شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
جيل التجربة
ـ ونحن جيل التجربة مرة أخرى قد ذقنا أشد الحرمان من فقدان الطبيب والتطبيب. ليس لأن علم الطب لم يتقدم في العالم كما هو الآن وإنما كانت أوضاعنا المتأخرة قد حرمتنا من طبيب يوثق به، ولا أعني أنه غير أهل للثقة وإنما الطبيب الواحد المحصور فيما اكتسب حتى أخذ إجازة الطب لم يكن على صلة بالجديد فانحصر في قديمه كما انحصر الناس في الطبيب الواحد. فالحمى لا نعرف إلا أنها واحدة، تعلمنا من الطبيب أنها ((الملاريا)) ثم هو لم يذكر لنا أنواعاً أخرى من الحميات، فأي حمى غير الملاريا كالتيفوئيد (مثلاً) تعالج بالكي في قمة الرأس، ويكون الشفاء بإذن الله فيؤمن الناس بالكي كعلاج ذات الجنب والفتاق واليرقان، كلها لا تعرض على الطبيب وإنما تعالج بالكي على الأطباء المعروفين لدى الشعب، يثقون بهم كل الثقة. وبقيت مشكلة العيون فقليل نجاح الطبيب في علاجها، وكثيرون يفقدون أبصارهم دون علاج.
ولماذا التعميم فلأذكر ما جرى علي، أصبت بذات الجنب مرتين فعالجوني بالكي، لأن والدي كان كما يقول يعرف مضاربها، فكلما أحسست بوخزة وضع المسمار في النار وكواني تلك مشكلة أصبحت سهلة، ولكن المشكلة المعقدة أن عمت الإصابة بالتهاب اللوزتين، يسمونه ((الحدار)) ولا يعرفون اسم ((الدفتريا)) فأصيب السيد ((أبو الهدى رفاعي)) بذلك فتوفاه الله، وأصيب ((ياسين الرواف)) معاون إمارة المدينة فلم يعالجه الطبيب الذي كان هناك واسمه ((محمد علي الطرابلسي)) وقالوا إنه كان زميلاً للدكتور ((محمود حمودة)) أول مدير للصحة في المملكة العربية السعودية. ولكن أرسلوا سيارة نقلت السيد ((ياسين الرواف)) إلى جدة أو مكة فعولج هناك.
وأصبت بالتهاب إحدى اللوزتين وكانت اليمني، وانسد فمي، فإذا البيت كله في رعب. سيموت كما مات ((أبو الهدى الرفاعي)) وإذا بعجوز لا أعتقد أن طولها أكثر من متر وكانت من صعيد مصر الذين سكنوا المدينة، فذهبوا إليها فأتت وأرادت أن تفتح فمي فلم تستطع فقالت: عندكم نخالة؟ إذ لم تكن نخالة عندكم عيش ناشف؟ بل هي قالت ((عندكم لبة ناشفة؟!)) قلنا: نعم. وضعت العيش الناشف بعد أن دقته.. سخنته على النار فردته على خرقة ولا يزال حاراً فوضعته على حلقي كأنه لبخة ((انفولوجستين)) التي عرفناها بعد، ولم تمض ثوان حتى سال الدم من اللوزة الملتهبة بفعل هذه ((اللبخة البلدي)) وفتحت فمي فدهنت اللوزة المنفجرة برماد فلفل أسود وأبلعتني بيضة مسلوقة، وشفيت أعيش بحمد الله إلى الآن!
فأي حرمان أكثر من هذا؟ وأي وجود أقل من هذا؟
ولكن انفتح الباب لألف طبيب وطبيب ولألف مستشفى فوجب على جيل التجربة أن يكونوا جيل الحمد، فالحمد لله على ما مضى والشكر لله على ما أعطى، ثم هو الشكر لشباب من أبنائنا عمروا المستشفيات التي عمرتها الدولة لأقول للدكاترة ((حسان رفة)) و ((رضا خليفة)) و ((حسن سليمان سليم)) و ((عصام قدس)) وأمثالهم.
هذي المكارم لا قعبان من لبن
شيبا بماء فعادت بعد أبوالا
ولعلّي أكرر بعد عن تجربة أخرى على هذا النحو.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :793  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 483 من 1092
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الأستاذ محمد عبد الرزاق القشعمي

الكاتب والمحقق والباحث والصحافي المعروف.