ((الهيئة المصرية العامة للكتاب 1980م، ص 139)).
(8) لمزيد عن هذه الشخصية العلمية، انظر: القاضي أبي الفضل عياض اليحصبي، الشفا بتعريف حقوق المصطفى، دار الفكر، 1409هـ - 1988م.
(9) عاصم حمدان، المدينة المنورة بين الأدب والتاريخ، ط 1، (1412هـ - 1991م)، القسم الأول، ص 55.
(10) عثمان بن سند البصري الوائلي، مطالع السعود بأخبار الوالي داود، اختصار أمين بن حسن المدني، تحقيق محب الدين الخطيب، القاهرة، 1371هـ المقدمة.
(11) Mekka, In The, Latter, Part of the 19th Century, Note, P. 289.
(12) د. عبد الرحمن بدوي، موسوعة المستشرقين، ط1، 1984هـ بيروت، ص 350 - 351.
(13) الحماسة السنية الكاملة المزية، القسم الأول، ص 6 - 17.
(14) المدينة المنورة بين الأدب والتاريخ، ط 1، (1412هـ - 1991م) ص 55.
(15) د. قاسم السامرائي، الاستشراق بين الموضوعية والافتعالية، منشورات دار الرافعي، ط (1403هـ - 1983م) ص 111.
(16) مارتن فان برونسن، الكاتب العربي في إندونيسيا، ترجمة د. قاسم السامرائي، مطبوعات مكتبة الملك فهد الوطنية، الرياض (1415هـ - 1995م) ص 43 - 45.
(17) المدينة المنورة بين الأدب والتاريخ، ص 72.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :2899  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 323 من 482
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج