شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
حِفْظ ((اللوح))..
كان يوم الجمعة، كما هو اليوم، اليوم الذي ينتظره الأطفال، بفارغ الصبر، ليس فقط لينعموا باللعب في الشارع، وإنما ايضا للنوم، اذ لا يعني أحد بايقاظهم. أما تناول الطعام الافطار، فلا أهمية له اطلاقاً.. ينهشون لقيمات مع قطعة من الجبن عندما يغسلون وجوههم.
أما أنا في يوم الجمعة هذا الذي اعقب يوم الخميس بكل أحداثه، فقد كان مفاجأة روعتني وأنا في فراشي، فقد فتحت عيني لأرى أمي، منحنية على رجلي، وإلى جانبها زوجها ((عمي)) ثم الباجي... و ((مَنَكْشة)) أيضاً.
لم أفهم شيئاً مما كان يدور بالتركية.. ثم تكلم ((عمي)) فقال:
:ـ. هذا شيء غريب.. كيف ولد صغير زي هادا ينضرب؟؟ في استمبول ما في ضرب أبداً... لكن في الفلاحين... ممكن.
ثم أضاف:
:ـ. هادا الشيخ لازم يعرف.. لازم يعرف هادا الضرب حرام.. أنا بكرة ارسل مكتوب تنبيه مع ((أونباشي)).
وبشحنة عالية من الخُبث أخذت استغل العواطف المحيطة بي.. نهضت من السرير.. وتظاهرت بأني لا أستطيع أن أقف على قدمي.. ثم انتهزتها فرصة أدركت أنها التي تعوضني ((الكندرة)) و ((الشراب)).. فقلت بصوت يصطنع البكاء:
:ـ. الكندرة والشراب يا ففَّم..
وما كاد ((عمي)) يسمع هذه الكلمات حتى أخذ يربت كتفي ويخمش وجنتي.. ويضحك قائلاً:
:ـ. الكندرة والشراب.. وكل شيء في المغرب يكون هنا.. لاتبكي.. لا تبكي.. ها.. ورأيته يلقى نظرة إلى أُمي والباجي و ((منكْشة)) ثم يقول:
:ـ. لازم يرتاح... ادهنوا رجليه بموية حارة ـ كُماده ـ مع ((مرهم)) زنك.. وغادر الغرفة.. لينسحب خلفه ((الطابور)) الذي كان يرافقه ومنهم أُمي التي عادت اليّ بعد أن مشت خطوتين خلف زوجها.. لتعيدني إلى الفراش.. ثم تضمني إلى صدرها وتقبلني.
أدركت أن وقع حادث العلقة وضياع ((الكندرة)) وغيابي عن البيت إلى أن وجدتني أُمي في زقاق القفل، كان مثيراً لكل انسان في البيت. وأن الجميع قد تعاطفوا معي وأدركهم الكثير من الاشفاق عليّ... وعلى الأخص ((عمي)) الذي تسلل إلى قلبي صوته العطوف وهو يوصي بالكُمادات الساخنة لكفِّي قدمي، والمرهم الذي فهمت أنه يخفف أو يمتص الألم.. وفي الواقع لم تكن هي المرة الأولى التي أشعر فيها بعطفه ورقة تعامله معي.. ولكن خبث مشاعري نحوه أو صعوبة قيام حالة حسن الظن في نفسي تجاهه، تركتني أعيش مشاعر ضيق ونفور وشكّ، رغم كل هداياه السخية من اللعب وحلوى الشوكولا، والفواكه التي لا يكاد يجييء بها حتى يناديني، ليشعرني أنه اشتراها لي.. لي وليس لأحد سواي... أما اليوم بهذا الاهتمام الذي ابداه بحالة كفّي قدمي.. وما بدا من اشفاقه، وغضبه على تصرف الكتّاب، وأن مثل هذا لا يحدث في اسطمبول.. وإما في الفلاحين الخ.. كل ذلك جعلني أحاسب نفسي بل وألومها وأتمنى لو عرفت طريقاً للتعبير عن شكري له وما أكنه من احترام.. وفجأة وجدت نفسي اتساءل عن ((أبي))، ذلك الذي لم يأتنا منه ((حس ولا خبر)) منذ سافر.. ترى هل لو كان موجوداً يمكن أن يحبني أو يعطف عليّ كما يفعل هذا الذي تزوجته أُمي.. ((عمي))؟؟
* * *
وترامت اليّ في غرفتي أصوات الصبية وهم يلعبون عند تلك ((البرحة)) بين زقاق الحبس وزقاق القفل.. وأدركت أني أوقعت نفسي في شر أعمالي، حين تظاهرت بعدم القدرة على المشي نتيجة للضرب... كيف أستطيع أن أعود فأمشي لألحق بالذين يلعبون هناك... اللعبة مكشوفة طبعاً... ولا سبيل إلى الخروج اطلاقاً... ولم أدر كيف أسلّي نفسي.. هناك ((اللوح))... تناولته في يدي، وجعلت أكرر المكتوب عليه، وربما كان سورة ((البَينة))... وخطر لي أن أرفع صوتي وأترنّم في القراءة... وما هي إلا دقائق حتى دخلت ((منكْشة)) وهي تردد ((مشاء الله.. مشا الله)).. كانت الفرحة بادية على ملامحها... اذ لم تسمعني اترنم بالقراءة إلا هذا اليوم... ويبدو أن صوتي قد اعجبني وطاب لي أن أترنم به فأخذت اعيد قراءة السورة من أولها... ولم يمض وقت طويل لأرى أُمي تدخل والابتسامة تملأ وجهها... والعجيب أني لم اتوقف.. بل ظللت أقرأ مترنماً... ومع فرحة أُمي فقد استوقفتني فجأة وهي تقول:
:ـ. فين التجويد يا عزيز... تحفظ اللوح بدون تجويد؟؟
ولم أفهم شيئاً مما تتحدث عنه.. لأني لم أسمع بكلمة التجويد هذه قط.. وحين رأت صمتي وارتباكي.. قالت:
:ـ. الشيخ ابن سالم، ما يمكن يحفِّظك اللوح بدون تجويد... أنا لازم أروح له وأسأله.
ودخلت في دوامة لا نهاية لها في محاولة معرفة هذا التجويد الذي يحتاج أن تذهب أُمي بنفسها إلى الشيخ للسؤال عنه. ولم تتراجع عن عزمها، ولكنّها جلست أمامي على السرير، وشرعت تفهمني، أن في قراءة القرآن الكريم، علماً اسمه التجويد... واعترف أني لم أستطع أن أفهم شيئاً مما جعلت تشرحه عن حروف الحلق... والادغام بغنّة، والحروف الساكنة... والتنوين الخ... وانقضى يوم الجمعة حتى قبيل المغرب وأنا في غرفتي لا أغادرها إلا إلى الحمام... وعندما كانت ((الباجي)) تشعل الفوانيس، والمصابيح، بعد أن تمسح زجاجاتها، سمعت أصوات نسوة وأطفال... أدركت أنهم ضيوف أُمي.. عقدت العزم على أن التزم غرفتي فلا أخرج لرؤية أحد منهم... ولكن قبل أن تمضي فترة من الوقت كانت الباجي تدخل ومعها ولدٌ وبنت، أذكر أني رأيتهما قبل ذلك مع أمهم من صنف ((الهوانم)) الذين أصبحوا يزاورون أُمي بعد زواجها.
كان الاثنان يتكلمان اللغة العربية بلهجة ((مُكسّرة)).. ولكنهما كانا في غاية من الوداعة واللطف... صافحني الولد، ثم البنت، وقفا ينظران إليّ تارة وإلى ((الباجي)) تارة، إلى أن قلت لهما وأنا أُشير إلى حافة السرير الذي أضطجع عليه:
:ـ. اجلسوا.. تفضلوا..
ثم قلت للولد:
:ـ. اسمك إيه؟؟
:ـ. اسمي... خالد.
وقبل أن أسأل البنت قالت:
:ـ. وأنا إسمي نِعمت.
وأضافت ((الباجي)) وهي تبتسم.. بابا.. دكتور نديم بيه..
ولم أدر كيف أدير أي حديث بيني وبينهما.. ولكني أخذت اللوح في يدي وسألتهما:
:ـ. عندكم لوح زي هادا؟؟
وضحك الولد وهو يقول:
:ـ. لوح هادا، قرآن كريم؟؟
:ـ. أيوه... لوح نتعلم منه القرآن الكريم.
وتدخلت البنت ((نعمت)) تقول:
:ـ. عندنا لوح... حجر.. بابا.. كمان ماما.. يعرف قرآن كريم..
واستغربت حكاية اللوح الحجر الذي ذكرته نعمت... اذ لم يخطر ببالي قط أن هنالك لوحاً غير اللوح الخشب الذي تعلمت كيف أمسحه، بعد أن أسمِّعه في الكتاب، ثم أدهنهُ بالمضير ليكتب العريف، عليه آيات القرآن الكريم بالحبر الأسود والقلم ((البوص)).. وفيما كنت أُدير هذه الأسئلة في ذهني، نهض خالد مسرعاً وخرج من الغرفة وعاد وفي يده اللوح من الحجر وقلم من الحجر أيضاً.. ووضعه على حجره... وأخذ يكتب أو يخربش خططاً.. ثم بمسّاحة اخرجها من جيبه مسح ما كتب... وتناولت اللوح أخته ((نعمت))... وخربشت هي أيضاً... وضحكت وهي تسألني:
:ـ. لوح حقك.. ممكن أكتب؟؟
فهمت أنها تستأذن في أن تكتب بقلمها الحجر على اللوح الخشب... وكان هذا مستحيلاً بالطبع، فقلت:
:ـ. لا.. اللوح حقي نكتب عليه بالحبر... بالحبر الأسود والقلم.. ووضعت اللوح أمامهما... وأخذت اقرأ الآيات المكتوبة... وتدخلت ((الباجي)) تقول:
:ـ. ما شاء الله... ما شاء الله... كل يوم. كل يوم يحفظ لوح..
وسألتني... أنت تعرف.. واحد... اتنين... تلاتة...
ولم أفهم ما تعني ؟؟ فقال أخوها:
:ـ. تعرف حساب ؟؟؟ تعرف تكتب.. واحد اتنين... تلاتة أربعة.
وشعرت بالحرج اذ لم أكن اعرف كتابة الأرقام... وإن كنت أعرف أن أعد إلى المئة... والتزمت الصمت... بينما شرعت ((نعمت)) تكتب على اللوح الحجر ـ الذي عرفت فيما بعد أنه يسمى لوح ((أرْدواز)) يُكتب عليه بقلم مصنوع من مادة صلْبة تكتب على هذا اللوح، ويمكن مسح ما يكتب،.. شرعت ((نعمت)) تُكتب الارقام من 1 إلى 9، وأخذت تعد ولكن باللغة التركية بير... أيكيه..الخ)).
وبينما نحن منهمكون في حكاية الإرقام.. سمعنا مشية بحذاء نسائي يقترب من الغرفة ثم تدخل ((الهانم)) أُم خالد ونعمت.. وفي يدها علبة صغيرة فتحتها لتخرج منها ((لعبة)) عبارة عن عصفور ملون، ادارت مفتاحاً صغيراً في بطنه.. فاذا به يغرّد تغريداً جميلاً ويستمر في التغريد... وهي تمد يدها به إليّ.. وقبل أن أنطق بكلمة شكر أو نحوها هتفت ((الباجي)) بكلمات الشكر والامتنان باللغة التركية... لأسمع السيدة تقول:
:ـ. استغفر الله...
وتلك هي الكلمة التي تقال عادة، رداً على أي عبارة شكر... ولفت نظرها ((اللوح الخشب))... فتناولته وهي تقول ((بسم الله الرحمن الرحيم))... وأخذت تقرأ.. ولكن بصعوبة في مخارج الحروف... وعلى الأخص ((القاف)) و ((الخاء)) و ((الغين))... و ((الحاء)) اذ نطق باسم الله الرحمن الرحيم ((الرهمان الرهيم))... ولكنها قرأت الآيات كلها مما جعلني، والطفلين نردد:
:ـ. ما شاء الله ما شاء الله..
وقبل أن تضع اللوح بعناية، فوق الوسادة رفعت يدها ومسحت رأسي بلطف بالغ، ثم خرجت من الغرفة.. تاركة الطفلين معي، وعلى وجه كل منهما ابتسامة حلوة. وعلى الأخص ابتسامة ((نعمت)) فقد كانت شيئاً شعرت كأني لم أر مثله قط.
وعندما نهضا يريدان الخروج.. وجدت نفسي أنهض أنا أيضاً. ناسياً تماماً أني ظللت ((أمثل)) عدم القدرة على المشي طول النهار.
* * *
لم أعد في حاجة إلى أن يأخذني أحد إلى الكتاب.. أصبحت أعرف الطريق ذهابا وإيابا.. بل لم يعد الشيخ العريف محمد بن سالم، أو مساعده (العريف محمد)، يحرص على أن أصحبه في العودة عبر المنطقة التي كانت تُسمى (دار الضيافة) وفيها (كهرباء الحرم)، إلى زقاق الحبس، الذي انطلق منه إلى البيت في زقاق الطوال.
ولكن لم أكن أعود وحدي، إذ كان بين زملائي في الكتاب من يسكنون أزقة الساحة فنترافق، في الطريق، والألواح معلقة تحت آباطنا. وكان من هؤلاء الزملاء من توثقت بيني وبينه الصلة، بحيث كنا نمشي متجاوريْن.. وكان يتودد إليّ أن يحمل عني (القفة) الصغيرة الملونة التي كنت أدعوه لمشاركتي في تناول ما فيها من (الغدا)..
وفي يوم السبت، هذا الذي أعقب أحداث يومي الخميس والجمعة، وعندما كنا نمشي معاً وقبل أن نصل إلى مخرج زقاق الحبس، توقف لحظة.. وهو يقول:)
:ـ. يمكن ما التقي أمي اليوم في البيت...
:ـ. ليه؟؟؟
:ـ. عشان جوزها طلقها
:ـ. جوزها؟؟؟ يعني أبوك؟؟
:ـ. لا.. لا.. ما هو أبويا... أبويا مات بعد مارجعو الناس من الشام... وبعدين هيه اتجوزت..... لكن اللي اتجوزته ما عنده غير يخاصمها، وكمان يضربها.. واليوم قال لها، بعدما ضربها... (روحي انتي طالق بالتلاتة)
:ـ. يعني أيه طالق بالتلاتة؟
:ـ. يعني خلاص، ما عاد يمكن ترجع له ابدا.
:ـ. طيب.. وهيه خرجت من البيت خلاص؟؟
:ـ. أنا سيبتها بتبكي، وبتلم حوايجها.. لازم خرجت.
:ـ. لكن فين تروح
:ـ. تروح بيت أبوها.. سيدي عبدالرحيم
:ـ. وانت تروح لها في بيت سيدك ؟؟
:ـ. أيوه.. بس بيت سيدي بعيد.. في زقاق الطيّار قبل السيح.
ثم توجه بنظراته إليّ.. وكانت عيناه محمرّتين وقال:
:ـ. تيجي معايا توصلني... ؟؟؟ أنا أخاف من العيال اللي ((يتْقاشعوا)) في المناخة.
ووجدت نفسي حزيناً، لا أدري كيف اتصرف معه.. ولكن لم يكن معقولاً أن أوصله كما طلب، لأني أنا نفسي أخاف من القشاع الذي أسمع حكاياته من زملائي الأطفال في الكتَّاب.. ومن هذه الحكايات، (الضرب بالنبّوت).. وكمان (بالسكاكين) وبالحجر من (المِقْلاع)، اللي (يفقش) الرَّاس، ويسيِّل الدم الخ.. الخ.. رفضت أن استجيب لطلبه.. وخطر لي أن أصطحبه معي إلى البيت... بيتنا... ولابد أن أمي، ترسله إلى بيت سيده عبدالرحيم مع أحد الجنديين..
وافق أسعد ـ وهذا اسمه ـ وذهبنا معا إلى بيتنا.... وكالعادة أخذت طريقي إلي غرفتي... ولكن قبل أن أدخل، كانت أمي خلفنا... استغربتْ وجود أسعد معي... ولكنها لم تقل شيئا... يبدو أنها قدرت أني جئت به ليعرف بيتي، ويخرج قبل الغروب إلى بيته.
واذ تركتنا، وهي تذكرني بأن أغسل وجهي وأتوضأ لصلاة المغرب، خطر لي أن أخبرها بحكاية أسعد كما سمعتها منه... لحقت بها.. واستوقفتها وهي في طريقها إلى المطبخ.. وأخبرتها بكل ما سمعت... وأضفتُ: متسائلاً:
:ـ. هوه جوز الأم يقدر يضرب.. وكمان يقول لها (انتي طالق بالتلاتة).
:ـ. بعدين.. بعدين.. افهمك.. ودحين أخلي محمد علي أو اسماعيل يوصله بيت سيده..
وعادت بي إلي الغرفة.. وأخرجت من الدولاب، بعض قطع الحلوى.. اعطتها أسعد وهي تقول له:
:ـ. هيا روح يا ولدي.. يوصلك اسماعيل بيت سيدك قبل الليل..
لا أدري اليوم، ما الذي جعل ذهني يشتغل بحكاية أسعد. ولم يكن إحساسي بالإشفاق عليه هو الذي شغلني، وإنما أُمه التي كان زوجُها الذي طلقها (بالتلاتة)، يضربها.. وهذا الطلاق، الذي جعلها تخرج من بيتها، أو بيت زوجها، ولن تعود إليه أبدا... لم يفتني أن أمي متزوجة من رجل، ليس أبي الذي لم يأتنا منه (حس ولا خبر) منذ سافر قبل الحرب... لم أر زوجها يخاصُمها أو يضربُها.. ولكن هذا الطلاق؟؟؟
وجدت نفسي أقول:
:ـ. لو طلقها، كما فعل زوج أم أسعد...
ولا أخفي اليوم، إني قلت بعفوية غريبة
:ـ. يا ريت.!!
ولم أناقش لحظتها هذه الـ (يا ريت).. اذكَرَّتْ في ذهني سلسلة حياتِنا ـ أمي وأنا ومَنَكْشَة في بيتنا في زقاق القفل... وفكرتي في العمل، في سوق الخُضرة... أو وراء حمير السواني في المزارع... أو أي عمل أحصل منه على نقود أعيش بها معها... وهناك أجرة دكاكين زقاق (الزرندي)... وقلت لنفسي:
:ـ. أنا اليوم صغير.. ولكن سوف أكبر سنة بعد سنة... وسوف أكون كما قالت هي وبدرية، وحتى الخالة فاطمة جادة... سوف أكون (رجّالَ البيت).. أمّا الكُتاب وحفظ اللوح فلا حاجة لي به مادمت سأعمل وأكسب (فلوس)... واللوح مهما حفظت، لا يمكن أن أكسب منه أي قرش أو حتى هللة إلا العشر هللات التي تضعها أمي في يدي كل صباح..
وهذا الرجل (عمي الدكتور)... رجل لم أسمعه يخاصم أمي.. ولم يضربها.. وهو يعطف علي، ويجيئني بالهدايا والحلوى، ويضمني إلي صدره.. ويُجمش وجنتي بيده... ولكن الطلاق (بالتلاتة) هو الذي يفصل بيننا وبينه.. ونعود إلى بيتنا في زقاق القفل..
وعندما كنا نتناول طعام العشاء ـ عمي وأمي وأنا ـ كنت أرامق (عمي) بنظرات أتوخي فيها احتمال أن يحدث في يومٍ ما، أن يطلقها؟؟؟ يالله.. كم أشعر اليوم بجحودي في تلك اللحظات... كان هو الذي يسبق أمي إلى تهيئة الطبق أمامي، بما يختار من قطع اللحم والأرز... كنت آكل، ما في الطبق... ولكن ذهني، مشغول بسؤال واحد هو:
:ـ. متى يمكن أن يطلقها بالتلاتة.؟؟؟ كما فعل زوج أم أسعد؟؟؟
 
طباعة

تعليق

 القراءات :772  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 60 من 86
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الدكتور سعد عبد العزيز مصلوح

أحد علماء الأسلوب الإحصائي اللغوي ، وأحد أعلام الدراسات اللسانية، وأحد أعمدة الترجمة في المنطقة العربية، وأحد الأكاديميين، الذين زاوجوا بين الشعر، والبحث، واللغة، له أكثر من 30 مؤلفا في اللسانيات والترجمة، والنقد الأدبي، واللغة، قادم خصيصا من الكويت الشقيق.