| إقبال الكريم.. واستقبال المكرمين |
|
ـ يا خادم الحرمين ويا أيها الملك فهد بن عبد العزيز:
|
| أبيتم إلا أن تكونوا حماة الحرمين بخدمة الحرمين، فلقب الحماة يعطي الذين لقبوا به معنى الدفاع عن الحرمين الشريفين، فعلى من أخلص في ذلك الرحمة. أما أنتم - أيها الملك - فقد أفصحتم عن الحماية بلقب ((خادم الحرمين الشريفين)). |
|
فالخادم لهذين المسجدين يعني الحماية والرعاية والبناء ونشر العلم وافتتاح مطبعة المصحف الشريف في المدينة المنورة مدينة المصحف.
|
| فمصحف ذي النورين هو مصحف المدينة. كأنما طبْع المصحف في المدينة أردت به أن تكرم دار الهجرة، البلد الطيب، عاصمة الإسلام الأولى التي اعتصم بها العربي حين أسلم فإذا هو بقوة العروبة فيه وقوة الإيمان قد بنى العواصم، شرقاً وغرباً فلقب ((الخادم)) إحاطة كاملة تعني أن السلطان والحكم والدولة قد وظفتهم للعمل النظيف والحماية الكريمة. |
| حين أقبلت على المدينة المنورة تشد رحالك إلى مسجدها، ثم تُشرف على ما اعتلى من البناء وما انتشر من العلم وما اتسع من العمران، ثم تتشرف مُسلماً تحمل في يدك المصحف يُطبع في المدينة.. مدينة المصحف. |
| كنت بهذا الكريم، يستقبلك المكرمون مرحبين وحامدين شاكرين. |
| ـ أيها الملك.. |
| أخذتني هزة من المسرة، رغبت إليَّ أتمنى أن أكون الجذع أخِبُّ فيها وأضع. أستقبلك خطيباً على منبر كنت أخطب عليه، مشاركاً أهلي يوم يحتفلون بك. |
| ولئن فاتني أن أرقى المنبر في يوم حفل. فلن أفوّت على نفسي أن أتخذ من القرطاس منبراً، أكتب فيه خطاباً أنشر التحية إكباراً وإجلالاً لقدرك ولعملك. |
| فلئن كان للمدينة عليَّ هذا الدَّيْن فمن حق الولاء أن يكون لك دَيْن. الوفاء للبيعة والصدق مع الولاية لا ينحرف عنها إلا من يتجاهل ما نحن فيه ليتساهل عن شكر العطاء الذي أنت صاحبه. عطاء المسؤولية عن كل كيانك الكبير. بناه أبوك وصانه إخوتك وأنت الآن تصون وتزين. |
| ـ أيها الملك.. |
|
ظاهرة مشكورة أن تشد الرحال إلى مدينة النصر والإيمان فهي مأزر الإيمان.
|
| فالمصحف كتاب الإيمان، كأنما أنت بإيمانك أحببت أن تعلن إيمانك حين تضع يدك تقبّل المصحف قبلة تدعو بها قارئ القرآن أن يحافظ على القرآن. |
| ـ أيها الملك.. |
| أجزني أن أكتب في هذه الفرصة تاريخاً لأبيك لم يُذْكر، هو كيف استقبلته مكة استقبال ترحيب، لأنه لم يكن الثقفي الذي أهدرها، ولم يكن الأمير الذي بنى لأمه كنيسة فيها فأميرها فيما مضى خالد القسري بنى لأمه المسيحية كنيسة في البيت. |
| أما المدينة فقد كان أبوك عبد العزيز بن عبد الرحمن يكربه أن تُهدر المدينة. حاصرته جيوشه من الجنوب والشمال فكانت لا تنقطع رسائله يدعو إلى احترام حرمة المدينة. |
| لم يرسل الكتاب فحسب، وإنما أرسل شيخ نجد عمر بن سليم، يرحمه الله، يفتل فيصل الدويش يرحمه الله في الذروة والغارب، يثنيه ألا يمس المدينة بسوء، وزاد على ذلك. فلم يكتف بالرسالة والرسول، وإنما أحاط المدينة بجيشين، جيش في الجنوب يقوده ابنها عبد المحسن العزم، يطيع عبد العزيز فحال دون الكثير حين كان الغرم القريب من المسجد النبوي. وكان الدويش بعيداً عن المسجد. وجيش في الشمال بقيادة إبراهيم النشمي. يأمره عبد العزيز رحمة بالمدينة وأهلها أن لا يضيق الحصار، يفسح المجال للرجال يبلغ عددهم أربعين أو أكثر يتسربون في الليل يحملون المؤن والأرزاق إلى المدينة، ليتسع صبرهم على الحصار. ولينفد صبر الدويش. |
| لقد كان عبد العزيز وجيوشه تحاصر المدينة هو الصوان لحرمتها.. |
| إن عبد العزيز قد قبل التحدي وهو البعيد عن المدينة حين طلب من شاه إيران أحمد رضا بهلوي أن يسمح لمندوب يرى مآذن المسجد والقبة هل أصابها الرصاص. فإذا عنفوان البطل وثقة البطل ومعرفته من رسائل الرجال الذين كانوا له. يمدونه بأن مآذن المسجد والقبة لم تصب برصاصة فقبل التحدي وسمح لسفير إيران ((شمس المُلك)) يرافقه أحمد لاري، يصل إلى المدينة في سيارة محروساً برجال عبد العزيز يكتب للنشمي أن يكرمه وأن يسمح له بدخول المدينة، فدخل المدينة السفير، وشاهد المآذن والقبة فوجد كل ما قيل كذباً، وانتصر عبد العزيز. |
| إن عبد المحسن العزم لو رمى حجراً لوصل إلى المسجد، لأنه كان في العوالي، وكان بعض جنوده يصلون إلى البقيع، يكتشفون - وبأمر عبد العزيز - عمن يكون مرسلاً لأذى. كان ذلك تدبيراً محكماً من عبد العزيز فالنشمي أطاع، فإذا المدينة ترتزق والعزم حافظ. |
| وما كان ذلك إلا لئلا تشوب شائبة عمل عبد العزيز وانفك الحصار. وجاءت الدعوة إلى عبد العزيز تطلب منه أن يرسل ابناً من أبنائه تستقبله المدينة لتكون تمام التكوين لهذا الكيان الكبير. |
| وفي التاسع عشر من شهر جمادى الأولى سنة 1344هـ، وكان يوم سبت، استقبلت المدينة أخاك العظيم ابن العظيم محمد بن عبد العزيز، فلم تُرَقْ قطرة دم، وإنما تسعّر في الدم سلام واشتعل في الدم تمام الكيان الكبير. |
| ولعلّي لا أسرف في المقارنة، فالفتح المبين لمكة تمت به وحدة العرب في ظل توحيد الكلمة وكلمة التوحيد، وتم للمدينة كواقع في مقارنة التاريخ لا في التفاضل والتماثل، تم لها أن تكون أخت مكة فاتحة الوحدة للجزيرة العربية كياناً كبيراً.. المملكة العربية السعودية. |
| مقارنة يحتمها واقع التاريخ. وإلا فللَّه العزة ولرسوله كما يمن الله بالعزة على المؤمنين إذا ما نصروا واقتدوا واعتبروا. |
| ـ أيها الملك.. |
| هذا واقع التاريخ لا أفتعله وإنما أنفعل به. |
| أمد الله في عمرك ووقانا الله شر الناقمين وشرور المعتدين. |
|
|
شارع عبد المقصود خوجة
00966-12-6982222 - تحويلة 250
