وعرفته من القدامى الذي لا يتستر بتزيف العلاقة بينه وبين الآخر فهو يعلنه صديقاً لبعضهم خليلاً لواحد صاحباً للآخرين فمثله هو مثل العامة (جنة بلا ناس ما تنداس) ولعلّه كان يتمثل بقول المعري ((أبو العلاء)):
ولو أني حبيت الخلد فرداً
لما أحببت للخلد انفراداً
فصاحبنا هذا له أصدقاء وفيٌّ لهم وإن لم يستوف منهم شيئاً يعاشرهم ويعاشرونه ولكنه ينفرد عنهم يصبح خليلاً لواحد لا يتركه، يحترم العلاقة فإذا هو الحبيب، وفي الوقت نفسه لا يبتعد عن أحد، فما أكثر الذين هو صاحبهم ينشرح لهم لا يفترسهم بغيبة ولا يسأل عن الذين تصله من خبره هو الغيبة له. علمه الصديق والخليل أن لا يغضب من صاحب استغابه، ومرت سنون فإذا هو في غيبة عن هؤلاء حين أصبح قعيد البيت لم يجزع من نكران الصاحب، ولا من تنكر الصديق وإنما الذي أمضّه ابتعاد الخليل عنه، تعود من خليله أن يسأل عنه يتلفن له، فقد اعتذر عن هذا الخليل إذ لم يزره ولكن لا يستطيع أن يعذره حين انقطع عن السؤال عنه، أمضّه ذلك وكبر عليه أن يسأله عن خليله وبالمصادفة وقد خرج إلى السوق يتسوق بعض ما هو في حاجة إليه فإذا هو يصادف خليله فابتدره الخليل يقول له: لماذا تقاطعني لم تسأل عني فأجابه بحرقة يقول: إنك تفترض عليّ السؤال عنك بينما الواقع الذي يفرضه شكر ما صنعته لك هو الذي يفرض عليك أن تسأل، تفترض عليّ ولا تفرض على نفسك والفرق كبير بين الافتراض والفرض، فأجابه أنا لا أفرض على نفسي أن أسأل عنك إن صنعت لي جميلاً فإن تقبلي للجميل منك هو الشكر غير اللائق. وساعتها تذكرت أحد الذين أحسن إليهم رئيس انتشله من الحاجة فعينه في وظيفة يعيش منها وجرى حديث بيني وبينه قلت له: الرئيس يسأل عنك وسؤاله رعاية فلماذا لم تذهب إلى مكتبه تزوره شاكراً؟ فقال لماذا أشكره، وظيفة خالية عينني فيها والمسألة عندي هي في هذا السؤال، لماذا هو فوق ولماذا أنا تحت. إن ما صنعه إليّ يذكرني بالتبعية له وأنا لا أريد أن أكون تابعاً لأحد. قلت له إن لقمة العيش التي تأكلها تفرض عليك أن تشكره متى أتاحت لك الفرصة لتجد لقمة العيش وأنشدت: