شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
هُتَافٌ منْ باب السَّلام؟ (1)
من باب المصري تنتقل خطوات الفَتَى إلى موضع آخر يحفل بحياة صاخبة... هذا الموضع هو (سُوقُ الحراج)، يتذكر كيف أن والده كان يأخذه ليحلق رأسه عند واحد من الأخوين ((الخَسْتة)) وكان يوم ((الحلاقة)) يوماً صعباً عند هذا الفتى فالمعلم شديد حتى عندما يمسك برأسه فلا يتركه إلا وقد اجتث شعر الطفولة الفاحم اللون، وهو لا يجد تفسيراً لما يسمعه من والده بأن تربية ((الشَّعْر)) أمر غير محبب، وأن إمالة الكوفية إلى الأمام لا يفعله إلا المطاليق من الرجال، وكان صاحب حانوت الحلاقة أبو الحسن الخَسْتة وشقيقه الآخر الذي يقوم حانوته على طرف شارع المناخة وبالقرب من سوق ((المتخضرة)) حيث بائعو السمن والعسل والمضير كان الأخوان من مطاليق المدينة، وكان الأخ الأكبر منهما يسكن في دكَّة التّرجمان بحي الشيخ، ويخرج والده ذات يوم وكان الفتى ينتابه شيء من الحزن إن لم يرافق والده عند خروجه عصراً، وكان الوالد يحمل قلباً عطوفاً على الرغم من قسمات وجهه التي تبدو عليها سمات الشدة والصرامة، وكانت عيناه تدمعان إذا ما أنصت لصوت المؤذن أو المنشد، أو يتذكر رفقاء دربه الذين سبقوه إلى دار المثوبة والغفران.
يأخذ الوالد بيد الابن الذي يشتد عليه حيناً ويرفق به أحياناً أخرى، يسلكان الطريق من ((المُدرَّج)) إلى السيح، وكان على الابن أن يلاحظ خطواته فلا تسبق الخطوات منه خطوات والده الذي يقول له: يا بني يا من قدمت إلى هذه الدنيا في خريف العمر، هل ستتسع الحياة لأبيك ليروي على مسمعك سيرة ((جدك)) أناقته في لباسه، صراحته في قول الحق، مجلسه الذي لم يوصد حتى آخر يوم من أيام حياته، دعاؤه لأبنائه بالتوفيق حتى وهو في أشد حالات غضبه، أحبابه الذين كانوا يتفانون في محبتهم الصادقة له، وإن لم يتسع خيط هذه الحياة فلعلك تجد من يروي لك سيرة الرجال والرجولة في البلد الطاهر.
يصل الفتى مع والده إلى منتصف الدكة التي تواجه مجرى سيل أبي جيدة. دقات خفيفة على الباب الخشبي العتيق، يأتي صوت الرجل من المقعد: من الطارق؟ وعندما يجيبه الصوت من الخارج، يرتفع صوت صاحب الدار: ((مرحباً بك يا أبا علي)).
يتكلم الرجلان عن أشياء عديدة، ثم يدعو الزائر لصاحب الدار بحسن الختام، وهي دعوة عظيمة الدلالة لو تمعن الناس فيها كثيراً وفجأة يرى الفتى ذلك الرجل الذي كان مستلقياً على فراشه وقد تحامل على نفسه وجلس، شارباه الكبيران والمتميزان كوفيته البلدي، حزامه المشدود على وسطه بإحكام كل ذلك أعاد إلى ذهن الفتى مرأى الرجل وهو يجلس أمام حانوته المخصص للحلاقة وربما كانت بجوار الحانوت تقوم شجرة كبيرة من تلك الأشجار التي كانت تظلل شوارع المدينة وأحياءها ومساجدها. ينظر ((البطل)) إلى وجه زائره ثم يقول له: وكم مضى؟ أحسستُ أنه ينطقها بشيء من الفخامة وهي نبرة الخطاب العروبي الذي عرفه وسمعه الفتى عند أخواله من الأحامدة من قبيلة حرب، ثم أدرك في مرحلة لاحقة أن والده يحفظ من أنساب هذه القبيلة، ويعرف عن رجالها وأيامها، ويحفظ من شعرها النبطي الأصيل شيئاً كثيراً، لقد حفظت يا أحمد القليل وضاع مني ما هو أكثر فلا يأخذك شيء من العجب إذا ما رأيتني كثير التلفت.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :740  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 104 من 482
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

محمد سعيد عبد المقصود خوجه

[صفحة في تاريخ الوطن: 2006]

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج