شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
في الهند
ـ وحين الأوبة من رحلتي إلى الهند كان المقرر أن نبقى في بومباي أياماً، فعز علينا وجود مكان في الباخرة لأن العودة كانت في أشهر الحج، فلجأنا إلى الرجل الكريم عبد الرحمن القصيبي والد الدكتور غازي القصيبي، وكان في بومباي. وله قيمة هناك فسهل لنا طريق الرجوع، وانعقدت بيننا صداقة، فشاكر المعروف هو القادر على صنعه، وناكر المعروف هو الباخل أن يصنعه.
ونزلنا ضيوفاً على بيت شرف الدين أخوال مدير جامعة الملك عبد العزيز الدكتور عبد الله نصيف فكانوا من الأكرمين. وفي يوم من أيام بقائنا هناك أخذونا إلى ((سيرك)) ألماني كان يعرض ألعابه في بومباي لعلّ اسمه ((سيرك هوفمان)) جلست أنا والشيخ محمود شويل يرحمه الله كل على كرسيه وبهرتنا الألعاب الحيوانية، وجاء دور كلاب البحر.. كلاب ثلاثة يتلقفون الكرة يقذفها الكلب إلى الآخر تسقط على الأرض.. يتناوبون ذلك. كان منظراً مثيراً معجباً. ولا أدري كيف التفت إلى الكراسي التحتية فنظرت إليها، فتاة ((بارسية)) أي (من نسل الفرس) الذين هربوا إلى الهند وبقوا على مجوسيتهم. نظرت إليها وقلت كأنها هي هي، هكذا يعظم الشبه، لقد تركت تلك في المدينة، فهي التي كانت تلعب فقد أدركها الكرب سنتين وهي طفلة، أخذها عسكر فخري باشا وأمها وأختها يجرونهم جراً إلى القطار دون أب، فالأب قد فر. فأي قسوة أمر من هذه! وأي ضيم أشد من ((هذه)) بل أكثر من ذلك أن أمها ماتت وأن أختها ضاعت، ورجعت وحيدة إلى أبيها. وكانت بيننا وبين أبيها قربى نسب. كانت جميلة كالبارسية تلك. ألهتني النظرة إلى البارسية أن أنظر إلى كلاب البحر، فقد أثارت الشوق إلى هذه التي كأنها أخت، أو إلى هذه وأنها للحب الأول، حب لا يدريه المراهق إلا بعد، أن يصبح شاباً، وبعد فوات الأوان!
ونزلت إلى ميناء جدة فسمعت نهيق الحمار، فطربت من أنكر الأصوات، ذلك أني لم أر حماراً في الهند مدة ستة أشهر! ورأيت ((تكرونياً)) ففرحت كأنه من سمات بلدي، فالحمار والتكروني كل منهما أعطاني الفرصة أني أطأ أرضي، وهكذا النفس تحدث فيها الفوارق، فالفارق كبير بين الفتاة البارسية وبين الحمار والتكروني!
الفارق أن تلك أثارت الشوق، وهذان أثارا الفرحة!
 
طباعة

تعليق

 القراءات :812  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 541 من 1092
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

سعادة الدكتور واسيني الأعرج

الروائي الجزائري الفرنسي المعروف الذي يعمل حالياً أستاذ كرسي في جامعة الجزائر المركزية وجامعة السوربون في باريس، له 21 رواية، قادماً خصيصاً من باريس للاثنينية.