شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
تقديم
أن يقدم المؤلف لكتابه، فهذه عادة مألوفة في كثير من المصنفات العربية. غير أنه من المؤكد أن كتابة المقدمات بواسطة الغير عادة غربية.. أو هو أسلوب غربي في التأليف، بدليل أن الذي يراجع كتب التراث عندنا والمصنفات الحديثة حتى عهد قريب لا يجد فيهماً شيئاً من ذلك. فلا الجاحظ قدم له أحد، ولا ابن قتيبة قدم له أحد، ولا ابن قيم الجوزية قدم له أحد، ولا الشاطبي قدم له أحد. وعندما اجتاحت حياتنا الفكرية رياح هذا التقليد وأصبحت كتابة المقدمات ظاهرة في معظم المصنفات الحديثة نحا كتَّاب المقدمات مناحي متعددة.. فريق آثر أن يقوم بدور كاتب المذكرة الإيضاحية التي تصحب عادة القوانين، فيستعرض أبواب الكتاب وفصوله دون أن يضيف شيئاً. وفي اعتقادي أن هذا النوع من كتّاب المقدمات يمثلون عبئاً على الكتاب وعلى القارئ. وكلاهما (الكتاب والقارئ) ليسا في حاجة إليه. وفريق اعتبر أن التقديم يفرض عليه واجب المديح والثناء، فلا يعبأ بشيء، فيغرق في المديح ويفرط في الثناء، يكيلهما على المؤلف والكتاب بدرجة ممقوتة، ربما تحرج المؤلف مرهف الحس، أو العارف قدر نفسه. وقد أوقع هذا النهج كتّاباً كباراً في ورطات أصبحت شهيرة. فهذا شاعر كبير يقدم لديوان أحد الشداة فيقول إن في شعره حكمة المتنبي وطراوة البحتري ونكهة جرير. وهذا أديب كبير يقدم لتهويمات كاتب ناشئ فيضعها في مصاف الأعمال الإبداعية الجديرة بالاقتداء، وفريق نهج نهجاً مختلفاً فهو ينظر للكتاب كعمل علمي مستقل كل الاستقلال عن صاحبه.. لا اعتبار للصداقة التي تربط بين كاتب المقدمة والمؤلف ولا اعتبار للأستاذية التي تدفع الأستاذ عادة لكي يأخذ بيد ابنه التلميذ. ولا اعتبار للمركز أو المقام الذي يحظى بالاعتبار في أوساط فكرية عديدة. وهذا النقد العلمي الذي يعتمد على التقويم الصحيح والموضوعية هو النقد المطلوب.. وهو الذي يدفع بالعمل (قصة، شعراً، نثراً، مسرحاً، سينما)، إلى التقدم والازدهار.
لم تعد كتابة المقدمات طبقاً لهذا النهج الأخير مجرد شهادة روتينية بحسن السيرة والسلوك، تصدر عن غير بصيرة كتلك الشهادات التي يحصل عليها إنسان من الجهة التي يعمل بها لمجرد أنه يود الحصول عليها ويريد تقديمها لجهة ما.
استعرضت هذه الاتجاهات المختلفة في التقديم، وهي لا تمثل كل الاتجاهات بالطبع في اللحظة التي عرض علي فيها صديقي المؤلف كتابة التقديم. والقارئ يعلم أن محتويات هذا الكتاب سبق نشرها في الصحافة. وكنت أتابعها حلقة حلقة؛ ولم أُخف إعجابي بها في كل مناسبة. فنحن في حاجة دائماً إلى أن نقرأ عن الماضي ولا يتعارض ذلك مع التطلع للمستقبل. فالذي لا ماضي له لا مستقبل له. ونحن في حاجة إلى أن نُذكّر على الدوام بقدواتنا من الرجال في المجالات كافة وأن نكثر من الحديث عنهم والإشادة بهم خاصة أمام الأجيال النابتة، لنغرس في حياتهم التقدير بعد أن أصبحنا لا نجد لهذه الكلمة معنى حتى في قواميس اللغة. نحن في حاجة لأن نُعرِّف الجيل الجديد بكل شيء عن تاريخه القديم والحديث؛ كي لا يتغربوا أي لا يصبحوا غرباء في أوطانهم.
وهذا العمل الذي بين أيدينا اليوم فيه أشياء كثيرة من هذا الذي نريد أن نحفظه في السجلات قبل أن يُنسى. فيه أشياء كثيرة من هذا الذي نريد أن تقرأه الأجيال الحاضرة والقادمة. صورة جميلة من تاريخ مكة المكرمة وماضي الحياة الاجتماعية فيها. والمؤلف يظلم نفسه حين يحصر كل هذا الحشد من الذكريات، الحياة والناس والمجتمع، في (حي الشامية). فالكتاب يتجاوز ذكريات المؤلف في ذلك الحي.
حين تسلمت المجموعة كاملة من المؤلف واستعدت قراءتها أخذ عقلي يخاطب عاطفتي وأخذت عاطفتي تخاطب عقلي: في أي اتجاه سوف أسير؟ وهناك أسباب كثيرة وترسانة من المبررات تجعلني أقف إلى جانب صاحب هذا العمل من غير تفكر أو تفكير. فأنا أولاً تربطني صداقة وطيدة بمؤلف الكتاب وإن قلت يربطني به حبّ. وأنا ثانياً، من المعجبين بثقافته وأستاذيته. وأنا ثالثاً، من المحتفين على الدوام بأسلوبه ومنهجه الفكري. وأنا رابعاً، كنت محل تكريم المؤلف حين اختارني من بين كوكبة من الكتّاب لتقديم كتابه. وأنا خامساً من أبناء مكة المكرمة، وهوى المؤلف - وهو من أبناء المدينة المنورة - مكيّ، ويظهر ذلك بوضوح في علاقاته بأهل مكة واجتماعاته الدائمة برجالها واهتماماته المستمرة بحالها وأحوالها. ألا يعمل هذا الهوى والأسباب التي ذكرنا في نفسي شيئاً ما، يعطيني مبرراً للمجاملة.. يعطيني مبرراً لكيل الثناء! إني لو فعلت غير ذلك لجلبت على نفسي متاعب من أبناء مكة المكرمة أنفسهم الذين يقدرون للرجل حبه لمدينتهم، وتقديره لرجالها، وجهوده في إعداد هذا الجانب لواقع الحياة الاجتماعية لمدينتهم. لقد عذرت كاتبي المقدمات، حين يجنحون إلى المجاملات والإفراط في الثناء لكن لو اخترت هذا الطريق لوجدت غداً من يقول: لقد ناقض كاتب المقدمة كلامه وانجرف إلى مدرسة، عبَّر عن مقته لها.
ولو اخترت طريق النقد لوجدت غداً من يقول: لقد تنكر كاتب المقدمة لأبسط المبادئ التي تحكم علاقات الناس في مجتمع صغير كمجتمعنا يعرف الناس جميعهم بعضهم بعضاً، في مجتمع يقوم على الاعتبارات الشخصية والمجاملة. وسوف أستجيب لهذا الخطاب ولكن من خلال هذه المقدمة أكرر عميق أسفي وحزني على وفاة النقد الذي بوفاته تأثرت الحركة الفكرية عندنا كثيراً. ودعك من نقد ممجوج تقرأه اليوم وتستهجن كاتبه في حينه. ودعك من نقد يدعيه أحد اليوم وهو لا يعرف أبسط قواعد النقد. وما يسمى بالنقد الذي نقرأه في صحافتنا هو كما يقول أحد مثقفينا المعتبرين هرطقة بواعثها شخصية، تعكس فاقة ثقافية وضحالة فكرية.
محمد عمر العامودي
 
طباعة

تعليق

 القراءات :807  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 53 من 482
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الأستاذ محمد عبد الرزاق القشعمي

الكاتب والمحقق والباحث والصحافي المعروف.