شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
لماذا هذه الأشجان؟
عندما دفعت بفصول هذا الكتاب إلى الصديق الكريم الأستاذ محمد عمر العامودي ليكتب مقدمة له، كنت أشعر بإحساس المقصر وشعور العاجز. ومرد الشعور الأول بأنني لم أستطع أن أُوفِّي حق البقعة المقدسة عليَّ، ففي صحن البيت جلستُ مستمعاً لحلقات الدرس التي كان العلماء الأفاضل يخصُّون فيها مريديهم بكثير من العطف والحدب والرعاية فيجذبونهم بذلك الأسلوب التربوي الرفيع ليعرفوا شيئاً عن هذا الحقل العلمي أو ذاك، وليعمقوا في دواخلهم روح المعرفة الحقة والمتجردة. فلم يكن مشائخنا على فضلهم وعلو منزلتهم العلمية يكتبون تحت أسمائهم من النعوت والصفات شيئاً ولكنهم كانوا يكتفون بعبارة موجزة وصادقة ومؤثرة ألا وهي: (خادم العلم بالحرم المكي الشريف)، أو بعبارة أخرى يردُّون فيها الفضل إلى الخالق العظيم الذي مَنَّ عليهم بذلك العطاء، إنها المقولة التي كادت تختفي من كتب العلم وهي: (العبد الرَّاجي رحمة مولاه).
ولم يكن الفتى يقتصر على الجلوس في تلك الرَّحبة الممتلئة بالطائفين والرّكع السجود، بل كانت قدماه تقودانه إلى (العُتيبية) و(حارة الباب) و(المسفلة) و(طلعة الحجون)، ليلاحق ذلك النفر من أهل العلم الذي لحق بجوار ربه وخلَّف تلك السمعة الطيبة خلفه. فلا يُذْكَرُ ذلك الجمع الطَّيب من العلماء إلا ويفيض الدمع من العيون مقروناً بالدعاء والرحمة والغفران لهم. كما كان صاحبنا مولعاً بمكتبة الشيخ (الفِدَا) حيث كان يلمح الشيخين الكريمين الأستاذ الأديب محمد سعيد العامودي - رحمه الله - والشيخ رشيد فارسي - أمدَّ الله في حياته -. ويصعد إلى سوق اللَّيل ليؤم مكتبة (الثقافة) فيجد الأخوين الكريمين الأستاذ صالح وأحمد جمال - رحمهما الله -، وصديقهما القائم على أمر المكتبة السيد محسن عطاس - رحمه الله -، الذي وصفه أستاذنا الدكتور عبد الوهاب أبو سليمان، فقال ما معناه: إنَّه فقيهٌ شافعي مُتمكِّن. وكان يلمح رجلاً ضعيف البنية، قليل الكلام يجلس أحياناً داخل المكتبة، فقيل له: إنه الشاعر حسين سرحان. ولم ينسَ الفتى مجيء البعض من أهل طيبة الطيبة، وكان بينهم السيد حسين إدريس هاشم فيأخذونه معهم إلى دار معالي الأستاذ حسين عرب التي كانت تُعدّ في ذلك الوقت بعيدة نسبياً عن وسط البلدة الطاهرة، فيرى في مجلسه أو مُنتداه العالم الموسوعي أحمد عبد الغفور عطار - رحمه الله - وكان العطار ذلك الفارس المجلّى في حلبة البيان - آنذاك - يخشى سطوة قلمه بعض أنداده وكثير من الجيل الذي كان يتطلع ليحتل موقعاً في ساحة الأدب والأدباء. ولم ينسَ ذلك اليوم الذي صحبه فيه الشيخ المفضال عبد الله بصنوي - رحمه الله - إلى دار المرحوم الأستاذ عبد السَّلام السَّاسي في الحجون، وقدَّمني له شيخ الشامية بصوته المنخفض فإذا هو يبكي - أي الأستاذ السَّاسي - ويقول: لقد نشأتُ مع أبيك في المدينة وكانت بيننا من أواصر المحبة ما يجعلني أسمرُ معه ليلاً، ثم أصبحتُ آتيه زائراً في (المسيجيد) حيث مقرُّ عمله.
وكانت فرحتي كبيرة عندما أخرجَ الأستاذ السَّاسي بعضاً من أجزاء موسوعته فكتب عليها إهداءً خاصاً ما زلتُ أشعر بالزهو عندما أقرأ عباراته التي كُتبت بخط جميل متناسق.
صاحب هذه الفصول المتواضعة حَظِيَ بالجلوس إلى جملة من علماء الحرمين الشريفين من أمثال السيد الفاضل صاحب الصَّوت المتميز بياناً وأداءً علوي المالكي وابنه السيد المحدِّث محمد بن علوي المالكي، والسيد حسن بن سعيد يماني، والشيخ الراوية حسن المشَّاط، والسيد محمد أمين كتبي صاحب الحوليات الشعرية المشهورة، والشيخ محمد نور سيف، والشيخ محمد ياسين الفاداني الذي قيل عنه إنه مُسْنَد العصر، والشيخ زكريا بيلا، والشيخ عبد الله دردوم، ومحمد مرداد، وعبد الله اللحجي، وإسماعيل الزَّين، ومحمد عوض، وأحمد جابر، وطه البركاتي، ومحمد المختار الجكني، والسيد المنتصر الكتاني، والشيخ سعيد حوَّى، والشيخ حسن الشاعر، والشيخ أحمد عبد الجواد، والأستاذ الحافظ عبد الستار بخاري، والشيخ الفقيه عطية محمد سالم، والشيخ جعفر إبراهيم فقيه، والشيخ المؤرخ محمد الحافظ، والشيخ القارئ عبد العزيز بن صالح، والشيخ عبد الرحمن مُضَّاي الجُهني، والأستاذ الأديب محمد حميدة، والأستاذ الذي قضى حياته ناسكاً متعبداً عبد الله سلامة الجهني، والشيخ الحافظ الخطيب عبد الله عبد الغني خياط، والأستاذ عبد الرزاق بليلة، والسيد عقيل حمدي، رحم الله من ذهب منهم وحفظ البقية الباقية من أهل العلم والفضل.
فإن كان الفتى قد حظي بالجلوس لكل هؤلاء الأفذاذ من العلماء والشيوخ فإنه يدينُ لرجل مكة ونور مجالسها المرحوم الشيخ عبد الله بصنوي بالشيء الكثير، فلقد نزع هذا الرجل من نفسي - بخلقه الرفيع - مشاعر الغربة التي كنتُ أحسُّ بها عندما انتقلت إلى مكة دارساً في كلية الشَّريعة، كان إذا ما دخل الدار العامرة في حي الشامية طرق باب (المجلس) الذي كنتُ أقيم فيه طرقاً خفيفاً وسألني عن حالي. وإذا ما تأخرت في النزول إلى (مركازه) في حي الشامية أرسل إليَّ مَنْ يدعوني. فالأحباب قد حضروا، والمجلس ازدانَ بتلك الوجوه النَّضرة، حتى إذا ما قدمتُ داعبني قائلاً: الإخوان يسألون عنك فلماذا تتغيَّب عنهم؟ كانت هداياه إليَّ من الكُتب الأدبية لا تُحصى، وفضائله عليَّ من الكثرة بحيث إنني أدعو له في صلاتي كما أدعو لوالدي - رحمهما الله - فما كان بينهما من ود ومحبة هو السبب في تلك الرعاية التي خصَّني بها الشيخ البصنوي - أسكنه الله فسيح جناته - على مدى عقدين من الزَّمن. ولعلَّ هذا يُفسر شيئاً من شعور العجز إزاء وصف تلك الرعاية التي حظيتُ بها في كنفه. وإن نطقتُ بشيء أو دوَّنتُ طرفاً من سيرة هذا الرجل الأسطورة، فإنما حالي كما قال شاعر مكة وعالمها فضيلة السيد محمد أمين كتبي - رحمه الله -:
أنطقتموني بالثنا
ءِ عليكم، فغدوتُ أفتن
والحبُّ ينطقُ كل ذي
لسنٍ بمَنْ يهوى وألْكن
في الختام لا بدَّ أن أتوجه بالشكر لصاحب الكلمة المقروءة في صحافتنا المحلية الأستاذ محمد عمر عامودي لتفضله بكتابة مقدمة هذا الكتاب، ولزميلي الناقد الدكتور جميل محمود مغربي لمراجعته لمسودة الكتاب الأصلية وعلى ما أبداه من ملاحظات قيمة، ولزميلي الكاتب الدكتور راكان عبد الكريم حبيب على تشجيعه الحثيث لي لنشر هذه الصفحات من السيرة العزيزة على نفسي، كما أشكر السيد الفاضل الدكتور سامي عنقاوي على تزويدي بصور نادرة للبلد الحرام ورجاله الكرام، وكذلك لسعادة العميد إبراهيم حمزة بصنوي الذي كان متفضلاً مثل - آبائه، بتمكيني من الحصول على بعض الصور الخاصة بوالده الأستاذ حمزة بصنوي وبشاعر مكة وخطيبها المعروف المرحوم الأستاذ إبراهيم فودة رحمهما الله ولا بد من تقديم الشكر للابن الأستاذ مروان قماش الذي جمع مادة الكتاب من مظانها، فلم أرَ منه مللاً، ولم يُشعرني في سعيه الكريم بضيق. كما لا بدَّ من تقديم الشكر لصحيفة (المدينة) ممثلة في جهاز تحريرها الكريم، ولأخي الأستاذ محمد إبراهيم عبد الستار - المشرف السابق على ملحق الأربعاء - الذي كانت متابعته الدائمة لي في الاستمرار في كتابة هذه الصفحات الممزوجة بعاطفة الحبِّ والشوق والحنين لأرض القداسات، هذه المتابعة من أبي سلطان - جزاه الله خيراً - كان لها دور إيجابي في نفسي يستوجب الشكر والعرفان له وللأخوة العاملين معه في الملحق الأغر. ولن أنسى تشجيع القارئ المتابع لما كنت أكتبه، وتذكير البعض لي لما كان يندُّ عن الذاكرة سهواً، وإذا كان البعض يرى أنني قصَّرتُ فلم أذكر شخصية هنا، أو نسيتُ حادثة هناك، فإنني أذكرهم - مع إجلالي وإكباري لهم - بأنْ لم أكن أكتب تاريخاً، إنما هو ضَرب من القول يمكن أن يُصنَّف ضمن إطار السيرة الأدبية المحضة التي لم تخلُ أحياناً من ومضات تاريخية أملتها ضرورة السَّرد الأدبي لهذه السيرة.
جدة 4/11/1416هـ
عاصم حمدان علي
 
طباعة

تعليق

 القراءات :878  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 54 من 482
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الدكتور معراج نواب مرزا

المؤرخ والجغرافي والباحث التراثي المعروف.