شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
بسم الله الرحمن الرحيم
مقدمة
بقلم:الأستاذ الدكتور غازي عبيد مدني
والحمد لله رب العالمين
وصلَّى اللَّه على سيد المرسلين النبي الأمي الهادي الأمين
حينما أفضل الزميل الدكتور عاصم حمدان ورغب إلى أن أكتب مقدمة لكتابه (هتاف من باب السلام) شعرت بشيء من الحرج في أن أقدم لعمل وضع بذكاء كبير ليواجه جدلاً عالمياً حول القيم والأخلاق وسلوك الإنسان فيما يسمى بالعالم القرية أو إن شئت القرية العالمية أو باختصار شديد (العولمة).
قراءة بين سطور الكتاب:
يستنفر العالم المسيحي قواه ويستعد لولوج قرن ميلادي جديد وهو ختام ألفي عام على ميلاد سيدنا المسيح، نبي الله عيسى عليه السلام. وهي مناسبة ذات أهمية ليس للعالم المسيحي بل للعالم أجمع حيث يحتفل الإنسان بما وصل إليه من علم خلال القرن الميلادي الأخير. ولا شك أن ما أحرزه في المجالين العلمي والتقني له تأثير كبير على القيم والأخلاق التي عرفها الإنسان من الأديان السماوية وفي الوقت نفسه تحكم سلوكه ودوافعه.
هذا التقدم الكبير علمياً وتقنياً أدى إلى أن تصبح الكرة الأرضية قرية واحدة، يسعى فريق واحد للسيطرة على هذا العالم القرية فارضاً قيمه وأخلاقه، ويحاول أن يجعلها قرية استهلاكية تعمل على زيادة رفاهية الفريق المسيطر.
الكاتب الدكتور عاصم حمدان يأخذ بيد القارىء إلى القرن الميلادي القادم واضعاً في يده سلاحاً هاماً يعينه على (مصادمة) التأثير القادم، وإعداده ليستوعب ذلك التأثير، يأخذ منه الذي يفيده، ويضع للقارىء (مرجعية) هامة يستشعر بوساطتها السمين ويترك الغث.
الكاتب يجعلها رسالة تصدر من أرض النبوة تُذَكِّرُ بما جاء به المصطفى عليه السلام من أخلاق وقيم وسلوك، وأوجزها عليها السلام في العبارة البليغة إنما بعثت لأتمم مكارم الخلاق.
شخصيات الدكتور عاصم حمدان:
بأسلوب رشيق يقدم الكاتب عدداً من الشخصيات يستعرضها واحداً إثر الآخر. لأول وهلة يبدو الأمر وكأنه لا رابط بين الشخصيات، وقد يخيل للقارىء أحياناً أنها شخصيات متنافرة ولكن في حقيقة الأمر فإن القراءة المتأنية تشير إلى غير ذلك.
شخصيات الكاتب ليست شخصيات وهمية من نسيج الخيال يؤلف حولها قصصاً، يجعل واحداً بطلاً فارساً مغواراً ويجعل الآخر غرًّا أحمق.
وشخصياته ليست رمزاً تعبر عن دخيلة نفس الكاتب وما يريد هو أن يكون في الحياة عالماً فذاً، أو ضابطاً مغواراً، أو غنياً مترفاً.
وشخصياته ليست منتقاة من شريحة واحدة في المجتمع قد تعكس نظرة ضيقة وفي اتجاه واحد، سواء كانت تمثل قمة المجتمع أو قاعه.
شخصياته من المجتمع - مجتمع المدينة المنورة - بكاملها ومن جميع شرائحه واتجاهاته. إنهم أناس عايشهم الكاتب واختلط بهم وعرفهم وهو يقدمهم بمعرفته لهم معرفة شخصية. وهي شخصيات تمثلت الخلق الإسلامي القويم الذي يؤدي طبيعة نقية صافية.
خذ مثلاً: استعراضه لشخصية (الخستة) ذلك الحلاق البسيط والذي كان يؤدي، أيضاً، عملاً طبياً أحياناً إلى جانب عمله الأصلي وهو الحلاقة. وكان الخسته - رحمه الله - من أشهر الذين يجرون عملية (الطهارة) للأولاد. وفي تلك الأيام - آخر الأجيال التي مارستها هو جيلنا - كانت عملية الطهارة تجرى للأولاد في سن متأخرة والطفل عمره سبع أو ثماني سنوات، وكانت (العملية) بدون بنج، ولذلك فإن جميع الذين عاشوا تلك الأيام يذكرون ذلك ولا ينسون إطلاقاً.
((الخستة)) رجل بسيط في حياته، بسيط في عمله ولكنه كان غنياً بأخلاقه وشهامته وانضباطه السلوكي فأحبه الجميع.
وإذا انتقلنا بين دفتي الكتاب نجد الكاتب يعرض صورة مشرقة جليلة هو فضيلة الشيخ عبد العزيز بن صالح إمام وخطيب المسجد النبوي الشريف لما يقرب من أربعين عاماً. وقد كانت وفاة الشيخ - رحمه الله - خسارة كبيرة لأهل طيبة لما عرفوا فيه من شهامة وخلق رفيع وانضباط يثير الإعجاب فلم يعرف عنه أنه تقاعس عن فرض من الفروض الخمسة... وَقَّرَ الكبير وعطف على الصغير فأحبه الجميع.
بمثل هذه الصور التي تتماثل في تعبيراتها الخلقية كما تعلَّمَها من دينها الحنيف، يهتف الكتاب من باب السلام إلى العالم: أن هاكم ما إن تَمَسَّكتم به فلن تضلوا أبداً.
الكاتب الدكتور عاصم حمدان ينقلنا من شخصية إلى أخرى منها العالم ومنها التاجر ومنها المثقّف ومنها الأمي، وهو، أي الكاتب يبرهن أن الجميع وكأنهم نسيج واحد نسجه خيط واحد. هذا الخيط الواحد غزل بتعاليم النبي المصطفى الهادي الأمين الذي لا ينطق عن الهوى. وهذه نتيجة طبيعية لأن هذا النسيج الواحد يقرأ كتاباً واحداً يرتله يومياً، وفي الوقت نفسه يؤدي شعائر واحدة الكل يجتمع عليها. ولاَ غروَ أن يصبح الكل رجل واحد يدين بدين واحد ويتحلى بما غرسه المصطفى عليه السلام.
الكاتب وهو يعرض هذه الحقيقة التي عليها مجتمع المدينة المنورة، ينقل إلى العالم صورة حية عن النمط السلوكي المبني على تعاليم الإسلام. هذا السلوك كما كان في الماضي يجب أن يكون في المستقبل، وهو المرجعية للمسلم، وهو الذي ينبذ أي نمط سلوكي أجنبي غير حميد.
بهذا التمثيل الجميل للمجتمع فإن شخصيات الكاتب تبرهن للقارىء أن المجتمع المسلم الصحيح لا يخشى العولمة، ولا يخشى الثقافات الأجنبية مهما كانت.
لأنها مسلحة بالإيمان العميق... الإيمان النقي... الإيمان القائم على الفهم الصحيح لشريعة الله الخالدة السمحة كما علمها رسولنا محمد عليه وعلى آله وصحبه الصلاة والسلام.
بهذا الأسلوب الهادىء والطرح الذكي لموضوع صعب ومعقد وجدلي، يأخذ الدكتور عاصم حمدان بيد القارىء في ثبات وطمأنينة إلى المستقبل. ومهارة الكاتب أنه لا يقول للقارىء صراحة أنه يريد أن يأخذ بيده بل يترك له استنباط ذلك فتأتي القناعة عميقة مقنعة، خاصة وأن الصور التي تمر أمامه صور حقيقية.
أ.د. غازي عبيد مدني
جدة في 25/8/1422
 
طباعة

تعليق

 القراءات :986  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 103 من 482
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

سعادة الأستاذة صفية بن زقر

رائدة الفن التشكيلي في المملكة، أول من أسست داراُ للرسم والثقافة والتراث في جدة، شاركت في العديد من المعارض المحلية والإقليمية والدولية .